صحة

خثرة دم تقتل… أنقذوني جلطة!

الكلمة في ذاتها ملفتة: «تخثر»، تخثر الدم، خثرات الدم. في المقابل، استخدام كلمة «تجلط» أسهل: تجلط، تجلط الدم، جلطات الدم…
لكن بعيداً عن اللفظ في ذاته يبقى المعنى واحداً: مشكلة في سيولة الدم تتسبب «بخثرة» قد تنجرف الى الرئتين أو الى شرايين الفخذ أو الساق أو الحوض أو القلب متسببة بمشكلات لها أول وليس لها آخر…
وقبل أن نصل الى الآخر فلنتعرف من الأول على أسباب «تخثر الدم» ومضاداته عملاً بمقولة: «المعرفة نوعان أن نعرف الموضوع، أن نختبره، أو أن نعرف عنه»، وبين هذه وتلك لكم أن تختاروا!

 فُتح الموضوع في ندوة جرت على هامش مؤتمر «ميدل إيست كارديو بيس الخامس» في بيروت وضمّ أطباء قلب من كل منطقة الشرق الأوسط. والكلام في الشيء حين يقترن، كما تعلمون، بأبحاث علمية وخبرة عملية يضفي كثيراً من الإفادة… فماذا في كلام أطباء القلب عن تخثر الدم؟ وماذا في جديد مضادات هذا التخثر؟

خطر الموت!
بعض الأشخاص يولدون مصابين بتخثر الدم، مرضى الهوموفيليا مثلاً، وبعضهم يُصابون بهذه الحالة في مرحلة ما في حياتهم. وفي كلا الحالتين تحصل اضطرابات إما خلقية وراثية أو سلوكية مكتسبة تؤدي الى تدهور قدرة الجسم على تكوين خثرة دموية طبيعية وكلنا يعلم أنه حين يحصل إفراط أو لنقل زيادة في هذه العملية تحصل الجلطة أو لنسمها الخثرة التي قد تظهر على شكلة كتلة دم في الساق مثلاً أو في الفخذ أو حتى في الحوض، والخطورة الأكبر تكمن في حال انفصل جزء من هذه الخثرة وانجرف مع الدم، كما انجراف مياه النهر، نحو الرئة أو القلب. فهل تتخيلون ماذا قد يحصل؟ الجواب حاسم: الموت الحتمي!
حين نقول خثرة دم قد نقصد نقطة دم مجمدة بحجم حبة عدس أو حتى بطول أصبع! فالخثرات إذاً أحجام واتجاهها يحدد المصير، فإذا اتجهت نحو الساق قد تترك آثاراً على طبيعة حركة القدم، على شكل عرج مثلاً، أما إذا اتجهت الى الرئة فتقتل.
ما الذي قد يتسبب يا ترى بحصول خثرة دموية؟
لكم أن تتخيلوا قد يحصل في أوردتكم الدموية، في رحلة سفر بين بيروت وماليزيا مثلا تستغرق أكثر من عشر ساعات جلوساً، بلا حراك، في الطا
ئرة. هل تتخيلون؟ وهل تعرفون أن آثار ما قد يحصل قد لا يظهر مباشرة، فوراً، بل في خلال أسابيع تلي إجراء تلك الرحلة؟ قد تشهدون بالتالي بالعين المجردة كتل دم زائدة في الساقين تؤثر على طبيعة الحركة. السفر القصير، ساعتان أو ثلاث ساعات، لا يقل أيضا خطورة إذا تكرر في شهر واحد أربع أو خمس مرات.  
العمليات الجراحية قد
تتسبب بحدوث خثرات دم خصوصاً تلك التي تجري في الركبة والورك وفي البطن، كما في عمليات تصغير المعدة أو نزع الرحم، أو حتى في أي عملية قد تحتاج الى تخدير عمومي يدوم أكثر من ثلاثين دقيقة. السمنة سبب أيضاً آخر للإصابة. التدخين عامل إضافي. العلاجات الهورمونية لا سيما حبوب منع الحمل سبب أيضاً. خطر إصابة المرأة الحامل بخثرات الدم يؤخذ هو أيضاً في الإعتبار، لأن هورمون الأستروجين الأنثوي يساهم في جماد الدم، في أسلوب عفوي  دفاعي، خشية أن تصاب المرأة خلال فعل الولادة بنزيف. ردة فعل إذا تلقائية إذا زادت عن حدها أصبحت خطيرة. في كل حال قد لا تظهر الخثرة أحياناً بالعين المجردة، أو قد لا تتأتى عنها حتى أوجاع تشي بحدوثها، وبالتالي قد لا نعلم بها إلا من خلال إجراء صورة شعاعية. ويهم أن نعرف أن نسبة الإصابة بخثرات الدم تزيد كلما زاد العمر، ففي حين تبلغ نسبة الإصابة بين الشباب، تحت سن الثلاثين، واحد من كل مئة ألف ترتفع عند من تجاوزوا سن الأربعين الى واحداً من كل خمسة آلاف شخص. فرق طبعاً لافت.  
هل ينتهي مسار الخثرة حيث تصيب؟ هل نشكر الله أنها ضربت الساق لا القلب ونمضي في طريقنا؟
التعامل بلامبالاة مع هكذا حالات خطر أكيد، فالخثرة التي تضرب الساق قد تعود وتنتقل، كما من يسافر من مكان الى مكان، الى الرئة أو القلب.
ماذا يمكننا ان نفعل؟
الأمر جد بسيط. الإفشاء عن حدوث حالات جلطات دم سابقة في العائلة ضروري لأن الأسباب الوراثية، كما سبق وقلنا، تؤخذ جداً في الإعتبار. أما بالنسبة الى المرأة الحامل فقد تعطى أدوية تقي من حدوث الجلطات بعد الولادة. تخثر الدم، في المقابل، قد يؤدي الى حدوث حالات إجهاض متكررة أو حتى ولادة جنين أصغر من حجمه الطبيعي أو حتى تسمم الحمل. لا تستهينوا إذا أبدا بهذه الحالة ولا تتحججوا أن ليس لها أعراض لأن التحسب منها، على صحة السلامة، مفروض خصوصاً من الأشخاص الذين لديهم كما قلنا حالات سابقة من هذا النوع في العائلة.

ثمة عوارض
حين نتحدث عن أن لا أعراض أحياناً فهذا لا يعني البتة أن لا أعراض في المطلق. ثمة بالتالي بعض الأعراض التي قد تشي، في حال لم نتحسب من حدوث الجلطة، بإصابتنا بها لا سيما إذا كانت قد أصابت الرئة مثلاً بينها: ضيق في التنفس وآلام في الصدر. لا تستهينوا إذا أبدا بهكذا أعراض. أما في حال حصلت الإصابة في الساق فقد نشعر بألم فيها وبتورم وبزيادة حرارة المنطقة المتورمة ويصبح الجلد مائلاً الى الأحمر أو شاحباً.
ماذا عن العلاجات المتوافرة؟
الطبيب المتخصص في أمراض القلب السريرية البروفسور جون كام الذي شارك بمؤتمر القلب «ميدل إيست كارديو بيس» في بيروت تحدث عن مضادات تخثر جديدة بدأت تؤخذ عبر الفم لم تعد تحدها قيود الأدوية التقليدية وباتت بالتالي تسمح بمنع حدوث بعض الحالات المرضية أو بمعالجتها وتفادي حدوث السكتة الدماغية والإنسداد الدموي لدى مرضى الرجفان الأذيني وفي معالجة التخثر الوريدي العميق وتفادي الإنسداد الرئوي.  
ممتاز. ثمة أدوية جديدة خضعت الى دراسات معمقة وهي تعد أكثر أماناً وفعالية وتتناسب والمعايير الجديدة للرعاية الصحية. هي تُعد في اختصار ثورة في مواجهة حالات خثرات الدم مانعة تكونها أو مانعة تطورها في حال تكونت. يكفي إذا أن تعوا خطورة حدوث الجلطات لتتفادوها. وأول سبيل لذلك يكون بمراجعة طبيبكم في حال كنتم على لائحة الخطر لنصحكم بما يفترض أن تفعلوه. ولا ضير أن تتشاطروا معه ما تملكون من معلومات. وتذكروا أنه في حال كان لدى المريض ميل وراثي للإصابة فقد يحتاج الى متابعة حثيثة دائمة.

سلوكيات وقائية
العلاج المسبق يقي واللاحق يفيد لكن ليس بالدواء وحده نتجنب الإصابة بتخثر الدم بل باتباع جملة سلوكيات بينها ارتداء ملابس مريحة لا تضغط بقوة على شرايين الدم. ولعلّ هذه التوصية موجهة الى الفتيات اللواتي يصرين على ارتداء البنطال الذي يبدو لشدة تلاصقه مع أجسامهن كجلدهن. تحريك القدمين ضروري ايضاً كل ساعتين. تناول حبوب منع التجلط الفموية في الرحلات الطويلة أو المتكررة مانعة الصفيحات الدموية من الإلتصاق ببعضها.
خثرات الدم بقدر ما قد تكون خطيرة بقدر ما هي ضرورية، إذا لعبت دورها صحّ، فما هو دورها المبدئي؟
هي تمنع طبعا حدوث نزيف عند إجراء عمل جراحي أو تعرض مفاجىء لجرح ما وهي غالبا ما تتكون تلقائيا في أي مكان يشهد ضررا على الأوعية الدموية وتعود وتتحلل وتذوب حين ينتهي دورها. ويبدأ الضرر إذاً حين لا يكون لها حاجة وتبدأ تسرح وتمرح في الجسم ضاربة الأعضاء بعبثية.
سبحان الله. لا يمكننا أن نراقب ميكانيكية الجسم ووظائف الأعضاء إلا ونردد هذا. أعطتنا السماء إذا ما أعطتنا ويعطينا الوعي أن نتمتع بعطايا السماء ببعض الحكمة.

نوال نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق