الوزارة ملك للشعب لا للوزير الذي يشغلها
واقعة صغيرة قد تحدث صدفة تكشف احياناً عن حقيقة كبيرة، ربما كان الناس يعرفونها وربما لا. نحن نعلم ان الحكم في اي دولة من دول العالم يجب ان يكون جماعياً، بمعنى ان الوزارة، اي وزارة في الدولة، هي ملك للشعب لا للوزير الذي يدير شؤونها، وبالتالي فان تضامن الوزراء حول قضايا البلد هو الذي يقود الى نجاح الحكم او فشله. ففي الاتحاد قوة، وفي الوحدة نجاح اكيد لاي قضية.
قادنا الى هذه المقدمة السريعة ما حصل في الاسبوع الماضي. ففي طرح عادي اعلنت القوات اللبنانية ان وزراءها ونوابها لن يؤيدوا ولن يصوتوا على الموازنة، الا اذا تضمنت بنداً يؤمن شراكة القطاع الخاص في انتاج التيار الكهربائي. وعلل اصحاب الطرح بأن الاسلوب المتبع لتأمين التيار الكهربائي منذ اكثر من ربع قرن لم يؤد الى اي نتيجة، ولم يتحقق اي انجاز يبشر بان الناس يمكن ان ينعموا في وقت من الاوقات بالتيار الكهربائي، 24 ساعة على 24، وهذا ما هو متوفر في العالم كله، فلماذا لبنان وحده يشذ عن هذه القاعدة؟
الطرح اعجب قسماً كبيراً من اللبنانيين، الذين يتعطشون للحصول على الكهرباء، بعدما عانوا الامرين من التقنين المستمر، ومن تحكم اصحاب المولدات، ومن دفع فاتورتين، الامر الذي انهك جيوبهم الفارغة اصلاً. الا ان هذا الطرح يبدو انه لم يرق للمسؤولين في وزارة الطاقة، لانهم اعتبروا ان قطاع الكهرباء هو ملك لهم وليس ملكاً للناس وللدولة، وان من يقترب من هذا القطاع هو كمن يمس باملاك خاصة، تخص هذا الفريق دون سواه من الناس. وعلى هذا الاساس انبرى احد المسؤولين، وفي مزحة تنم عن رفض واعتراض، قال انه منصرف الى اعداد خطة لوزارة الصحة، وكأنه يريد ان يقول للفريق الاخر الكهرباء لنا والصحة لكم، فلا تقتربوا من املاكنا والا اقتربنا من املاككم.
الشعب يرحب دوماً بتعاون الوزراء كلهم من اجل حل قضية ما تهمه، ولكن الاهم ان ينصرف كل وزير الى الاهتمام بالشأن المولج به، حتى اذا ما انجز مهمته يمكنه بعد ذلك مد يد العون لغيره في قطاع اخر. طبعاً كنا رحبنا وبحرارة بخطة ناجحة للصحة يعرضها علينا المسؤولون في وزارة الطاقة، لو ان هؤلاء نجحوا في حل قضية التيار الكهربائي المولجين بها وامنوه للناس. فمنذ سنوات والمعنيون في شركة الكهرباء ووزارة الطاقة يتحدثون عن انجازات وخطط ويعدون الناس بالمن والسلوى، ولكن شيئاً من وعودهم لم يتحقق. فقبل نهاية شباط الماضي بايام، سمعنا ان تقنين التيار الكهربائي سينخفض ساعات ثلاثاً بعد وضع معملين للانتاج في الخدمة، ولكن ليل 28 شباط اياه، وفيما كان الناس ينتظرون البشرى المفرحة، انقطع التيار الكهربائي طوال ساعات الليل ونام المواطنون على هدير المولدات. وهكذا بتنا نخشى من اي «بشرى» تزفها الينا شركة الكهرباء.
اخبار كثيرة تتناقلها وسائل الاعلام بين الحين والاخر، عن عرقلة مسؤولين وسياسيين، للكهرباء ومنع التيار من الوصول كاملاً الى الناس، فلماذا؟ وهل ان المكاسب التي يجنيها البعض كما يقال، هي اهم من مصلحة شعب بكامله؟ ان الخطط المتبعة على مر السنوات اثبتت فشلها، والدليل ان التيار الكهربائي لم يتقدم خطوة واحدة، وانه يسير من سيء الى اسوأ. فلماذا لا نجرب خططاً جديدة، علها تكون انجع من سابقاتها.
الكهرباء ايها السادة وكذلك الصحة والعدل والاشغال وغيرها وغيرها من الوزارات ليست ملكاً للوزير الذي يشغل هذا المنصب او ذاك، والوزارة ليست حصصاً مقسمة على قياس الاطراف السياسية تتحكم بها كيفما تشاء، بل انها ملك الشعب الذي يهمه قبل كل شيء تأمين مصالحة، ولا فرق عنده من يؤمن هذه المصالح، فهل يعي المسؤولون هذه الحقيقة وهل يدرك اصحاب المعالي ان وجودهم في مناصبهم هو لخدمة الشعب لا لخدمة هذا الطرف او ذاك، ولا لخدمتهم الشخصية؟ راعوا المصلحة العامة في ما تعملون، وعندها فقط تكسبون تأييد الناس ومحبتهم.
«الاسبوع العربي»