أبرز الأخبارصحة

لهذه الأسباب «يُقصّر» القلب…

قصور القلب يزيد لأن العلاجات تطورت وبات المريض يعيش أكثر ومن يعيش أكثر معرض اكثر

حين يخاف إنسان نقول عنه «قلبو ضعيف» وحين يتهور نردد «قلبو قوي» وبما أن بين الجرأة والتهور «خيط عثمان» إندفع طبيب قصور عضلة القلب وزرع الأعضاء البروفسور هادي سكوري، مع فريق عمل مؤمن بوجوب أن تبقى دقات القلب تعمل مثل الساعة، في كل الإتجاهات في سبيل ضخّ شحنات توعية بين الناس… فماذا في تلك الشحنات؟ وماذا عن «القلوب الضعيفة» التي «قصرّت» في مكان ما فشكلّت فصول الحكاية؟

إدارة القصور «تكتيك» من يعرف التعامل معه يُمرر العمر بسلام أكثر وبمواجهات شرسة أقل. ولتنجحوا في الإمساك بمقود «القلب» يفترض أن تعرفوا عنه أكثر، ولتعرفوا أكثر يُفترض أن يكون هناك من هو مستعد بكثير من الودّ والحب أن يخبركم قصة القصور من الألف الى الياء، وهنا «بيت الداء» فالكل منهمكين بالترددات ونادرا ما يأبه أحد للترسبات. والحل؟

حلقات توعية هي البداية…
البروفسور المعاون في الطب السريري لمرض قصور عضلة القلب وزرع الأعضاء ورئيس قسم العناية القلبية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور هادي سكوري جلس بين مجموعة كبيرة من مرضى قصور القلب وراح يستمع بإمعان شديد الى كل الأسئلة التي قد تلوح في ذهن أي مريض مصاب بقصور القلب أوإنسان يخشى أن يُصاب بقصور في القلب.
جلسنا بين المرضى ورحنا نراقب عيونهم الشاخصة في اتجاه واحد، في اتجاه الطبيب، للملمة نصائح تغيب غالباً عن كثيرين. هي حلقة توعية لا إعلام فيها ولا نقل مباشر ولا غاية إلا الإمساك بأيدي المرضى والمضي معهم قدما في سبيل أن يتعايشوا مع المرض المزمن بأقل مضاعفات.

لماذا كل هذا؟
يجيب سكوري: «لأننا إذا علّمنا مرضى قصور القلب كيف يعالجون أنفسهم نمنحهم فرصة التعايش مع مرضهم في شكل أفضل والعيش بالتالي أطول».
قصور القلب يزيد لأن العلاجات تطورت وبات المريض يعيش أكثر ومن يعيش أكثر قد يصل الى مرحلة قصور القلب.
انطلق الدكتور سكوري في حملات التوعية قبل ست سنوات، وهو الوحيد ربما في هذا الإختصاص، إختصاص قصور القلب، في لبنان، لأنه جديد راج بعد العام 2000. وفي ست سنوات أدرك البروفسور أن التوعية هي البداية الى من خال أن المرض نهاية.
هل نفهم من هذا أن حملات التوعية ساهمت في تقليص عدد المرضى؟ هل نفهم أن هذه الحملات خففت من وصول كثير من المرضى الى مرحلة تركيب قلب إصطناعي أو طبيعي؟
صحيح أن حملات التوعية التي تقوم بها مستشفى الجامعة الأميركية في هذا الإتجاه كثيرة لكن عدد المصابين يزيد لأن العلاجات الأخرى تطورت ما جعل المرضى، مرضى أمراض أخرى، يعيشون أطول، ومن يعيش أطول مع مرض مثل السرطان أو سواه من أمراض شرايين القلب أو التهابات القلب قد يُصاب بقصور في القلب.
التقدم في العمر هو أيضاً سبب آخر. والأدوية الكيميائية التي تُعطى الى من يعانون من سرطانات متنوعة قد تؤدي الى قصور في القلب، كونها تقتل خلايا القلب وهي تقتل الخلايا السرطانية، وهذا ما لا يتنبه له غالبا كثيرون.
لعل السبب الرئيسي لضعف عضلة القلب هو النوبات القلبية حيث ينجو منها كثيرون لكنها تقتل الخلايا فيضعف تدريجيا القلب. الكريب العادي قد «يُسقّط» هو أيضاً على القلب فتتأثر عضلته.

ما دام سبب الإصابة ليس أحياناً في أيدينا فماذا عن سبل التعايش معه؟
يُشدد البروفسور سكوري أنه كلما التقطنا المرض باكراً ننجح في حماية أنفسنا من تأثيراته أكثر وكلما تأخرنا لا تعود تنفع الأدوية كثيراً وقد نحتاج الى تركيب بطارية ثم الى قلب طبيعي وإذا لم نجده، بسبب ندرة الواهبين، قد نستعين بقلب إصطناعي.
يدعو البروفسور سكوري شاب في العشرين من عمره وشاب آخر «مخضرم» في الستين، الأول زرع قلب طبيعي في الولايات المتحدة الأميركية عام 2014 وكان قد وصل وزنه في حينها الى 120 كيلوغراماً، إنحباس المياه والملح زادا وزنه كثيراً، وهو أمضى ستة أشهر صعبة جداً إثر العملية لكنه يعيش اليوم في صحة تقريباً ممتازة. ندق له على الخشب. يبتسم الشاب الذي عاد يرى الحياة ربيعية. يبتسم له الدكتور سكوري وهو يلفت الى أن الشاب يأخذ الآن أدوية لتعزيز المناعة ويفترض أن يبتعد قدر الإمكان عن «الكريب».

ماذا عن «الشاب المخضرم» الذي استعان ليعيش بقلب إصطناعي؟
يقف أمامنا واضعاً ما يُشبه الحقيبة على خصره. هنا تكمن مضخة القلب الإصطناعي. ونكاد حين يُخبرنا لا نُصدق. إنه يحمل قلبه على خاصرته وبه واجه خطر الموت الذي كان قبل زراعة القلب الإصطناعي شبه حتمي.  

الاعراض تختلف بين إنسان وآخر…
نترك المرضى يستمعون الى خبرات بعضهم البعض والى نصائح الممرضة وخبيرة التغذية ونسأل الدكتور سكوري: هل هناك أعراض تُنبئنا أن مرض قصور القلب يُحدق بنا؟ يجيب:
الأعراض ليست واحدة بل تختلف بين إنسان وآخر تبعا لنوع الحالة وخطورتها وحالة المريض وعمره، وبالتالي قد لا يترافق هذا القصور مع أي عارض أو قد يظهر أكثر من عارض، وقد تدوم الأعراض وتستمر وقد تظهر وتختفي! في كل حال، قد تشمل الأعراض ضيق أو صعوبة في التنفس، خصوصاً عند الإستلقاء على السرير أو لدى القيام بأي نشاط بسيط، وقد تتسبب هذه الحالة في إيقاظ المصاب ليلاً في شكل فجائي، ما يؤدي الى إختلال أنماط النوم الطبيعية.
عارض آخر قد يظهر يتمثل بسعال أو صفير وقد تحدث زيادة سريعة في الوزن أو تورم الكاحلين أو الساقين أو البطن. وقد يواجه المصاب حالة تعب مزمنة ودوار أو تشوش وصعوبة في التركيز أو حتى الإغماء. وقد يحتاج الى التبول المتكرر في الليل وتصبح نبضات القلب لديه غير منتظمة.  
ثمة إذا فارق بين قصور القلب والذبحة القلبية من حيث الشكل والأعراض، فعارض الذبحة قد يظهر في شكل آلام في الصدر لا مجرد ضيق في التنفس، كما أنه في حالات السكتة يتوقف فجأة عمل قلب كأن يعمل في شكل طبيعي، ما يؤدي الى هبوط في الدورة الدموية والموت، أما في حالات القصور فيستمر القلب في العمل لكن بكفاءة أقل، تتباطئ شيئا فشيئا الى حين يصبح لزاما وضع مضخة أو زراعة قلب إصطناعي.

وماذا عن العلاج؟
العلاج دائما متاح وهو ينطلق أساساً من تحديد السبب، فإذا كان ناتجاً عن ذبحة قلبية يعتمد الروسور أو القلب المفتوح أو البالون أما في حال نتجت الإصابة عن تصلب في الشرايين فيمكن وصف الأدوية أو تغيير الصمامات وفي حالات الإصابة الناتجة عن باكتيريا تأتت عن كريب شديد فيقتصر عندها العلاج على الأدوية.
في كل حال، يفترض أن يكون العلاج، بغض النظر عن السبب، سريعاً وفي حال لم تنفع كل الأدوية والعلاجات فيمكن اللجوء الى بطارية مع صاعق كهربائي، تعيد العمل الى العضلة، وفي حال لم يستفد المريض من “العقصة الكهربائية” فيصبح لزاماً عندها تركيب قلب اصطناعي، وهذا القلب حقق ثورة طبية وهو عبارة عن آلة تدور تسعة آلاف مرة في الدقيقة ومهمتها سحب الدم ورميه في الشريان الأبهر، اي أن مهمتها، في اختصار، العمل مكان القلب الطبيعي. وتكون موصولة عبر شريط خارجي بجهاز يشبه الحاسوب يساعد على مراقبة عملها. وهذه الآلة أو لنقل الجهاز المسمى القلب الاصطناعي يُعدّ بمثابة جسر لزراعة القلب الطبيعي، المفقود غالباً، والذي بغض النظر عن كل ما يُقال عن نجاح عمليات زرعه في منطقتنا لا تزال خواتيمه غير سعيدة بسبب عجز بلادنا عن متابعة المريض بعد إنجاز العمل الجراحي.  
القلب الاصطناعي قد يبقى صالحاً مدة عشر سنوات. وهو يعيد النشاط الى الجسم من دون أن يتكبد القلب الطبيعي مشقة العمل، فيستريح، وتدريجياً يعود وينطلق من جديد من دون الحاجة الى ما هو اصطناعي. وهنا، في هذا الإطار، لا بدّ من الإشارة الى إصابة بعض النساء الحوامل فجأة بحالات قصور في القلب، لأسباب تستمر مجهولة، فيأتي القلب الاصطناعي ليحلّ مشكلة كبرى في هذا المجال خصوصا أن الكثيرات منهن لا يلبثن أن يستعدن، بعد عدة سنوات، قدراتهن الحركية وتعود قلوبهن الى طبيعتها.

وماذا بعد؟
ها هي شركة «نوفارتيس فارما» أيضاً وكعادتها تطلق مع الجمعية اللبنانية لطب القلب حملة توعية حول قصور عضلة القلب تحت عنوان: «قد ما كان قلبك قوي يمكن صارت عضلتو ضعيفة».
الأيادي إذاً تتكاتف من أجل انتشال القلوب من حالات الضعف والوهن والتقصير!
فلنترك المرضى يتابعون حلقة التوعية في الجامعة الأميركية في بيروت متحلقين حول البروفسور هادي سكوري وطاقم العمل.
ونحن نغادر نسمع همسا بين مريضين يحمدون السماء على وجود من يُصغي إليهم مرددين: «كُتب لنا عمر جديد»!  ونفهم مما سمعنا أن المرضى يحتاجون أولاً، قبل العلاج، الى آذان!

نوال نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق