سياسة لبنانية

زيارة الحريري الى تركيا: سياسة أم «بزنس»؟!

تبدي أوساط سياسية قريبة من «المستقبل» ارتياحاً لنتائج زيارة الرئيس سعد الحريري الى تركيا التي جاءت في توقيت تركي (بعد الانقلاب) وإقليمي (الاندفاعة التركية العسكرية في سوريا) حساس. وتكشف هذه الأوساط أن الحريري سمع خلال زيارته ومن أردوغان مباشرة وبعبارات واضحة أن المنطقة متجهة إلى واقع جديد، متوقعا تحوّلات كبرى لصالح السلام في المنطقة قبل نهاية هذا العام، «لكنني أحتاج لبعض الاتصالات الإضافية لتبيان كل الأبعاد لهذه التحوّلات المقبلة»…
وحسب هذه الأوساط، فإن أردوغان الذي يتعمد تخصيص الحريري باستقبالات مميّزة، مرة من خلال وضعه إلى جانب رؤساء الدول خلال زواج نجله، ومرة أخرى بتصنيف مماثل مع تدشين الجسر الجديد، حرص على شكر الحريري على موقفه الداعم له فور وقوع الانقلاب «… وهو ما لم تقدم عليه العديد من الدول». كرر أكثر من مرة أن أي حلول مقبلة لن تكون أبداً على حساب الحريري، أياً تكن الظروف والأوضاع.
أوساط سياسية قريبة من حزب الله تلاحظ أن وسائل إعلام المستقبل تعمدت تضخيم زيارة الرئيس سعد الحريري الى تركيا وتظهير الحفاوة وإعطاء لقاءاته مع الرئيس التركي أردوغان والمسؤولين الأتراك مضموناً استراتيجياً، فيما الهم الاول والأخير للحريري الحفاظ على استثماراته الاقتصادية في تركيا ومحاولة توسيعها، هو غير معني بأي عنوان سياسي يدرك جيداً أنه لا يستطيع تحقيقه من «البوابة» التركية.
هذه الأوساط لا تعطي هذه الزيارة أي أهمية لجهة انعكاساتها السياسية على الوضع اللبناني المعقد. الصداقة التي تربط الرجلين أمر لا يمكن لأحد إنكاره، لكنها تتجاوز البعد السياسي ويمكن حصرها في «البزنس» الذي بدأه آل الحريري في تركيا جدياً منذ العام 2006، فالاهتمام المشترك بالتطورات في المنطقة وخصوصاً في سوريا الى جانب الوضع اللبناني كان بطبيعة الأحوال حاضراً في اللقاءات لكنه أمر ثانوي في مقابل البحث بتهيئة المناخ الملائم لتوسيع استثمارات الحريري.
الأزمة السورية بتشعباتها لا يملك فيها الرئيس الحريري أي حضور جدي، ولذلك فإن حضور الحريري في هذا الملف يقتصر على الاستماع لمعرفة حجم الاستدارة التركية، واستشراف طبيعة التحولات التي ستنتج تسوية. أما على المستوى الداخلي في لبنان، فإن الزيارة لن تترك أي انعكاسات جدية، تقول الاوساط، لأن «مربط الفرس» في الرياض وليس في أنقرة، والدور التركي في لبنان محدود جداً ولا يطمح أردوغان الى ضم الملف اللبناني الى الملفات الشائكة التي يدور حولها الحوار مع طهران، فالرجل يريد في هذه المرحلة التخفيف من الأثقال السياسية التي قد تعيق إعادة ربط النزاع مع إيران في الساحة السورية.
والأمر لا يتعلق هنا فقط بحساسية العلاقة مع طهران في هذه المرحلة، بل أيضاً بطبيعة العلاقة الملتبسة مع المملكة العربية السعودية، فأردوغان لا يريد أن يبعث برسالة خاطئة للمملكة، في رأي الأوساط، بأنه يريد ملء الفراغ الذي تسبب به انسحابها المفاجىء من الساحة اللبنانية بعد تراجعها عن الهبات المالية، وترك حلفائها من دون دعم جدي، ويدرك جيداً أن الحريري لا يستطيع أن يخرج من «العباءة» السعودية. ويبدو أردوغان حريصا على استقبال الحريري باعتباره «رمزياً» أحد جسور العلاقة مع الرياض التي لا يريد الرئيس التركي قطعها.
الحريري يريد من زيارته الحفاظ على مصالحه الاقتصادية في تركيا، تؤكد الأوساط، وتوسيع نطاق استثماراته، القلق من جنوح العلاقة السعودية – التركية نحو التوتر تجعله حريصاً على محاولة الفصل التام لعلاقته السياسية مع السعودية بكل ما يرتبط بالمسائل المالية. وهذا هو الهدف الأساسي للزيارة، وفي هذا الإطار يحمل الحريري بين يديه ملف «سعودي أوجيه» للتدليل على صعوبة موقفه، كذلك فهو أكد للأتراك أنه وصل الى مراحل متقدمة من التفاوض مع شركة الاتصالات السعودية لتشتري منه حصة إضافية من شركته «أوجيه تيليكوم» بمبلغ يفوق الـ 2،8 مليار دولار.
تجدر الإشارة الى أن أبرز استثمارات «أوجيه تيليكوم» موجودة في تركيا، حيث تملك شركة الحريري 55 في المئة من شركة «تورك تيليكوم» المشغلة لخطوط الهاتف الثابت والمالكة بدورها لـ 81 في المئة لثالث أكبر مشغل للخطوط الخلوية في تركيا.
ويسعى الحريري الى توظيف السيولة المرتقب أن تصبح متوافرة مطلع العام المقبل في تركيا، وهو يحمل معه ملفاً جاهزاً في هذا السياق، ويسعى الى استكشاف سبل توسيع توظيفها بعيداً من تعقيدات السوق السعودية والخليجية التي تسببت له بصداع سياسي واقتصادي طوال الأعوام الماضية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق