سياسة لبنانية

سليمان فرنجية و«رئاسة الجمهورية»

قد يكون «اللقاء السري» حصل بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية في باريس، وقد يكون لم يحصل استنادا الى نفي الطرفين. وسواء حصل اللقاء (خصوصاً أن نفي أصحاب العلاقة لا يكفي وحصل شيء مماثل عند لقاء عون -الحريري السري في باريس أيضاً قبل عامين) أم لم يحصل، فإن «الخبر – الشائعة» كان كافياً لإحداث اختراق سياسي في الملف الرئاسي «المسدود» ولإطلاق العنان للتكهنات والتقديرات بشأن موقع فرنجية في معركة الرئاسة واحتمال أن يكون جزءاً من التسوية الداخلية، وأن يكون هو «الرئيس التوافقي»، الذي «من الممكن أن يكون من أحد فريقي 8 و14 آذار شرط أن يكون مقبولاً من الفريق الآخر» وفق التعريف الذي أعطاه فرنجية نفسه لهذا الرئيس التوافقي، معتبراً أنه ليس من الضرورة أن يكون وسطياً ولا ينتمي الى 8 أو 14 آذار… وأيضاً احتمال أن يعيد التاريخ نفسه بتكرار تجربة انتخاب الرئيس (الجد) سليمان فرنجية عام 1970 بمعركة لبنانية خالصة ونادرة الحدوث، عندما كان كمال جنبلاط هو الصوت المرجح ويقف وليد جنبلاط اليوم في الموقع ذاته، وهو الذي يدأب على بث رسائل الود والثناء باتجاه فرنجية منذ فترة ويعامله معاملة خاصة مميزاً إياه عن الأقطاب الموارنة الآخرين، ومغلباً عنده صفة الرئيس التوافقي على الرئيس القوي.
لم يكن «اللقاء المفترض» بين فرنجية والحريري ليأخذ كل هذه الضجة لولا صلته المفترضة بموضوع رئاسة الجمهورية واحتمال أن ينجح فرنجية حيث فشل عون في اكتساب الصوت السني واختراق موقف تيار المستقبل، ولولا عوامل عدة:
– فمن جهة تزامنت «خبرية اللقاء» مع إطلاق حزب الله مبادرة سياسية تحت عنوان «التسوية الشاملة»، مع ما عنته من انتقال الى مرحلة الاستعداد للبحث والتفاوض في الملف الرئاسي وفتحه على أفق جديد وإخراجه من الطريق المسدود ومن معادلة «عون أو لا أحد»… ومن باب الشائعات والتكهنات أيضاً أن حزب الله يخوض معركة رئاسة الجمهورية بورقة مكشوفة هي ميشال عون وورقة مستورة هي سليمان فرنجية الذي يشكل مرشح احتياط بمزايا تجعل أن الاستثمار السياسي فيه أكثر مردوداً وأطول مدى.
– ومن جهة ثانية، كان فرنجية باشر منذ فترة تحركاً رئاسياً هادئاً وبدأ يعمل لمعركته بتأنٍ ودراية ووفق حسابات دقيقة أولها عدم الاصطدام بالعماد عون. فرنجية كان منذ البداية يعمل في الاتجاه الذي يخدم وصوله الى قصر بعبدا. هو من أعلن بوضوح أن لا مشكلة في الفراغ الرئاسي وأن عدم وجود رئيس للجمهورية هو أفضل من وجود رئيس ضعيف، معتبراً نفسه أنه من «فئة الرؤساء الأقوياء»، خصوصاً وأن صيغة الأقطاب الأربعة التي أوجدها البطريرك الراعي ساوته بعون وجعجع والجميل (رغم وجود فوارق في الأحجام الشعبية، إذ تنتشر شعبية عون وجعجع على كل الأراضي اللبنانية، فيما تنحصر زعامة فرنجية في زغرتا وبعض الشمال خصوصاً الكورة).
الموقف الآخر الذي التزمه فرنجية وما زال كان الوقوف خلف العماد عون والتأكيد تكراراً أن عون «هو مرشحنا للرئاسة ولا أحد سواه»، لأن فرنجية مدرك أن لا فرصة له بالتقدم على عون في السباق الرئاسي طالما عون مرشح وغير مستعد للانسحاب، ومدرك أيضاً أن فرصته تصبح جدية وقوية إذا قرر عون الانسحاب عندما يتأكد أن فوزه بالرئاسة صعب أو مستحيل.
متمترساً وراء ترشيح عون ومحتمياً به، بدأ فرنجية ينسج خيوط فرصته الرئاسية مركزاً بشكل خاص على إحداث اختراق في علاقته مع المستقبل ورئيسه سعد الحريري بأن أرسل له رسائل سياسية تطمئنه الى التزامه باتفاق الطائف وأنه لا يجاري عون في ضغوطه ومضايقاته ويتمايز عنه في كل شيء من قانون اللقاء الأرثوذكسي الى التمديد لمجلس النواب ولقائد الجيش، وصولاً الى الجلسة التشريعية الأخيرة والمعركة الوهمية التي خيضت حولها عبر المطالبة بإدراج قانون الانتخابات… والى جانب ذلك، كان فرنجية يعيد الحرارة الى خطوط علاقته مع حزب الكتائب منذ وصول سامي الجميل الى رئاسته، وما سرّع وساعده في ذلك الالتقاء الحاصل بين عون وجعجع والذي بدأ من «ورقة النوايا» ولا أحد يعرف أين وكيف ينتهي…
وفي حسابات رقمية بسيطة يعتبر فرنجية أن فرصته للفوز برئاسة الجمهورية فرصة جدية وأنه قادر على تحصيل ما لا يستطيع عون تحصيله وهو «أكثرية نيابية مؤيدة له». وهذه الأكثرية تأتي من أصوات فريق 8 آذار (57 صوتاً) يضاف إليها أصوات كتل جنبلاط والكتائب وطرابلس، وحيث أنه ينطلق من حد أدنى من تأييد سني حتى لو لم تمنحه كتلة المستقبل أصواتها…
– ومن جهة ثالثة، كان اسم سليمان فرنجية يجري التداول به في الدوائر الدبلوماسية في بيروت خارقاً لائحة الترشحات المتداولة منذ عام ونصف أو مضافا ًإليها. شائعة لقاء فرنجية مع الحريري ليست الوحيدة. سبقتها شائعة أن موسكو تفكر بـ «فرنجية» للرئاسة، وأن ميخائيل بوغدانوف طرح الفكرة على جنبلاط الصيف الماضي… وأن الروس تداولوا مع الإيرانيين الذين ليس لديهم مشكلة مع فرنجية لا بل يعتبرونه الأقرب الى محور المقاومة والأثبت.
وجاء التحالف الروسي – الإيراني في المنطقة بدءاً من الاتفاق النووي وصولاً الى «عاصفة السوخوي» ليزيد من ثقل هذا المحور ونفوذه في المنطقة وفي لبنان. وكان لافتاً أن روسيا تدعو منذ أشهر الى «الرئيس التوافقي» في لبنان، بما يعني دعوة عون لأن يتخلى عن مشروعه وطموحه الرئاسي… وأن إيران تدعو منذ أسابيع الى انتخاب رئيس في أقرب وقت، وكانت لنائب وزير الخارجية الإيراني حسين عبد الأمير اللهيان زيارة مهمة أخيراً الى بيروت قيل إنه التقى فيها، إضافة الى نصرالله وبري، النائب سليمان فرنجية.
السؤال: هل تتوافر لـ «سليمان فرنجية» فرصة الوصول الى رئاسة الجمهورية؟!
الأمر لا يتوقف على تأييد تيار المستقبل فيما لو كان هذا التأييد ممكناً ووارداً… ثمة عقبات وظروف أخرى وأسئلة مهمة تنتظر أجوبة منها:
1-هل العماد عون في وارد التنازل؟! معركة الرئاسة آخر معركة يخوضها وورقة الرئاسة آخر ورقة يمتلكها.
2-هل حزب الله في وارد التخلي عن عون والتحول منه الى فرنجية؟! «هل حزب الله مستعد لخسارة حليفه الأبرز والأقوى مسيحياً في هذه المرحلة وخسارة الحالة المسيحية التي أوجدها محدثاً للمرة الأولى اختراقاً في معادلة طائفية  سياسية حكمت البلد واعتاد عليها متمثلة في الثنائية المارونية – السنية»؟!
3-هل تيار المستقبل بإمكانه التحرر من القرار أو التأثير السعودي؟! وهل يمتلك هامشاً واسعاً في هذا الموضوع البالغ الأهمية؟! واستطراداً هل السعودية التي وضعت فيتو على عون لا فيتو لديها على فرنجية صديق بشار الأسد وحليف حزب الله؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق