أخبار متفرقة

لبنان يتفاعل مع القرار الروسي «إيجاباً» فكيف ينظر حزب الله الى ما بعد القرار؟

لبنان معني بأي تطور هام في المنطقة وهو الأسرع في تلقف الإشارات وفي التفاعل مع التطورات وتقصي خلفياتها وأبعادها، وفي تلقي الانعكاسات والتداعيات. هذا ما حصل قبل سنة عندما انطلقت «عاصفة الحزم» في حرب اليمن، وما حصل قبل أشهر عندما قررت روسيا التدخل العسكري المباشر في سوريا… هذا ما حصل قبل أسابيع عندما احتدم الاشتباك الإيراني – السعودي ووصلت شظاياه الى لبنان، وهذا ما يحصل الآن بعدما قررت روسيا سحب قواتها الأساسية من سوريا…
الحدث الروسي هيمن على كل الوسط السياسي في لبنان وأصبح محور المواقف ومجمل حركة اللقاءات والاتصالات التي ركزت على استكشاف أبعاد ونتائج هذا التطور على مستقبل الوضع في سوريا وفي لبنان أيضاً. فالقرار الروسي يعني بالدرجة الأولى النظام السوري ويؤثر بشكل مباشر على وضعيته الميدانية والتفاوضية، ولكنه يعني أيضاً حزب الله وإيران إن لناحية العملية السياسية التفاوضية التي تخضع من الآن فصاعداً لقواعد جديدة وظروف أكثر تكافؤاً، أو لناحية الوضع الميداني بعدما أصبحت المناطق التي استعادها النظام ويتواجد فيها حزب الله مكشوفة عسكرياً بفعل انحسار الغطاء الجوي الروسي، وهو ما يدفع حزب الله الى إعادة درس خططه العسكرية بحيث تصبح أكثر دفاعية وأقل هجومية، وبدفع إيران الى إعادة تحديد استراتيجيتها العسكرية في سوريا باتجاه أن تكمل ما كانت بدأته قبل التدخل العسكري الروسي وبعده، معه ومن دونه… أو أن تنخرط في العملية السياسية المتفاهم عليها بين روسيا والولايات المتحدة.
الانقسام السياسي اللبناني في تناول الحدث الروسي ليس مفاجئاً وهو يتكرر مع كل الأحداث الإقليمية، ولكن ما يختلف هو «الروح المعنوية» التي ارتفعت عند فريق 8 آذار إثر التدخل الروسي وترتفع الآن عند فريق 14 آذار بعد الانسحاب الروسي… ومن السهولة ملاحظة حالة «الانتعاش» لدى هذا الفريق الذي كاد أن يسقط العامل السوري من رهاناته وحساباته ولم يعد ينتظر منذ «عاصفة السوخوي» الترياق من دمشق، والذي يراهن الآن على انعكاسات ونتائج للانسحاب الروسي من سوريا على الوضع في لبنان وعلى حزب الله تحديدا وفي اتجاهين.
– الأول: اضطرار حزب الله تحت وطأة الانسحاب الروسي الى إعادة تموضعه في سوريا وصولا الى إعداد خطط الانسحاب العسكري الذي صار خياراً مطروحاً وبدأ العد العكسي له في ضوء استنفاد أهداف ووطنية الحزب العسكرية، وأولوية التسوية السياسي، وفي ضوء أن الخطوة الروسية سترفع سقف الضغوط والمطالبات الخليجية والدولية لإخراج إيران وحزب الله من سوريا…
– الثاني: إقدام حزب الله وفي ضوء وضع مستجد في سوريا، ليس فقط على مراجعة حساباته السورية وإنما أيضاً حساباته اللبنانية مع فتح ملف عودته الى لبنان ولو بعد حين، فكيف ستكون هذه العودة ومن ضمن أي مناخ، مناخ المنتصر أم المهزوم، وعلى أساس أي ثمن لهذا الارتداد في اتجاه الوضع الداخلي… وهو الثاني من نوعه الذي يحصل منذ العام 2005. فبعد الحرب الإسرائيلية، حرب تموز (يوليو) 2006، حصل ارتداد من الجنوب الى الداخل وظهر اهتمام أكثر لدى حزب الله باللعبة السياسية واستعداد أكثر للانخراط والتأقلم مع قواعدها التي حددت في «تسوية الدوحة»… وبعد الحرب السورية سيحصل ارتداد من الداخل السوري الى الحدود السورية -اللبنانية أولاً لتأمينها، والى الداخل اللبناني لإعادة تحريك الوضع المجمد المفرغ  من رئاسته ومضمونه منذ سنوات والمربوط بنهايات المعركة في سوريا.
وخلاصة هذا الاعتقاد لدى فريق 14 آذار، والمستقبل خصوصاً، أن حزب الله سيكون أكثر استعداداً من الآن فصاعداً للقبول بتسوية سياسية تؤدي الى الإفراج عن رئاسة الجمهورية وتؤسس لترتيبات المرحلة المقبلة وتكون نسخة منقحة عن اتفاق الدوحة… وأن حزب الله بعدما تبلورت اتجاهات الأزمة والتسوية في سوريا، سيتحول الى سياسة تعويض خسائره البشرية في سوريا بمكاسب سياسية في لبنان مع ما يعنيه ذلك من اضطرار الى إظهار مرونة واعتدال والى إعادة نظر في خياراته وسياساته…
هذه القراءة السياسية «المتفائلة» لدى فريق 14 آذار تقابلها قراءة سياسية مضادة ومحبطة لها عند فريق 8 آذار وحزب الله، وخلاصتها أن الانسحاب الروسي ليس إضعافا للنظام السوري ولا للدور الإيراني في سوريا وإنما يشكل تعزيزاً للحل السياسي وفق الأسس المتفق عليها بين إيران وروسيا، وأن حزب الله سيكون أكثر تشدداً، وليس أكثر تساهلاً بعد اليوم ويتمسك بأوراقه وبمواقفه أكثر من قبل، بانتظار انقشاع الرؤية وتبلور الاتجاهات في سوريا، وأن ما يقال عن انسحابه من سوريا يندرج في إطار الحرب النفسية، وما سيحصل، بخلاف هذا التوقع، هو الاستمرار في محاربة الإرهاب وتنظيم «داعش» انطلاقاً من تدمر ودير الزور في الفترة المقبلة.
نظرة حزب الله الى هذا التطور الروسي وكيفية تعاطيه مع الوضع الجديد في سوريا يمكن اختصارها في النقاط الاتية:
1- حزب الله مثل كل القوى المعنية واللاعبة على المسرح السوري، فوجىء بقرار بوتين ولم يكن على علم مسبق به ولم يكن يتوقعه. وهو مثل غيره شرع في استكشاف أبعاد قرار تخفيف القوات الروسية وخلفياته، والخطوة الروسية ستبقى تحت «المجهر» في الأيام والأسابيع المقبلة والكثير من الحقائق ستتكشف تباعاً.
2- التحليل الأولي أن الانسحاب الجزئي هو انسحاب تكتيكي هدفه توظيف الإنجازات والمكاسب الميدانية في السياسة، وفي إعطاء دفع لمفاوضات جنيف وإطلاق مرحلة التسوية… وذلك بعدما حقق التدخل الروسي أهدافه المباشرة في تثبيت النظام وإسقاط احتمال سقوطه بشكل نهائي، وفي ترويض المعارضة السورية وتقليم أظافرها، وفي إقامة طوق أمان حول ما اصطلح على تسميته «سوريا المفيدة».
3- سحب روسيا لقواتها الأساسية يعني تعزيز فرص وظروف العملية السياسية، ولكن لا يعني أبداً توقف الحرب ضد الإرهاب ولا انسحاب روسيا من هذه الحرب أو تراجعها عن تعهدات والتزامات قطعتها… وبالتالي ثمة خطط عسكرية متفق عليها سابقا ستوضع موضع التنفيذ لاحقاً وبدأت طلائع هذه الخطط تظهر على الميدان في منطقة تدمر ولاحقاً في دير الزور…
4- حزب الله لا يساوره القلق والإرباك ازاء الخطوة الروسية وليس في صدد إدخال أي تغييرات على خططه ومهامه في سوريا، ولا صحة لما يتردد عن توجه لديه لسحب قواته وإعادة انتشاره كانعكاس للخطوة الروسية وربطا بها.
حزب الله يتصرف من خلفية أن الأسباب والضرورات التي دعته الى الدخول الى سوريا ما تزال قائمة، وأنه باقٍ هنا طالما هناك حاجة ومصلحة استراتيجية لبقائه. وهذا التواجد حصل قبل التدخل الروسي ويستمر بعد الانسحاب الروسي. صحيح أن التدخل الروسي أفاد الحزب وأعطى دفعا قويا لاستراتيجيته وأهدافه، ولكن الصحيح أيضا أن الانسحاب الروسي لا يحبط الحزب ولا يضعف وضعه وعزيمته، وإنما يدفعه بالتأكيد الى التعامل مع الوضع الجديد والتكيّف معه…
5- الوضع في سوريا لم يطرأ عليه تبدل يذكر في المعطيات والوقائع، وخصوصاً لناحية دور إيران ووجودها ونشاطها الميداني… فلا التدخل الروسي كان على حساب إيران ونفوذها، ولا الانسحاب الروسي سيؤدي الى إضعافها وإرباكها، لا بل على العكس من ذلك سيزيد في حضورها ونفوذها… وهذا هو مبعث القلق لدى إسرائيل حالياً لأنها تخشى أن يكسب انسحاب روسيا مزيداً من القوة لإيران التي ستملأ الفراغ الروسي وستعيد تهديدها الى جبهة الجولان…
6- التطورات الروسية لا تأثيرات ولا انعكاسات مباشرة لها في لبنان، ولكنها تمدد فترة الانتظار والترقب لما ستؤول إليه أوضاع سوريا… وفي لبنان فريقان: فريق غير راغب في استثمار الأوضاع السورية على الساحة اللبنانية وهو لم يفعل ذلك حتى عندما حصل التدخل الروسي في سوريا، وفريق غير قادر على استثمار الأزمة السورية والإفادة منها منذ وقت طويل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق