سياسة لبنانية

المستقبل وحزب الله على أهبة «الحوار السياسي» و«التسوية الشاملة» عنوان المرحلة

استؤنفت جلسات الحوار الوطني في عين التينة بدلاً من ساحة النجمة، وذلك لأسباب أمنية تتعلق تحديداً بأمن الرئيس نبيه بري.. ولكن الأنظار تتجه الى «الحوار الآخر» الثنائي الدائر في عين التينة بين المستقبل وحزب الله والذي جرى تعليقه لفترة وجيزة ليس لأسباب أمنية بعد تفجيرات برج البراجنة وإنما لأسباب سياسية، لأن الحوار يقف عند مشارف مرحلة جديدة وسيستأنف على أساس جدول أعمال جديد تندرج بنوده تحت سقف «التسوية الشاملة». هذه العبارة السحرية أو كلمة السر التي أذاعها السيد حسن نصرالله وباتت تعد عنواناً للمرحلة المقبلة.
ما يجري بين المستقبل وحزب الله منذ أسابيع من تبادل لـ «التحيات والإيجابيات» ومن تمرير للرسائل الواضحة والمشفرّة، يجدر ويجب التوقف عنده لأنه يؤشر الى مناخ سياسي جديد والى مرحلة جديدة في الحوار الذي كان يدور منذ عام في حلقة مفرغة، مداولاته تكاد تنحصر في خطط أمنية ومسائل ميدانية وبياناته المقتضبة تكاد تكرر «لازمة» الحرص على استمرار الحوار وتفعيل المؤسسات. وللمرة الأولى يقف حوار عين التينة على أهبة الدخول في «مرحلة الجد» مرحلة «الحوار السياسي» ويصل الى النقطة التي وُجد من أجلها، نقطة البحث في الملف الرئاسي.
المبادرة جاءت من أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عندما دعا، في خطاب يوم الشهيد، الى تسوية سياسية داخلية شاملة لا تنتظر التطورات الإقليمية وتشمل رئاسة الجمهورية والحكومة، رئاسة وتركيبة، ومجلس النواب، عملاً وآليات، وقانون الانتخابات. بعد أيام حصل الانفجار الإرهابي في منطقة برج البراجنة، وجاء رد حزب الله على هذا الانفجار هادئاً واحتوائياً وخلا من أي تصعيد أو تهديد، وركز خطاب السيد نصرالله في  إطلالة ثانية له خلال أسبوع على أمرين: نزع فتيل التوتر بين مخيم برج البراجنة والضاحية الجنوبية وبين الشيعة والفلسطينيين وإبعاد كل شبهة ومسؤولية عن الفلسطينيين… وتجديد الدعوة الى التسوية الشاملة متكئاً على المناخ الإيجابي الذي ولّدته تفجيرات البرج وحالة الاحتضان والتضامن الوطني الشامل التي لم تخرقها هذه المرة من المستقبل وأوساط 14 آذار عملية الربط بين تفجيرات الضاحية وتدخل حزب الله في سوريا، بمعنى تحميل حزب الله مسؤولية استدراج الإرهاب الى لبنان بسبب قتاله في سوريا. فهذه أول مرة يسمع فيها حزب الله كلاماً إيجابياً خالصاً ولا يقال له «نحن متضامنون مع الضحايا والمدنيين الأبرياء ولكن ما كانوا ليسقطوا لولا تدخلكم في سوريا».
الدعوة الصادرة عن نصرالله بشأن التسوية الشاملة موجهة بالدرجة الأولى الى تيار المستقبل وهو المعني بها أولاً والى حد ما «حصراً». هذه الدعوة ليست مناورة وإنما تتصف بـ «الجدية والإلحاح والرغبة في أن تفتح الطريق الى تسوية سياسية داخلية»… وما كان لافتاً ومثيرا للانتباه أن نصرالله أرفق دعوته بسلسلة تطمينات وتوضيحات، وكأنه يقوم بـ «نزع الذرائع» من أمام موقف المستقبل و«نزع الألغام» من أمام مشروع التسوية… فقد أكد السيد نصرالله على أن لا مؤتمر  تأسيسي، ولا 7 أيار جديداً، ولا تعديلات دستورية، وألمح الى أن لا فيتو على عودة الحريري… ولكن الإشارة الأهم التي وردت في كلامه وتلقفها المستقبل بارتياح لم تكن فقط «التمريرة الأمنية» وإشادته بفرع المعلومات، وإنما جاءت في قوله: «التسوية بهذا الدستور، بهذا النظام، بهذا الطائف، بالآليات الدستورية المعتمدة»… هذه من المرات النادرة، وربما المرة الأولى، التي يأتي فيها نصرالله على ذكر «الطائف».
رد المستقبل جاء من الرئيس سعد الحريري الذي «مد اليد» مغرداً بإيجابية، ومن الوزير نهاد المشنوق الذي وصف كلام نصرالله وعرضه بأنه «جدي ومسؤول»… وبالتالي فإن تيار المستقبل مستعد وجاهز للدخول في «منطق التسوية» وفي حوار سياسي يريده أن يبدأ من رئاسة الجمهورية وأن يضع جانباً موضوع قانون الانتخاب… مناخات التسوية والإرادة السياسية لإنجازها موجودة، ولكن هذا لا يعني أنها في  متناول اليد: فمن جهة هناك خلاف أولويات بين المستقبل الذي يطرح أولوية الاتفاق على رئيس، وانتخاب الرئيس هو الذي يفتح الطريق أمام إعادة تكوين السلطة بدءاً من حكومة جديدة… وبين حزب الله الذي يعني بالتسوية الشاملة «السلة الواحدة» ويربط الاتفاق على الرئيس بالاتفاق على الحكومة وقانون الانتخابات… وفي الواقع فإن عملية التفاوض على الرئيس الجديد تفتح تلقائياً وحكماً باب التفاوض على الملفات الأخرى التي تشكل في مجموعها الثمن السياسي المترتب على انتخاب الرئيس التوافقي، أي عن تخلي حزب الله عن ورقة عون الرئاسية… ومن جهة أخرى ثمة ظروف إقليمية غير ناضجة خصوصاً على مستوى العلاقة بين إيران والسعودية ومسار الحل السياسي للأزمة السورية بالتلازم مع تطور الحرب على الإرهاب و«داعش» في سوريا…
أما السؤال المطروح: لماذا يعرض حزب الله التسوية الشاملة الآن ويلح عليها؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق