افتتاحية

حكومة الضرائب اسقطت الليرة بالضربة القاضية

الليرة اللبنانية احد رموز السيادة الوطنية، التي عرفت العز على مدى عقود طويلة، اسقطتها حكومة الضرائب بالضربة القاضية. انزلتها من رفوف السوبرماركت والمحلات التجارية بشحطة قلم، دون ان ترتجف لها يد، لاحقتها في الصيدليات فجرعتها السم بوصفة سياسية من وزارة الصحة، وادخلتها الافران واحرقتها بلهيبها بدفع من وزارة الاقتصاد، تستعد لادخالها المستشفيات وهناك تجرى لها جراحة، تبدل وجهها الى عملة خضراء تغري المضاربين والجشعين والمتلاعبين بحياة الناس. رفضت دخولها مجال الاتصالات واعلمتها وزارة الاتصالات بأنها غير مرغوب فيها، وحولتها الى منصة هي اشبه بالمقصلة، فقطت رأسها وعبرت الى جيوب المواطنين لتقضي على اخر ليرة فيها، هذا اذا كانت لا تزال قادرة على العثور على هذه الليرة. باختصار لاحقت حكومة الضرائب العملة اللبنانية وحكمت عليها بالاعدام، بعدما ابهرها الدولار ببريقه فهو قادر على ان يجوب جميع اسواق العالم، بلا حواجز ولا مواقع. دخل الاسواق اللبنانية بكل وقاحة وبلا استئدان، وتربع على عروش اخلتها الليرة اللبنانية، غير اسفة، وان بغصة وغضب من منظومة ضحت بالوطن كله من اجل مصالحها الخاصة ودفعت به الى الانهيار، الى هوة سحيقة بلا قعر، لا يعرف الا الله الى اين يصل مداها.
لبنان… هذه الجنة السياحية، الثقافية والصحية التي عرفها الاجداد، واستمعتوا برغد العيش فيها، ما كانوا يصدقون لو تيسرت لهم العودة ان منارة الشرق، اسقطوها في نار جهنم، واكتوى اهلها بنارها، فهجروها حتى اصبح نصفهم على الاقل موزعين في شتى انحاء العالم، يبحثون عن بلد يؤمن لهم حياة كريمة، حرمتهم المنظومة منها. وتسأل هل يعودون يوماً، وبلدهم بامس الحاجة اليهم، الى علمهم وثقافتهم ومهارتهم؟ والجواب دائماً واحد، لا خير يرتجى في الوقت الحاضر، طالما ان المنظومة التي دمرت كل قطاع يعمل، باقية متربعة على عروشها وجاثمة على قلوب اللبنانيين. ما الوعود التي تطلق وتبشر بالتغيير سوى سراب. فمن يدمر لا يستطيع ان يبني، لذلك لن نصدق تلك الوعود البراقة الكاذبة، التي هي اشبه بقبور مكلسة. نعم نعود ولكن اذا رحلوا.
لبنان احد مؤسسي الامم المتحدة وله اليد الطولى في شرعة حقوق الانسان، حرمته تلك المنظومة يوماً من حق التصويت فيها، لانها افرغت الخزينة بفسادها ولم يبق لديها ما يكفي لسداد المتوجبات عليها، لبنان ذلك البلد النموذج الذي لم يخلف يوماً بوعد، رفض، بقرار من الطبقة السياسية اياها دفع ديونه وتسديد بدل اليوروبوند، فكان هذا التخلف السكين الحاد الذي نحره ولطخ سمعته بالسواد.
لبنان احد مؤسسي الجامعة العربية وكانت له مواقف وادوار يفتخر بها بنوه، اخرجته سياستهم الخاطئة القائمة على المصالح الخاصة خارج هذه المجموعة، حتى اصبح معزولاً عن محيطه، وسيرّوه في دروب لا تشبهه، فاضاع البوصلة، وعبثاً يحاول اليوم التفتيش عنها لان الدرب التي يسير عليها لا توصل الا الى الخراب. وحتى الساعة فشل ابناؤه في تحقيق التغيير، واعادته الى السكة الصحيحة، ولما يئسوا، فضلوا الرحيل لضمان مستقبلهم ومستقبل عيالهم. واسوأ المواقف عندما نسمع بعض اركان المنظومة يتبرأون منها ويقولون انهم ليسوا منها فلو اردنا تصديقهم برأناهم، ولاصبح الشعب اللبناني المقهور هو المنظومة الفاسدة. انهم يستخفون بعقول الناس ولكن هؤلاء يملكون من الفهم والمعرفة ما يجعلهم يرون بوضوح الحقائق كلها، فاتقوا الله واعترفوا بذنبكم.
في كل بلدان العالم، حتى تلك الواقعة تحت انظمة ديكتاتورية تبقى للشعب كلمته ولو بالحد الادنى، ويبقى المسؤولون على تجبرهم وظلمهم يحسبون له حساباً، الا في لبنان فالشعب مجرد ارقام بنظر اللامسؤولين، لا قيمة له الا بمقدار ما يحتاجون اليه. اننا حقاً في بلد العجائب والغرائب، في عصفورية تحكمها الفوضى العارمة. النفق طويل. فمن اين يأتي الخلاص؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق