الأسبوع الثقافي

روز غريّب… تحولت الى قنديل وتراثها في طي النسيان!

افتتحت «دار نلسن للنشر» بالاشتراك مع «دار الندوة» سلسلة ندواتها لهذا الموسم، وبدأته مع الأديبة الاستثنائية روز غريّب التي ابصرت نور الحياة في بلدة الدامور سنة 1909 ورحلت في سنة 2006، بعد حياة حافلة بالعطاء في المجال التربوي، وفي حقول أدبية مختلفة… كتبت الرواية والقصة القصيرة والمسرحية والمقالة والنقد الأدبي وأدب الاطفال، ومارست الصحافة من خلال مجلة «الرائدة» التي تولت الاشراف على تحريرها، مساهمة في تحرير المرأة من رواسب الماضي ومنحها حقوقها الاجتماعية والسياسية… وساهمت هذه الندوة المتعددة الاصوات، في الاضاءة على سيرة حياة روز غريّب في ذكرى رحيلها السابعة بعدما نسيتها الدولة، كما نسيت غيرها من بناة الحياة الانسانية، اولئك الساعين وراء حق كل انسان في التعليم والعمل والحياة الكريمة.

 انطلاقاً من هنا، تساءل الكاتب والناشر – محرّك المياه الراكدة في الثقافة اللبنانية – سليمان بختي، في مستهل كلامه: لماذا روز غريّب؟ مجيباً: لأن هناك اكثر من 56 سنة في التعليم الثانوي والجامعي، واكثر من 75 مؤلفاً في الأدب والنقد وقصص الاطفال، واكثر من 30 سنة في حقل دراسات المرأة وبينها 7 سنوات رئيسة تحرير لمجلة «الرائدة». كما كتبت في مجلة «المكشوف» ومجلة «الأديب» و«صوت المرأة» و«النهار»… ومن ابرز كتبها: النقد الجمالي وأثره في النقد الأدبي – جبران في اثاره الكتابية – تمهيد في النقد الحديث – التوهج والأفول في سيرة مي زيادة وأدبها – نسمات واعاصير في الشعر النسائي العربي المعاصر – اضواء على الحركة النسائية المعاصرة – وغيرها الكثير من قصص الاطفال والمقالات الموزعة في الصحف والمجلات.
كتبت في مجلة «الرائدة» سنة 1979 هذا الكلام: «اذا كانت اوجاع العالم تزداد خطورة بتعدد الحاجات وتعقّد احوال المعيشة وتزايد عدد السكان، فان جهود العاملين تتكثف وتتسع بالنسبة عينها، فالخطر يخلق الشجاعة، والازمات الخانقة قد تجعل من الاشخاص العاديين ابطالاً ينتزعون اعجاب العالم واحترامه».

صمت مريب ومخجل!
ويخلص سليمان بختي الى القول، أعطت روز غريّب عمرها كله ومواهبها للمجتمع، لقضية العلم والتنوير والنهضة والتقدّم. تركت الضوء الذي يجعلنا نستدل. وماذا بعد؟ لا شيء. لم نفعل شيئاً. ان تكريم المبدع يكون بنشر أعماله. ماذا عن كتبها ونتاجها المفقود ومخطوطاتها ومقالاتها غير الموثقة؟ ماذا بعد؟ كأن شيئاً لم يكن، كأن شيئاً من الزمن تريث على الكلام، مجرد صمت مريب مخيف مخجل. لم يطلق اسمها على شارع، او على مدرسة، او على مكتبة في مسقط رأسها في الدامور، ولا في بيروت حيث نجحت وتألقت. لم يطلق اسمها على منحة في الجامعة حيث  درست ودرّست، او على برنامج او على جائزة او على محاضرة سنوية او على مقعد او على شجرة!
وختم قائلاً: بعد سبع سنوات على غيابها لا تزال حاضرة، اما نحن فغائبون.

 علامة مميزة وشخصية متفردة
الأديبة إملي نصراللّه رأت، ان روز غريّب تقف على مفترق طرقنا الحضارية، علامة مميزة وشخصية متفردة. فهي من جيل الريادة الاول، وفي مجالات عدة، ولم تتوقف  عن العطاء…
وبعدما تحدثت مطولاً عن خدمات روز غريّب الكثيرة والكبيرة في الحقل التربوي… لفتت إملي نصراللّه الى الأديبة، التي أغنت المكتبة العربية بما قدمته من آثار… وتخبرنا لائحة
اعمالها المنشورة، بأنها، ابتداء من 1948، أصدرت ثلاثة كتب تضم اناشيد، ومسرحيات موسيقية، ثم كرّت من بعد، سلسلة كتبها القصصية للصغار، والبالغ عددها خمسة وثلاثين كتاباً تتنوع بين القصة، والمسرحية والشعر. واذا توقفنا عند تواريخ نشر تلك المؤلفات، ندرك انها قامت بعمل رائد ومميز.
وذكرت ايضاً، ان للأديبة روز غريّب اربعة كتب تضم قصصاً للأحداث. وثلاثة كتب ذات توجّه تربوي، اذ تعالج الانشاء وعلم البيان. ولها مؤلفان في النقد الادبي الحديث، ودراسة عن جبران خليل جبران. وكُتب قراءة للمبتدئين، مع دفاتر تمارين ودليل الاستاذ، وأغنيات تساعد الاطفال، على تعلّم الاحرف الابجدية.
وترى إملي نصراللّه، ان دراستها عن مي زيادة، تعتبر من اهم المراجع الموضوعية التي تناولت سيرة تلك الاديبة الرائدة، ومعاناتها، بكثير من العمق والموضوعية. كما لها دراسة قيّمة عن الشاعرات المعاصرات في العالم العربي، الى عشرات المقالات التي تتناول النقد الادبي والاجتماعي، وتتوزع بين خمس عشرة مجلة وصحيفة.

واجب وطني
الأديبة أنيسة نجار اكدت، ان تكريم أديبة شأن الآنسة روز غريّب والاقرار بفضلها على تلامذتها الكبار والصغار عمل مشكور، وواجب وطني. حبذا لو رجعنا الى تكريم من سبقنها ايضاً، لنقول للعالم اننا عريقون في الفكر والادب الانساني.
وبدورها تساءلت انيسة نجار: اين كتب روز واغاني الاطفال التراثية؟ هي اليوم في طي النسيان، كما تاريخنا ووطنياتنا المتعثرة. انعيد طبعها بحلة جديدة يرغبها صغارنا ونسمعهم يوماً يقولون:
كلن عندن سيارات    وجدي عندو حمار
بركّبنا خلفه    وبياخدنا مشوار
والسيارة تزمر له    والبوليس يشور له

رفضت قول أفلاطون!
الشاعرة هدى النعماني رأت، ان من اجمل كتب روز غريّب كتاب «النقد الجمالي وأثره في النقد العربي». في هذا الكتاب كانت روز غريّب اكثر انفتاحاً وشمولاً، لنقل اكثر محبة، فرفضت قول افلاطون ان الفن ترف ومتعة يستغنى عنهما، وان حاجتنا الى العلوم العملية يجب ان تكون هدفنا الحياتي، بل رأت ان الفن الاصيل في الخلق الانساني يتجدد دون ان يموت، وهو  متمّم للعلم كما ان العلم متمّم له. ومن دون الاثنين معاً لا تتم ثقافة ولا فكر. في هذا الكتاب الذي حللت فيه روز غريّب انواع الجمال بلسان جميع الفلاسفة، عرباً وعالميين، اثبتت انها نافذة عظيمة.
وخلصت هدى النعماني الى التساؤل: فأين روز غريّب مما يحوط بنا من اخطار اليوم، واين اجنحة روز غريّب لتغمرنا بالدفء واليقظة، وتدفعنا الى شاطىء السلام والامان؟

 تحوّلت الى قنديل!
في رأي الشاعر شوقي ابي شقرا، ان روز غريّب عاشت والكلمة، عاشت والحياة الجديدة، عاشت والحداثة في النصّ وفي ما يمسّ الانسان، يمسّ الفتاة المعاصرة، المرأة المعاصرة التي تعلو فوق العادي وتلقط الثمرة من شجرة المعرفة. وعاشت الجيل الذي توالى ما قبل وما بعد والذي، حين كانت هي المعلّمة وحين كانت هي الاديبة والحارسة تحوّلت ذلك القنديل له ولنا وذلك الضوء في مدار التربية ومدار الادب اللبناني عامة حيث طالما ألقت الشعاع تلو الشعاع على مبدعيه. وعلى من هم يستحقون.
وتابع شوقي ابي شقرا قائلاً، وكيف ننسى كونها نافذة وكونها اخذت النقد الى موضعه من الحلم ومن النظر الى الموضوع نظرة ملؤها الصفاء وذلك الاسلوب الصافي والنقي والذي يكاد مثيله يختفي. اذ هي ملهمة في اي حال، كما انها، الى الدروس التربوية، عمدت الى التأليف انطلاقاً من انها الموهبة التي تجول وتجول وتذهب الى الاوسع دائماً. وهي هكذا كانت، وحيدة وليست وحيدة في عمرها وفي نضجها، وجريئة صوب الحق أنّى يكون، صوب الجمال ذي الحضور القوي في بالها وفي المدى الذي بلغته على هذه الفانية.

روز غريّب في النقد
وبدوره، تناول الاديب والباحث محمود شريح اثرها المرجعي «تمهيد في النقد الحديث» الذي ترى فيه روز غريّب ان النقد الادبي مقدرة على الحكم تكتسب بدقة النظر والممارسة وامعان التفكير، لكنها ترتكز  في الاصل على ميل يولد مع الانسان ويقوى بالتثقف… تسرد روز غريّب سيرة النقد واساليبه دون ان تغفل تطبيقه على نماذج حيّة. فمثلاً تلتفت الى نقد توفيق صايغ السيكولوجي في 1955 لغزل عمر ابو ريشة فترده الى نظرية فرويد، اذ يبالغ ابو ريشة في تقديس المرأة، مما يراه فرويد من سمات الحضارة العصرية.
ويرى محمود شريح، ان الباحثة تتوقف مليّاً عند الاسس الذاتية للنقد ومبدأ اللاغائية الذي اشاعه كانط إذ رأى ان تقييد الفن بغاية وعظية او تهذيبية يحدّ من حرية النص او اللوحة ويؤدي الى طغيان القيمة العملية على القيمة الفنية. فكان كانط اول من قال بالفن للفن، اي ما عنى لاحقاً ان القيمة الاجتماعية وحدها ليست مقياساً للحكم.
وحين تصل الى باب الشعر ونقده – يقول محمود شريح – تسهب روز غريّب في تبيان الفرق بين الشعر الكلاسيكي والشعر الحرّ وتجد الايقاع في قصيدة خليل حاوي «الجسر» خير مثال عليه في اشاعة الموسيقى والوحدة العضوية في آن. وحين تلتفت الى الشكل عند الرومنطيقيين ومن تتلمذ لهم تجد ان تقنية جديدة نشأت لديهم هي التوسل بالصور الحسية لتقريب موضوع مجرّد الى الفهم، كما في «مساء» خليل مطران، و«مواكب» جبران، و«سأم» صلاح لبكي، فمهّد هؤلاء للرمزية، فشاعت مع سعيد عقل وأديب مظهر.

 رواية «المعني الكبير»
الدكتور ميشال جحا استهل كلامه بنبذة من سيرة حياة روز غريّب التي ولدت في بلدة الدامور، لبنان سنة 1909. ومارست التعليم في المدارس الثانوية ثم في الجامعة اللبنانية الاميركية التي كانت تدعى كلية بيروت للبنات، ثم كلية بيروت الجامعية، وذلك بعد ان  نالت شهادة الماجستير من الجامعة الاميركية سنة 1945.
ومن ثم، استعرض ميشال جحا اهم مؤلفاتها، ومنها رواية «المعنيّ الكبير» التي نشرتها سنة 1971، تتناول  فيها سيرة الامير فخر الدين المعني (1572 – 1635) وسفره الى توسكانة ونابولي في ايطاليا، وعبره جزءاً من تاريخ لبنان في القرن السابع عشر، وكيف ان الامير المعنيّ تجرأ على الوقوف في وجه الدولة العليّة، اي الدولة العثمانية.

اسكندر داغر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق