اما ان تعملوا… او تتوقفوا عن تعاطي السياسة
الهدوء الذي ساد في البلاد، وان كان هدوءاً مصطنعاً، بدأ يهتز وتوتر الجو السياسي منذراً بعواصف خطيرة. فمنذ تشكيل هذه الحكومة والتي تضمن بيانها الوزاري النأي بالنفس عن كل الازمات والمشاكل التي تسود المنطقة، وعدم الخروج عن القرارات العربية، وهي ملزمة للبنان بصفته عضواً في الجامعة العربية، ثم الاتفاق على تحييد الملفات الخلافية ووضعها جانباً، والاهتمام بالملفات المتعلقة بشؤون الناس وحياتهم اليومية.
غير ان هذه السياسة لم تعد تلائم فريقاً من السياسيين، وقد صدرت الاوامر بفتح ملفات تخدم اصحاب الامر والنهي في الداخل وفي الخارج، طرح على بساط البحث تطبيع العلاقات مع سوريا، مع علم الجميع ان في ذلك خروجاً على الاجماع العربي والدولي. ولم يأخذ هذا الفريق وهو ما كان يسمى بفريق 8 اذار، بعين الاعتبار الاجواء الملبدة بالنسبة الى علاقات لبنان الدولية والعربية، وايضاً بسبب سياسة هذا الفريق. فكان ان توترت الاجواء وباتت تنذر بشر مستطير، خصوصاً وان الرئيس الحريري طلب عدم تسجيل المناقشات المتعلقة بهذا الموضوع في محضر جلسة مجلس الوزراء، فما كان من احد الوزراء، وفي موقف ينم عن التحدي والتفرد في الرأي، من باب سياسة الامر الواقع، الا ان صرح للصحافيين لدى خروجه من الجلسة، بانه ذاهب الى سوريا، وليس بصفته الشخصية، بل بصفته الرسمية، اي انه يريد جر الحكومة الى الاستسلام لسياسة هذا الفريق، وكأنه يقول ممنوع الاعتراض، والمناقشة.
وما يشجع هذا الفريق على اتخاذ هذه المواقف هو تخاذل الفريق الاخر، والذي كان يسمى 14 اذار. ففي العام 2005 نزل اكثر من مليون ونصف المليون لبناني الى الشوارع، في تظاهرة لم يشهد لبنان لها مثيلاً، واعلنوا تأييدهم ودعمهم لما اطلقوا عليه يومها ثورة الارز، فانكفأ الجميع وبدأوا يعدون العدة لمواجهة هذا الوضع الجديد. غير ان فريق 14 اذار لم يعرف ان يستثمر هذه القوة الطاغية التي منحه اياها الشعب، فبدأوا في التراجع وفي التقهقر، في وقت كان فريق 8 اذار يعمل بصمت حتى استعاد كل شيء، وكل ما كان يتمتع به في زمن الوصاية. فتسلم السلطة بشكل او بآخر، وفرض شروطه وارادته على فريق 14 اذار الذي بدل ان يواجه، كان يكتفي بالتصاريح الطنانة والرنانة، ولم يتخذ خطوة واحدة تنبىء بأنه عازم على استعادة ما خسره.
هذه القوة التي يتمتع بها فريق 8 اذار ناجمة عن تقاعس 14 اذار وهي التي تمكنه من املاء شروطه وارادته على الدولة وعلى الشعب، خصوصاً وانه لا يرى امامه من يواجهه، وهو سيستمر في هذه السياسة ويحقق كل ما يريد. والسؤال اليوم، ما هو مصير الحكومة بعدما عادت الخلافات تعصف بها، واصبحت مقسمة بين فريقين متناقضين متواجهين. الفريق الاول يصر على تطبيع العلاقات مع سوريا والخروج من الصف العربي والاجماع، وحتى من الارادة الدولية، اياً تكن المحاذير، لانه يخطط ويسير وفق اجندة معروفة. والفريق الثاني يعتبر هذه السياسة خطوة استفزازية هدفها خلق ارباك سياسي في الداخل، وتعويم النظام السوري، وحجة هذا الفريق، الوضع الامني وضرورة التنسيق مع سوريا، لانجاح معركة الجرود في رأس بعلبك والقاع واخراج الارهابيين من الاراضي اللبنانية التي لا يزالون يتمركزون في بعض النقاط. وكذلك فهم يتذرعون بالوضع الاقتصادي، باعتبار ان سوريا هي نقطة عبور للمنتجات اللبنانية. غير ان المعترضين مرتابون من هذه الخطوة خصوصاً وان الجيش اللبناني البطل نجح في تحرير الجرود دون ان يكون بحاجة الى التنسيق مع اي طرف، ويسألون عن سر اثارة هذا الموضوع في هذا التوقيت بالذات. ويبدو ان الفريقين مصران على موقفيهما. ومن هنا فان الحكومة هي في أسوأ وضع منذ تشكيلها وهي وان كانت اهملت او عجزت عن معالجة الملفات المتراكمة، فها هي اليوم تصل الى وضع لا تحسد عيه. بغض النظر عن الملفات الاخرى، وكلها تتعلق بحياة المواطنين، وهي عاجزة عن وضع الحلول لها. ان تمرد بعض الوزراء على قرار رئيس الحكومة والاصرار على الذهاب الى سوريا بالصفة الرسمية ينبىء بان الوضع الحكومي مهدد، وقد اصبح على شفير الهاوية، فهل كتب على اي حكومة يشكلها الرئيس الحريري ان يسقطها فريق معين، يفتعل الخلافات للوصول الى هذا الهدف؟ خصوصاً وان بعض الوزراء يرفضون التطبيع مع سوريا ويقولون ان كل شيء وارد في حساباتهم. على كل حال ان ذهاب بعض الوزراء الى سوريا بلا قيمة، ولم يحقق او يبدل اي شيء، سوى انه اساء الى الذاهبين انفسهم. فلبنان لن تقوى عليه التحديات وفي النهاية لا يصح الا الصحيح.
كلمة اخيرة يقولها المليون ونصف المليون انسان لبناني نزلوا الى الشارع في 2005، للفريق الذي يسمي نفسه فريق ثورة الارز، اما ان تظهروا انكم على قدر المسؤولية، فلا تكتفوا بالتصاريح فيما الاخرون يعملون، واما ان تتوقفوا عن تعاطي السياسة لانكم لستم اهلاً لها.
«الاسبوع العربي»