افتتاحية

عن اي انتصار تتحدثون؟

لماذا انتظر السياسيون وقوع جريمة الاعتداء على الضاحية الجنوبية لكي يتفقوا على موقف موحد يدين هذا العمل الجبان؟ اما كان من الافضل ان يوحدوا موقفهم دون وقوع اعتداءات مجرمة ووحشية؟ المهم ان الاجواء السياسية التي سادت بعد اعتداءات الضاحية زرعت بعض الامل في نفوس اللبنانيين، فهل تستمر وتتفعل للوصول الى ما فيه خير البلاد؟
التشنج بلغ ذروته عشية الجلسة التشريعية التي دعا اليها الرئيس نبيه بري وحدثت انقسامات كادت تنذر بشر مستطير. الا ان «حلاً» برز في الافق انهى المشكلة، ولكن عن اي حل، وماذا استجد؟ لا احد يعرف. السياسيون وحدهم يملكون الاجابة.
اختلفوا على جدول اعمال جلسة تشريع الضرورة وهدد التيار الوطني الحر (وحده في قوى 8 اذار)، كما هددت القوات اللبنانية (وحدها في قوى 14 اذار) بمقاطعة الجلسة والنزول الى الشارع تعبيراً عن استنكارهما واعلنا تمسكهما بادراج قانون استعادة الجنسية، وكان اصلاً قد تم التوافق عليه ووعدت كل الكتل النيابية بتأييده. والقانون الثاني وهو اصل المشكلة فكان قانون الانتخاب الذي رفض رئيس المجلس نبيه بري ادراجه على جدول اعمال الجلسة.
بعد اتصالات مكثفة جرت في الداخل وبين بيروت والرياض حيث مقر رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وبعد ليل طويل امتد الى ساعات الفجر الاولى قالوا ان الحل ولد، فارتخت الاعصاب وزال التشنج، واطل كل من العماد عون والدكتور سمير جعجع يزفان البشرى الى اللبنانيين بـ «الانتصار» الذي حققاه في هذه المعركة. ورحنا نبحث عن الانتصار، ولم نعثر عليه. فقانون استعادة الجنسية كان متفقاً عليه، وقانون البلديات كان مدرجاً على جدول الجلسة، اما مشكلة المشاكل قانون الانتخاب فبقي خارج البحث ولم يتم عرضه او مناقشته فهل يكونان قد انتصرا؟
الزعماء المسيحيون المنقسمون فعلاً، والمتفقون شكلاً، هم وراء ضياع كل حقوق المسيحيين، فلو كانوا حقاً متضامنين وبقلب واحد، هل كان من الممكن ان تبقى البلاد سنة ونصف السنة واكثر بلا رئيس للجمهورية، هو الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة ويشكل وجوده رمزاً محلياً واقليمياً؟ قاتل الله الخلافات التي عصفت بكل الاطراف السياسية فاضاعت الحقوق. فنحن نرى فريقاً من المسيحيين ملتحقاً بهذا الطرف وفريقاً اخر ملتحقاً بذاك الطرف، وهكذا تضعف كلمتهم وتهدر حقوقهم. ولو كانوا فعلاً متضامنين ومتفقين على رأي واحد، لكان اول بند، لا بل البند الوحيد، على جلسة مجلس النواب هو انتخاب رئيس للجمهورية.
لقد اصابهم ما حل بهم في الماضي ولم يتعلموا. فكما اتفقت يومها حركة امل وتيار المستقبل وحزب الله والحزب الاشتراكي على خوض المعركة الانتخابية وتقاسم المقاعد، تكرر هذا الاتفاق اليوم دون مراعاة اي من هذه الاطراف للحليف المسيحي. فعندما تلتقي المصالح تسقط مصالح المسيحيين لانها هشة وليس وراءها مطالب عنيد.
المجلس النيابي في حال انعقاد، فلماذا لا يشارك الجميع في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية ويضعون حداً لهذا الفراغ في رئاسة الدولة، وقد انعكس شللاً على كل المؤسسات الرسمية؟ اننا لا نستطيع ان نحمل اي طرف المسؤولية عن هذا الفراغ الا الطرف المسيحي، الذي لو توفرت الارادة لاصبح للبنان رئيس.
على كل حال هكذا هم قوى 14 اذار، مشرذمون، مفككون، مشلولو الارادة وقد استفاد خصومهم من هذا الوهن، وبنوا قوتهم على انقاض مكاسب 14 اذار. في العام 2005، بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري نزل الى الشارع اكثر من مليون لبناني، وبايعوا بلا شروط قوى 14 اذار، وامنوها على حياتهم وعلى مستقبلهم، املين ان تكون على قدر المسؤولية فتنهض بالبلاد وتضعها على السكة الصحيحة. غير ان املهم خاب بعد اشهر قليلة اذ بدأت هذه القوى تضيع الفرصة تلو الاخرى الى ان وصل بها الحال الى ما هي عليه اليوم، مشلولة، عاجزة وكل الاوراق الرابحة التي كانت بحوزتها انتقلت الى ايدي قوى 8 اذار فاصبحت متحكمة باللعبة السياسية وبمصير الوطن.
تراجع المسيحيون عن موقفهم من الجلسة التشريعية بذريعة انهم نالوا مطالبهم، غير ان ما نالوه ليس سوى فتات، لان المطلب الاول والاخير هو انتخاب رئيس للجمهورية واقرار قانون انتخاب عادل ينصف المسيحيين، الذين لم يتوقر لهم يوماً وفق القوانين المعمول بها التمثيل الصحيح، ذلك ان نصف نوابهم لا ينتخبون باصوات مسيحية وبذلك تنتزع منهم اهم الحقوق.
وهنا لا بد من السؤال لماذا لم يقاتل الرئيس بري من اجل انتخاب رئيس للجمهورية، كما قاتل من اجل الجلسة التشريعية. افلا يستحق ملء هذا المركز المهم الشاغر بذل الجهود من اجله؟ ثم لماذا رفض ادراج قانون الانتخاب على جدول اعمال الجلسة، مع العلم انه يوم تم التمديد للمجلس النيابي وعد الرئيس بري بان اول عمل سيقوم به المجلس الممدد لنفسه هو وضع قانون جديد للانتخابات، يؤمن التمثيل الصحيح لكل شرائح الشعب اللبناني، فاين هي هذه الوعودة ولماذا تبخرت؟ ولماذا لا يقاتل الغيارى على الجلسة التشريعية من اجل قانون يصحح الخلل القائم في البلد؟ ولماذا لا ينزل المسيحيون الى الشارع لمحاسبة الجميع من زعمائهم الى بقية معطلي انتخاب رئيس للجمهورية؟
الحرية والكرامة والحقوق لا تستجدى بل تتطلب معارك طاحنة، تماماً كما هو الحال مع الاستقلال. فاذا اردنا الوصول الى مبتغانا علينا ان نقاتل لا ان نستسلم ونسلم امرنا الى غيرنا، فهل يشهد لبنان مدافعين عن الحق والحرية فتعلو كلمتهم فوق كل كلام وينهض الوطن؟
ان الانتصار الحقيقي هو انتصار الوطن وهذا لا يتحقق الا بانتخاب رئيس للجمهورية وتفعيل المؤسسات الرسمية، وعندها فقط ينتصر المسيحي وينتصر المسلم ويسود السلام، فهل تدركون اهمية هذه المعادلة؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق