سياسة لبنانية

استعدادات ناشطة لمواجهة معركة عرسال – 2

التحركات المريبة للمجموعات المسلحة في جرود عرسال، وكذلك في بعض مخيمات النازحين السوريين، وعمليات التسلّل المتتالية، ان في اتجاه بريتال وقرى البقاع الشمالي أو في اتجاه مواقع الجيش، تؤشر على أن معركة عرسال الثانية صارت قاب قوسين أو أدنى من الحصول.

يبدو أن تلك المجموعات تحضر لغزو البلدة مجددا بعدما فشلت في اختراق جبهة بريتال في اتجاه عرسال أو الزبداني أو النفاذ من الطوق المفروض عليها، كما ستفرض عوامل الطبيعة حساباتها بحيث ستدفع هؤلاء الى تأمين ملاذ دافىء لهم.
وفي مقابل هذا الواقع، يبدو الجيش متأهباً في مواجهة معركة محتملة لا يعتبرها فقط معركة رد اعتبار على الغدر الذي تعرض له في الغزوة الأولى، بل معركة مصيرية بالنسبة الى المؤسسة العسكرية والبلد برمته.
وتقول مصادر قريبة من 8 آذار إن زيارة السيد حسن نصرالله الى البقاع قبل أيام هي لتفقّد جبهة يتركّز عليها الضغط لتصبح أكثر اشتعالاً، والهدف منها تدعيم الموقف وشد الأواصر قبل بدء المعركة الفعلية لخرق عسكري في عرسال وسط ما بدأ يتردد عن خرق في البقاع الأوسط، وتحديداً في قوسايا. صحيح أن تلك المنطقة تضم منظمات فلسطينية موالية مثل «الجبهة الشعبية»، إلا أن التجارب أثبَتت مراراً أنه لا يمكن الركون للموقف الفلسطيني في أحوال مشابهة.

اهتمام دولي
وتعتبر مصادر دبلوماسية في بيروت أنه من خلال عدم اعتراض لبنان على التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب وتوقيعه بيان جدة، بات يحصل على اهتمام دولي في مجال أداء الدول المهتمة بالموضوع وبوضع المنطقة. وبما أن لبنان بات يتأثر بالأحداث المحيطة به، لا سيما بصورة مباشرة على الحدود وفي البقاع تحديداً، أصبح ضمن شبكة الحماية والأمان الموجودة، بحيث أنه في حال حصلت تطورات اضطر من خلالها الجيش إلى خوض معركة أخرى، يمكن للبنان الحصول على دعم الدول الكبرى ومساندتها. وتستطيع الدول أن تدعمه إذا احتاج إلى دعمها، إما عن طريق المعلومات، لأن لديها امكانات بواسطة الأقمار الاصطناعية والطائرات من دون طيار، حيث امكانية تصوير المواقع وتقديم معلومات عن الجماعات الإرهابية فضلاً عن أنّها تستطيع المساعدة عن طريق الضربات الجوية، كذلك في مجال التنسيق العسكري والتشاور.

الوضع اللبناني
لخص دبلوماسي عربي في بيروت الوضع اللبناني على النحو الآتي:
– لبنان صار جزءاً من الوضع والمشهد في المنطقة، والحرب السورية تصيبه بشظاياها وتلفح أطرافه. لبنان ما زال يرعاه قرار دولي – إقليمي بعدم انفجار أوضاعه، ولكن الخطر يكبر وعناصر التفجير تزداد.
– الإسلاميون يتمددون ويأكلون من صحن المستقبل.
– المستقبل بدأ يفقد سيطرته على الأرض وإن كان الأقوى شعبياً، وجزء من خطابه السياسي المتشدد بوجه حزب الله يهدف الى إعادة استيعاب الشارع.
– حزب الله هو الطرف الأقوى والممسك بزمام الأمور… ولكنه بدأ يواجه أعباء ومهام متشعبة ترهق بيئته وأوضاعاً جديدة على الساحة السنية. ولم ينجح في استيعاب المستقبل واجتذابه الى جبهته وأجندته، وفي تحقيق اختراقات على الساحة السنية… ولكنه نجح في ترتيب علاقة عملية مفيدة مع الجيش اللبناني، وكلاهما في خندق واحد ضد الإرهاب.
– ولكن على «المستوى السياسي» الوضع مختلف وغير مطابق للوضع على الأرض، والحكومة لا تعطي حزب الله غطاء سياسياً ولا «تبارك» تعاونه مع الجيش، ولا تعطي الضوء الأخضر للتنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري.
– التمديد للمجلس النيابي مخرج واقعي… والظرف غير ملائم لإجراء انتخابات.
– رئاسة الجمهورية معلقة حتى إشعار آخر… حزب الله سيزداد تشدداً في قطع الطريق على أي رئيس لا يكون له ومعه…
– الرهان على توافق وتقارب بين السعودية وإيران ليس في محله والحرب في سوريا التي يرتبط بها الوضع اللبناني «عامل تباعد وخلاف» بينهما…
– لبنان ينتظر تطور الوضع في سوريا، والملف السوري ينتظر استحقاقين يكبلان أوباما: الاتفاق النووي مع إيران، والانتخابات النصفية للكونغرس.

معركة بريتال
ويشير خبير استراتيجي الى أن المعركة في بريتال لم تنته وهناك إستعدادات كبيرة يتحضر لها المسلحون، في ظل إستنفار واسع للجيش اللبناني في مختلف مناطق البقاع الشمالي تحسباً لتجدد المواجهات، مبدياً تخوفه الشديد من بروز تداعيات هذه المعارك على ملف العسكريين المخطوفين لدى التنظيمات الإرهابية، وبالتالي من تدهور وضعهم كرد انتقامي من الخاطفين على الجيش اللبناني وحزب الله. ويقول إن الحزب رفع جهوزية مقاتليه إلى أعلى درجاتها تحسباً لأي مفاجآت، بعد عودة مسلحي «النصرة» الى مهاجمة مواقعه ومواقع للجيش السوري النظامي في عسال الورد والزبداني، ما يؤكد أن الجماعات المسلحة مصممة على الاستمرار في حربها، وأن العمليات العسكرية المرتقبة ستكون ضمن إستراتيجية تحرير قرى القلمون والسيطرة على بلدات لبنانية شيعية، خصوصا تلك التي تشكل بيئة حاضنة لحزب الله، إضافة الى ردع الحزب عن مشاركته في الأزمة السورية وانسحابه من هناك، إلا أن الحزب واعٍ لكل هذه المعلومات وهو في جهوزية تامة.
وتشير مصادر الى أن المسلحين يكادون يستنفدون احتياطهم من الأغذية، فيما هم استنفدوا فعلاً كل محاولات فتح ثغر في الحصار المضروب عليهم، في كل الخطوط الجبلية الممتدّة جنوب عرسال. لذلك، يرجح أنهم قرروا العودة إلى خيار «عرسال – 2»، أي خيار تنفيذ هجوم ثان على البلدة نفسها. فهي الخاصرة الأشد رخاوة في الطوق المضروب عليهم، في حسبانهم. يعرفونها جيداً، لهم فيها عشرات آلاف النازحين. فضلاً عن بضع مئات من المسلحين المؤيدين لهم داخلها. إضافة إلى الاعتبار المذهبي الذي يجعل منها معقلاً، يعقد على الجيش عملية تحريرها، كما يحسبون. لكل تلك الأسباب ولسواها، يرجح أن القرار قد حسم لدى الإرهابيين ببدء التحضير لـ «عرسال – 2». لكن ضمان نجاح الجزء الثاني من الغزوة يقتضي الاستعداد له بشكل أفضل من استعدادات الجزء الأول. وأبرز الاستعدادات محاولة إضعاف الجيش، وإشغاله في مواقع أخرى لإلهائه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق