أبرز الأخبارملف

اللبنانيون في مواجهة الإرهاب.. امش على ما قدر ال!

نسمعهم يرددون: البلد واقف على صوص ونقطة. كل يوم خبرية وكل ساعة إنذار بالإشتباه بسيارة مفخخة أو جسم غريب هنا أو هناك، لا فرق. فالموت واحد. مرحلة وتمر؟ أيضاً نعرف، لكن لتمرير هذا القطوع قواعد وشروط، أولها أخذ كل تدابير الحيطة والحذر وآخرها الإستعانة بعناصر إضافية من عناصر الأمن الخاصة. والأهم أن يتحول كل مواطن إلى رجل أمن ومخبر وأن تبقى العيون مفتوحة عشرة على عشرة. لكن  ماذا عن المولات والسوبر ماركت والمراكز الدينية التي باتت تنادي على زبائنها والمؤمنين؟؟ ماذا عن شعب هذا البلد بكل أطيافه وطوائفه الذي وصل إلى مرحلة متقدمة من القلق والإشمئزاز والخوف؟ ماذا عن التجار الذين بلغوا مرحلة اليأس مع افتقاد الحركة بشكل شبه نهائي؟ ماذا عن الأجيال الطالعة التي لم تعد تجد امامها إلا الهجرة باباً للأمل والفرج؟ كلام محبط؟  إنه الواقع. مر النهار على خير. غداً يوم آخر. لكن هل سمعتم بمقولة الله الحامي؟

من دون أن نكون متمسكين ومؤمنين بمشيئة الله لا يمكن الإستمرار. صدقوا. تصوروا مثلاً أن يكمل إنسان حياته في أجواء تحمل في كل ساعة خبراً أمنياً ما. إما الإشتباه بسيارة مفخخة في الشارع الفلاني، أو وجود جسم غريب أمام إحدى الثكنات العسكرية أو على طريق منزل إحدى الشخصيات السياسية أو الأمنية. ويطمئنوننا لاحقاً إنها أخبار كاذبة! عظيم لكنها كافية لإحباط المواطنين وكربجة الحركة الإقتصادية التي تعاني أساساً من التراجع. وما دعوة الهيئات الإقتصادية إلى الإضراب العام في الرابع من أيلول (سبتمبر) إلا دليل على إفلاس المعنيين من إيجاد حل ما، خصوصاً أن رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير صرح بأن اللجوء إلى الإضراب هو آخر وسيلة لأنه مقتنع أنه لن يحمل جديداً طالما أن التجار والأسواق هم في حال من الإضراب العام والدائم، والناس على حافة الإفلاس. هذا عدا عن الذين اعلنوا إفلاسهم سلفاً. فماذا ينفع الإضراب؟

عيون ترصد
واضح أن اللبناني لا يزال يملك العقل الأمني المخطط والمدبر. فأهالي الأحياء السكنية اتفقوا على التناوب على الحراسة الليلية وكذلك في ساعات النهار مع مضاعفة العيون الراصدة في ساعات الذروة. وكل سيارة غريبة تتوقف أمام محل أو مؤسسة تجارية أو مصرفية يطلب من صاحبها التعريف عن نفسه وإلا يصار إلى التبليغ عنها فوراً للقوى الأمنية التي تحضر وتعمل على سحبها. وكل شخص يركن سيارته ويترجل منها مسرعاً يلحق به عناصر الحراسة وتبدأ عملية الإستجواب. لكن ماذا لو نسي أحدهم ان يترك إسمه أو ما يدل على مكان وجوده بعدما ركن سيارته في أحد الشوارع وتوجه نحو أحد المصارف؟ وتفادياً لأي التباس عممت مديرية قوى الأمن الداخلي بياناً طلبت فيه من كل مواطن وضع إسمه ورقم الهاتف بشكل واضح وظاهر خلف الزجاج الأمامي، وإلا يصار إلى رفعها بواسطة آلية تابعة لقوى الأمن الداخلي.
إنتهى البيان. لكن تداعيات جو الإرهاب المتنقل تطول. في اختصار كل مكان يشهد تجمعاً بشرياً فرغ من ناسه وحتى أهله. مدير الصالات في سوبر فاليو فهد سامر عيد الذي افتتح ابوابه منذ نحو الشهر في منطقة الزلقا اعترف بأن إقبال الناس على الشراء من السوبر ماركت انخفض بشكل انحداري. «الناس خايفة وهذا حقها. تصوري أن مطلق أي لبناني ما كان يوفر فرصة افتتاح مركز تجاري. اليوم بات يفضل البقاء في المنزل لأن الخوف من زرع عبوة أو وضع سيارة متفجرة يقف في المرصاد. ولفت إلى أن اللبناني بات يدرك أكثر من اي وقت مضى ان حياته مهددة. لكنه طمأن إلى أن السوبر ماركات أتخذت احتياطاتها الأمنية كافة وعملت على زيادة عدد عناصر الأمن الخاص عند المداخل وداخل الصالات . ويتولى «المخبرون» التبليغ عن أية سيارة غريبة متوقفة أمام السوبر ماركت من دون وجود أية بطاقة تعرف عن صاحبها، أو في حال تم ركن سيارة وترجل منها صاحبها على عجل «لأن الخطر لا يقتصر على السوبر ماركت. فهناك مبان رسمية وإعلامية في الجوار ولا يمكننا المجازفة. لكن الله هو الحامي في النهاية».
مسؤول في أحد المراكز التجارية الكبرى في ضبية اعترف بأن الحركة تراجعت بنسبة 60 في المئة في اليومين التاليين لإنفجاري طرابلس الإرهابيين «فالمشاهد كانت مروعة وللمرة الأولى نلمس شعور الخوف عند اللبنانيين». وأكد أن الحركة انحسرت في كل أقسام المركز «وكان ممكناً أن نقول بأن اللبناني ينسى ويتكيف لولا الكلام الشائع اليوم عن وجود سيارة مفخخة في المناطق المسيحية».

ارتفاع الطلب على عناصر الامن
قد تكون عناصر الأمن التابعة للشركات الأمنية الخاصة بمثابة حافز لإشاعة اجواء من الإطمئنان أمام السوبر ماركت والمراكز التجارية الكبرى والمؤسسات الرسمية والمصارف… لكنها في المقابل تعكس وجود حالة إستثنائية ما في البلد. مستشار إحدى الشركات الأمنية الكبرى والمعتمدة في المصارف والشركات الكبرى في لبنان جهاد جعجع أكد أن الطلب على العناصر الأمنية ارتفع من جديد بنسبة تتخطى الـ 50 في المئة. «وهذا الكلام ينطبق على الشركات الكبرى أما الصغيرة التي لا يتعدى عدد عناصرها الـ 30، فهي متخصصة في حماية الأفراد محلياً وتحديداً الشخصيات من رجال أعمال وأمراء عرب حيث يؤمن العناصر الحماية لها حتى لحظة مغادرتها لبنان».
نسبة الطلب على عناصر الأمن ارتفعت بمعدل 200 في المئة. وبدلاً من الإكتفاء بعنصر أو إثنين بات الطلب ملحاً على وجود ما لا يقل عن خمسة عناصر لتولي الأمن والحراسة داخل المركز ومحيطه، وطبعاً عند مداخله كافة. ولفت جعجع إلى أن المعادلة منطقية «لأن صاحب مطلق اية شركة كبرى أو مركز تجاري يفضل أن يدفع مبلغاً يراوح بين 30 ألف دولار و40 ألفاً في السنة بدل الحماية الأمنية على أن يتكبد خسائر بملايين الدولارات في حال وقوع انفجار أمام المركز أو المحيط لا سمح الله. هذا عدا عن التعطيل والخسائر البشرية». وبنتيجة الجولات التي قام بها في الأسبوع الذي تلا تفجيرات الرويس وطرابلس على المولات الكبرى، تبين أن عدد الزوار انخفض إلى أقل من النصف. وفي حين كان يدخل المركز يومياً 150 زبوناً يشتري منهم نحو 20، فإن العدد بات يقتصر على 10 فقط بهدف الشراء أما الزوار فإختفى أثرهم. وفي الأرقام انخفضت مداخيل صناديق السوبر ماركت في الويك إند الأول بعد عيد الفطر من 750 مليون ليرة في العام 2012 ومليار و100 ألف في  2011 إلى 250 مليون ليرة. صدقوا الخسائر بالملايين.

العين السحرية هل تكشف؟
لكن الرهان يبقى على اللبناني الذي ينسى بسرعة ويتأقلم مع كل الأجواء. ألا يقال عنه إنه «عييش»؟ لكن ليس هذه المرة. فالمظاهر الأمنية التي تهدف إلى توفير الأمن وحماية الناس عند مداخل المؤسسات ترعب الكثيرين. حتى الكنائس والجوامع والحسينيات تقلص عدد المؤمنين فيها بعد التفجيرات الإرهابية. وعمد القيمون على أوقاف
الكنائس والأديرة إلى إقفال الأبواب التي كانت تبقى مشرعة أمام المؤمنين طوال أيام الأسبوع . لكن إلى أي مدى يمكن الإتكال على المعدات المستعملة للتفتيش عن الأجسام المشبوهة من قبل الشركات الأمنية؟
يقول جهاد جعجع: إن الوسائل المعتمدة عديدة، منها الآلات التي تعتمد على العين السحرية وهي قادرة على التقاط أي جسم غريب مثل الرصاص أو العبوة. لكن في حال تم تغليف العبوة بعازل يصبح من المستحيل التقاط إشارات بوجود عبوة ناسفة في الحقيبة أو في صندوق السيارة. لكن هناك آلات قادرة على كشفها لكنها مرتفعة الثمن وهي موجودة لدى عناصر أمنية تابعة لحزب ديني. من هنا قد يقتصر التدقيق أحياناً على المعدات التقليدية أو البدائية مثل المرآة المستعملة من قبل عناصر الأمن المتوقفة في محيط وعند مداخل مصرف لبنان المركزي أو يصار إلى التدقيق في وجه السائق أو الشخص الذي يدخل «المول».

تحدّ ولا تردع
في علم الإرهاب لا شيء قادراً على ردع إرهابي عن تنفيذ مهمته الإجرامية التي تهدف أولاً وآخراً إلى حصد أكبر عدد ممكن من الضحايا. وإذا عدنا إلى أصل كلمة إرهاب فهي مشتقة من كلمة رهاب أي خلق حالة من الخوف والهلع على ما يوضح رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث العميد الركن المتقاعد د.هشام جابر. ويجزم بأن التدابير الأمنية المعتمدة من قبل الأفراد والعناصر الأمنية التابعة لشركات أمنية كفيلة في الحد من عمليات التفجير، لكنها لا تردع: «فيد الإرهاب طويلة ومن يقوم بهذه الأعمال يحتاج إلى تمويل كبير من أجهزة استخبارات عالمية وإقليمية. ولبنان ساحة مشرعة لكل أجهزة الإستخبارات المعنية في الشأن السوري».
التيقظ والحيطة والحذر من اولى القواعد الواجب اعتمادها
في هذه الظروف الأمنية الدقيقة والحرجة التي تمر فيها البلاد والمنطقة، لكن المطلوب واحد كما يقول العميد الركن المتقاعد: «يجب توحيد الأجهزة الأمنية وإنشاء غرفة عمليات مركزية واحدة تعمل على مدى 24/24 ساعة. أما على مستوى الأفراد فالمطلوب من كل مواطن أن يكون خفيراً لأنه يستحيل وضع عنصر أمني امام كل بيت أو في كل شارع . حتى الأمن الذاتي مرفوض. والبديل؟ «المطلوب من البلديات تأمين الحراسة بشكل دوري وأن يتولى المجتمع المدني مسؤولية الأمن لكن من دون سلاح بحيث يصار إلى التبليغ عن كل سيارة أو جسم مشتبه فيه».
لكن هل يمكن تفادي وقوع الكارثة؟ واي دور يجب أن تلعبه اجهزة المخابرات للحد من موجة التفجيرات؟
يعتبر جابر أن المعلومات المتوافرة لدى أجهزة المخابرات كفيلة في تقاطع المعلومات وملاحقة المشتبه فيهم حتى المستودع والمكان الذي يتم فيه تجهيز السيارات المفخخة. لكن المسؤولية لا تتوقف على الأجهزة الأمنية، «فالإعلام يلعب دوراً في تجييش الإرهاب وتخصيب الأرض من خلال لغة التحريض وخطاب الفتنة. ومعلوم أن الإرهاب لا ينبت إلا في أرض خصبة ومشبعة بالمواد العضوية وهي متوافرة من خلال الخطاب السياسي الذي يزرع بذور الفتنة ويحرض الناس على بعضهم».

لاعلان حال طوارىء
أمنياً يؤكد جابر ان الأجهزة الأمنية تمكنت من التقاط خيوط من متفجرات الرويس وطرابلس وهي قادرة على تفكيكها والتوصل إلى كشف خيوط الجهات التي نفذت هذا العمل الإرهابي. واعتبر أن اليد التي زرعت متفجرة الرويس هي نفسها التي زرعت متفجرتي طرابلس بهدف زرع الفتنة المذهبية التي بدأت تشتعل منذ 10 أعوام في العراق لتنتقل إلى سوريا فلبنان. وذكر بكلامه بعد وقوع انفجار الرويس حيث أكد على وقوع انفجار ثان في منطقة سنية  بحت في حال لم يحصل أي رد فعل من قبل حزب الله. وحدد في حينه المناطق التي قد يقع فيها انفجار إرهابي وهي: صيدا وطرابلس والطريق الجديدة. و«هكذا حصل لأن الطائفة الشيعية وتحديداً حزب الله لم يقم بأي رد فعل على الأرض ضد السنة».
وماذا عن المناطق المسيحية المهددة؟ يجيب جابر: «الثابت أنهم لن يوفروا المناطق المسيحية لأن «الجهات الإرهابية» لن تتركهم في حالهم بهدف تهجيرهم تماماً كما حصل في العراق حيث كان يصل عدد المسيحيين عشية سقوط الرئيس المخلوع صدام حسين الى مليون و500 ألف مسيحي. اليوم لا يتجاوز عددهم 300 ألف. وما يحصل في حق المسيحيين في وادي النصارى في سوريا لا يقل فظاعة». ويختم جابر: «المطلوب أن نكون حذرين ومتيقظين على مستوى الأجهزة الأمنية والأفراد كما ذكرت واعتماد وسائل تقنية حديثة للكشف عن وجود أجسام غريبة وتثبيت كاميرات حديثة، لأن الإرهاب سيبقي على ضرباته الإجرامية حتى يحقق هدفه من اشتعال الفتنة المذهبية، من هنا ضرورة إعلان حالة الطوارىء في البلاد لأنها تضع كل القوى العسكرية تحت أمرة الجيش اللبناني.

تنجح الخطة أو لا تنجح؟
كل شيء يتوقف على قدرة اللبناني على الصمود والتحمل. لكن اللبناني قدري بطبعه وإن كان منسوب الخوف عنده قد تخطى النصف وهو يرتفع مع كل انفجار إرهابي. الأستاذ في علم الإجتماع الدكتور عبده قاعي اعتبر أن : اللبناني لم يتغير، والمشكلة تكمن في ذلك، فهو لا يزال في حال من التكيف الدائم مع الواقع. قد تكون هذه ميزته وفق القاعي لكنها في الوقت ذاته مشكلة لأن بناء المجتمع لا يقوم على التكيف إنما على التحديات. وعلى الإنسان أن يتحدى في تكوينه الطبيعي فيستقوي حتى يواجه الأٌقوى وليس العكس. منذ العام 1975 وهم يقولون للبناني: إنك طائفي. والمشكلة أنه تكيف مع هذه «النظرية» وصدق أنه طائفي وهذا ما أوصله إلى هذا الدرك.
بدورنا سنصدق أننا أوصلنا انفسنا إلى ما نحن عليه. لكن لو لم يكن هذا اللبناني على ما هو عليه اليوم لما تمكن من أن يصمد في وطن ننام فيه على إنفجار إرهابي يحصد نحو 50 قتيلاً وأكثر من 600 جريح. ونصحو على ورشة إعمار ولملمة جراح من جهة، ومهرجانات تستكمل في موسم صيف أقل ما يقال فيها إنها تحد وانتصار على نظرية الموت والإنهيار.
انتهى النهار. ظمطنا من إنفجار. لكن ماذا عن اليوم التالي؟ الناس في الشارع وعجقة السير تؤكد أن البلد على حاله بإستثناء أن العيون شاخصة على كل سيارة وكل زاوية والكل مشتبه فيه حتى يثبت العكس. سلموها ربانية!.

جومانا نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق