رئيسيسياسة عربية

كيف سينعكس سقوط «الاخوان» على «حماس»؟

لا ريب في ان السؤال الاول الذي تبادر الى ذهن العديد من المراقبين عند سماعهم نبأ عزل الرئيس المصري محمد مرسي عن سدة الرئاسة، بعد انتفاضة دعمها الجيش المصري، ماذا عن انعكاس هذا التبديل الدراماتيكي المفاجىء في رأس هرم السلطة في مصر على اوضاع حركة «حماس»، وخصوصاً على الاوضاع في غزة وقطاعها على العموم؟

اعتبارات ووقائع عدة فرضت طرح هذا السؤال، اولها متانة العلاقة بين الحركة الفلسطينية الاساسية الاسلامية المنشأ والعقيدة والنظام الاسلامي السابق في مصر، اذ انه صار معروفاً انهما، اي «حماس» واركان النظام، تجمعهما صلة النسب الوثقى لجماعة «الاخوان المسلمين»، الحركة التي وجدت لدى هذا النظام رافداً وسنداً منذ تكونه قبل نحو عام؟
اضافة الى ذلك، فإن حركة «حماس» التي بسطت كما هو معلوم سيطرتها على غزة منذ نحو اكثر من خمسة اعوام، ارتضت في الحرب الاسرائيلية الاخيرة خلال الخريف الماضي، ان تكون قاهرة الاخوان في موقع القيم على الحركة حاضراً ومستقبلاً، فهي لذلك رعت اتفاق وقف النار بين الحركة وتل ابيب الذي على اساسه اوقفت اسرائيل حربها الشرسة المدمرة على غزة.
والى جانب هذا كله، رعت القاهرة اتفاق المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية الذي شكلت «حماس» ركنه الثاني، وشكلت حركة «فتح» العمود الفقري للسلطة الفلسطينية ركنه الاول، وهو الاتفاق الذي قطع شوطاً لا بأس به وحقق خطوات عملية ملموسة، مما فرض معادلة جديدة على الساحة الفلسطينية، بدأت تتبلور معالمها من خلال ان «حماس» تقترب اكثر فأكثر من طروحات ورؤى السلطة الفلسطينية في موضوع مستقبل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي وكل ما يتصل به ويتفرع عنه، في مقابل ان تقبل حركة «فتح» ام الفصائل والمنظمات الفلسطينية والقابضة على زمام السلطة الفلسطينية في رام الله، بأن تكون «حماس» شريكة مستقبلية لها في القرار والسلطة على نحو يكون متكاملاً.

رد فعل «حماس»
بناءً على كل هذه المعطيات، فإن الانظار ذهبت باتجاه قطاع غزة لمعرفة رد فعل الحركة الاسلامية المسيطرة، وذلك بمجرد تأكد نبأ عزل الجيش المصري للرئيس المصري محمد مرسي.
على رغم ان قيادة الحركة حرصت كل الحرص على انتهاج سياسة الصمت المطبق اولاً وعدم التعليق على مجرى التطورات المتسارعة في الساحة المصرية المجاورة لا سلباً ولا ايجاباً. وعلى رغم ان ابرز شخصيات هذه الحركة في غزة وهو اسماعيل هنية اعلن صراحة في خطبة الجمعة ان اطاحة الرئيس المصري مرسي لن تنعكس سلباً على سياسة مصر تجاه قطاع غزة والقضية الفلسطينية، «ولا نخشى على قضيتنا من الضياع على الرغم مما تتعرض له الامة من تحولات وهموم وانشغالات».
وعلى رغم ذلك، فإن الراصدين لوضع حركة «حماس» وسلوكها حيال ما يجري في مصر، سجلوا ثلاثة امور اساسية.
الاول: ان «حماس» لم تكتم غيظها من سقوط حليفها الاساسي في القاهرة اي حكم «الاخوان». فإضافة الى القرابة التنظيمية والعقائدية، فإن حكم «حماس» في غزة وقطاعها حظي في عهد مرسي باستقرار كبير، اذ تدفقت السلع بما فيها المدعومة حكومياً، مما ادى الى تراجع الاسعار وبحبوحة لم تشهدها غزة المحاصرة منذ اعوام.
فضلاً عن ذلك كله، فالمعلوم ان وضع «حماس» مع حكم اسلامي قوي في القاهرة يختلف عن وضعها وهي بلا سند وبلا داعم متين مثل مصر كبرى الاقطار العربية.
الثاني: ان اول خطوة مهمة خطاها الحكم الجديد في القاهرة بعد نحو ساعة على اسقاط حكم «الاخوان» كان اقفال المعابر المؤدية الى غزة من جهة مصر، ومن ثم ردم  العديد من الانفاق الممتدة من الجانب المصري من الحدود الى داخل قطاع غزة، وهي الانفاق التي شكلت دوماً شريان حياة اساسياً لسكان غزة الذين يقارب عددهم المليوني نسمة، خصوصاً مع استمرار سلطات الاحتلال في اقفال المعابر المفضية الى غزة.
ولا ريب في ان هذه الخطوة لها وجهان: الاول انها رسالة ذات معنى من الحكم المتولي لتوه الحكم في القاهرة الى حركة «حماس». والثاني ان النخبة الجديدة التي استولت على الحكم في القاهرة وعمادها الاساسي الجيش المصري انما تريد منع الاتصال وقطع الاتصال بين غزة وقطاعها من جهة وصحراء سيناء من جهة اخرى.

الاوضاع في سيناء
والمعلوم ان لهذه الخطوة اسباباً ودواعي قديمة العهد، اذ ان النظام المصري الجديد بات يخشى فعلاً من مآل الاوضاع العسكرية والسياسية في صحراء سيناء، ومن ردة فعل الجماعات والمجموعات الاسلامية المتغلغلة في هذه الصحراء منذ زمن بعيد في هذه المنطقة الصحراوية المترامية الاطراف والتي تشكل بالنسبة الى مصر الخاصرة الرخوة كون وجود السلطة المصرية فيها وجوداً رمزياً.
وبالفعل كانت مخاوف النظام الجديد في القاهرة في محلها، اذ سرعان ما نظمت هذه الجماعات والمجموعات عرض عضلات واختبار قوة وتحد في هذه المنطقة حيث هاجمت بالاسلحة مراكز وتجمعات الجيش وقوى الامن المصرية، فبدا ذلك بمثابة رسالة رد على ما حصل في القاهرة ورسالة الى الخارج فحواها ان ثمن القبول بـ «الانقلاب» الذي حصل في العاصمة المصرية، هو اهتزاز الوضع في سيناء وانفلاته بشكل يصعب لاحقاً ضبطه والتحكم به.
وعليه، لا يغيب عن بال متسلمي الحكم الجدد في القاهرة تخوفهم من دعم مباشر او غير مباشر لهذه المجموعات الاسلامية المتمركزة في سيناء، يأتي من جهة غزة عبر انفاقها او عبر طرق اخرى.
وهذا يعني بشكل او بآخر ان نظام الحكم الجديد في مصر يتوجس خيفة من حركة «حماس» ويخشى من رفدها للاخوان وتفرعاتهم واذرعهم، مع العلم انه كانت قد سرت في السابق معلومات وتكهنات تشير الى ان حركة «حماس» كانت بمثابة الاحتياط الخفي لحكم الاخوان، وانها ساعدت هذا الحكم في مناسبات عدة في مواجهة خصومه وهو كلام وان كانت لم تتأكد صحته، الا انه يعبر فعلاً عن مدى الخوف من رفد غير متوقع من جانب «حماس» لحكام مصر المخلوعين لتوهم.
الثالث: ان حركة «حماس» معنية بشكل مباشر بمنظومة الكلام التي راجت فور حدوث التغيير القسري في نظام الحكم في مصر، فحواه ان سقوط حكم «الاخوان» في مصر، يعني بشكل او بآخر سقوطاً مدوياً لتجربة الاسلام السياسي في الحكم اي «دولة الاخوان»، وهم في العام الاول من تجربة الحكم هذه يعني اخفاقاً لكل من تبنى فكرهم ورؤاهم او آمن به منهجاً وسبيلاً. وهذا بحد ذاته حدث جلل وتطور بالغ السلبية بالنسبة الى «حماس» والى سواها من الحركات والقوى التي تتبنى مقولة ان «الاسلام هو الحل».

السند والعضد
ولم يعد خافياً ان «حماس» وكل التيارات ذات المنشأ العقيدي الاسلامي، عاشت منذ ان امسكت حركة النهضة الاسلامية الاخوانية المنشأ بزمام الحكم في تونس، بعد الانتفاضة التي اسقطت حكم زين العابدين بن علي، وهو الذي كان مؤشراً على بزوغ نجم وربيع حكم الاسلام السياسي الذي نشأ عملياً على يد الشيخ حسن البنا في نهاية العقد الثالث من القرن الماضي، وبدأ رحلة نضال وكفاح مريرة وطويلة كانت ذروة نجاحها قبل عام من خلال القبض على مقاليد الحكم في اكبر دولة عربية وهي مصر، والتي نظرت اليها «حماس» وسواها من الحركات والقوى الاسلامية على اساس انها ستكون السند والعضد والداعم لكل الحركات والقوى الاسلامية في كل الساحات العربية وفي مقدمها الساحة الفلسطينية، حيث «حماس» الذراع الضاربة للتنظيم الاخواني، الذي تمتد اذرعه في كل الاقطار العربية والاسلامية على حد سواء بأحجام متفاوتة.
وبناء على هذا المعطى المعنوي البالغ الاهمية، فإن سقوط نظام الاخوان في مصر اذا ما تم بشكل نهائي سيكون بمثابة نكسة لحركة «حماس» وانتكاسة لآمالها وطموحاتها المعلنة والمضمرة على حد سواء الى ان يأتي حين من الدهر ليس ببعيد وتصير سيدة الساحة الفلسطينية وملكة اللعبة السياسية فيه، وسيكون في الوقت نفسه انتعاشاً لآمال منافسها الاكبر على الساحة الفلسطينية اي حركة «فتح» التي خلافاً لـ «حماس» لم تتبع سياسة الصوم الكلامي تجاه الحدث المصري، اذ سرعان ما اعلن ناطق بلسانها عن ترحيب الحركة بما اسماه «انتصار ارادة الشعب المصري العظيم»، معتبراً ان «ثورة 30 حزيران (يونيو) اعادت الى امتنا وشعبنا روح الامل، واعادت الى الامة العربية روحها، وهذه الثورة ستقود الامة بلا شك نحو المستقبل المشرق».

حماسة «فتح»
ولم يكن امراً مفاجئاً ان تظهر حركة «فتح» حماستها الكبرى للتحول الدراماتيكي الذي حصل الى مستوى رأس الحكم في مصر، لانها بالاصل اعتبرت صعود “الاخوان” الى صدارة الحكم في مصر هو خسارة معنوية كبرى لها، ورفد سياسي واقتصادي وعسكري لخصمها السياسي الالد اي حركة «حماس».
هذا مع العلم ان نظام حكم الرئيس مرسي لم يقطع العلاقات مع حركة «فتح» وظل يعامل الرئيس الفلسطيني محمود عباس معاملة الرؤساء.
وفي كل الاحوال، لم يعد خافياً ان مآل التطورات في الساحة المصرية الحبلى بالمفاجآت وبشتى الاحتمالات سينعكس بشكل او بآخر على الوضع العربي برمته، وخصوصاً على قضية العرب المركزية وهي قضية فلسطين، فإذا ما نجح الجيش المصري ومعه اطياف المعارضة المصرية التي ظهر انها قوية وفاعلة في الاحتفاظ بالحكم في القاهرة ومواجهة هجمة الاخوان المضادة، فهذا سيكون شأناً، اما اذا نجح الاخوان في استرداد الملك الذي فقدوه في ساعات معدودة، فسيكون هذا شأناً آخر… وغزة والوضع في فلسطين كل فلسطين في قلب الحدث ولا ريب.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق