الاسئلة كثيرة ولا من مجيب… والفضائح اكثر ولا من مصلح!
مرة جديدة وعدوا الناس وطمأنوهم، ثم خلفوا بوعدهم وخيبوا امالهم، والسبب دائماً واحد، وهو الخلافات التي تعصف بالطبقة السياسية، والتي تساهم الى حد كبير في تدمير البلد. بشرونا ان ازمة النفايات شارفت على النهاية، لا بل اكدوا انها انتهت وان الحل سيعلن خلال ساعات. ونام المواطنون على هذا الامل الذي يجنبهم الامراض التي باتت منتشرة في البلد وتهدد بما هو اشد واخطر، الا انهم استفاقوا في اليوم التالي ليفاجأوا بان الازمة عادت الى نقطة الصفر، وان الحلول معدومة، وعاد الحديث مرة جديدة عن ترحيل نفاياتنا الى بلدان الاغتراب. هذه الطبقة السياسية التي اثبتت فشلها في كل شيء هجرت الشباب اللبناني وها هي تهجر النفايات. فلو تتهجر هي وتترك هذا البلد لاستقر الوضع ولنعم اللبنانيون بحياة هادئة كريمة.
احد رجال لبنان الكبار والنظيف الكف يقول ان الحل لن يأتي على هذه الصورة لان الخلاف على المغانم لم يجد حلاً بعد، وقد يكون ترحيل النفايات باباً للمكاسب لبعض السياسيين لم تستطع الحلول الاخرى ان تؤمنها لهم. والملاحظ ان الحركة الناشطة التي كانت قائمة حول النفايات توقفت كلياً، ولم يعد احد يتكلم عنها ولا عن اخطار عدم رفعها من الشوارع والمكبات العشوائية. فالى اين يريدون ان يقودوا الشعب؟
هذه الطبقة السياسية فشلت في كل شيء. تخلت اولاً عن واجباتها وارتضت بان تبقى البلاد بلا رئيس للجمهورية، كما ارتضت بشلل مجلس النواب وبتعطيل الحكومة. وهي عاجزة او مستنكفة عن تأمين مصالح الناس قبل ان تتأمن مصالحها.
كنت جالساً امام شاشة التلفزيون اتابع الاخبار فاذا باعلان عن مسرحية يطل على المشاهدين ويظهر شخص يقول انه سيؤمن الكهرباء 24 ساعة على 24. ولما سئل عن كيفية تحقيق هذه المعجزة اجاب «بدنا نعلق على كهرباء زحلة». نعم لقد استطاع فرد من المواطنين في عروس البقاع لا يملك امكانات الدولة ولا سلطتها، ان يؤمن الكهرباء 24 على 24 فكيف تعجز الدولة عن ذلك وهي تملك كل الوسائل اللازمة؟ لقد تعرض ابناء زحلة لكل انواع الضغوط لوقف مشروعهم، ومنعهم من الافادة من النور الذي هو حق لكل الناس على الدولة، لو كانت هناك دولة، واطلقت النيران على المحولات مرات عدة لتعطيل المشروع، ولكن بالارادة الصلبة تمكن ذاك الرجل الشجاع من المثابرة، وحقق ما عجزت عنه الدولة او ما لا تريد ان تحققه. فلماذا؟
احد الخبراء العاملين في حقل الكهرباء يشرح اسباب تردي وضع الكهرباء في لبنان رغم مرور حوالي ست عشرة سنة على انتهاء الحرب اللبنانية، ورغم انفاق اكثر من ثلاثين مليار دولار على هذا القطاع. فلماذا لم يتأمن التيار بعد، واين طارت هذه المليارات وفي اية جيوب حطت؟
السياسيون لا يريدون اصلاح الوضع بل يعملون على ابقائه على ما هو عليه الان. وتتردد في الاوساط الشعبية حكايات وحكايات. فيقال مثلاً ان بعض السياسيين النافذين متفقون مع مافيا المحولات هم يستخدمون سلطتهم لمنع اصلاح وضع الكهرباء، وهي تتقاسم معهم الارباح التي تجنيها من عرق الناس. واذا صحت هذه الشائعات فعلينا الا نأمل باي اصلاح واي تحسن في التيار الكهربائي.
الامل الوحيد في تبديل الوضع القائم ان يتحرك القضاء، وهذا عمل يتطلب شجاعة نادرة. فيستدعي القاضي كل الوزراء والمدراء والمسؤولين عن الكهرباء منذ العام 1990 الى يومنا هذا، ويفتح معهم الملفات كلها، ويحقق في كل ليرة انفقت على الكهرباء، واين انفقت او اين حطت، ويعيد الاموال المنهوبة الى خزينة الدولة، مال الشعب. فهل هناك من هو قادر على اتمام هذه المهمة؟ واذا وجد وفعل فان السجون ستغص بالرواد، لان المستفيدين من اموال الكهرباء ومن المولدات كثر ولكن ليس هناك من يحاسب.
بعد هذا كله هل ننتظر شيئاً من الطبقة السياسية المتربعة سعيداً على كراسيها والجاثمة على صدور الناس؟ قالوا انهم سيتحاورون ويحلون المشاكل القائمة على الاقل المشاكل الحياتية التي تتعلق بحاجات المواطنين اليومية. ولكن بعد عدد من الجلسات كانت النتيجة مكانك راوح. كثفوا عقد اللقاءات في البداية فبدأوا بجلستين يومياً ثم بجلسات يومية متتالية وها هي جلسات الحوار تصبح اشبه بجلسات انتخاب رئيس للجمهورية، وظيفة راعي الحوار عدها وتأجيلها، والنتيجة معروفة سلفاً لدى الجميع، اي ان انجازاً واحداً مهما صغر حجمه لن يتحقق على ايدي المتحاورين.
لقد اعتاد المواطنون على فشل الطبقة السياسية، وعلى اهتمامها بمصالحها دون اي مراعاة للمصلحة الوطنية العليا، ولذلك اصبح اليأس عنوان المرحلة، طالما ان التغيير لم يحصل بعد.
قالوا بخطة امنية للبقاع تضع حداً للعصابات والخارجين عن القانون الذين يعبثون في الارض فساداً. فيقتلون ويعتدون ويسرقون السيارات ويتاجرون بالمخدرات ويتجولون بالسلاح على عينك يا تاجر. فلماذا لم تنفذ الخطة الامنية؟ الجيش جاهز لكل تضحية ولكل مهمة مهما كانت صعبة. فلماذا لا تصدر الاوامر السياسية اليه لوضع حد لحالة الفلتان هذه؟ ولماذا لا يرفع السياسيون والنافذون الغطاء عن هذه العصابات حتى يعود الامن الى البقاع؟ مع العلم ان اهل هذه المنطقة هم اكثر من يعانون من هذا التفلت، وهم اوائل المطالبين بوضع حد لهذا التدهور الامني.
لو اردنا ان نعدد «فضائل» الطبقة السياسية لاحتجنا الى مجلدات ولكننا نكتفي بهذه النماذج علنا نجد من يتحرك ويكون حقاً يريد الاصلاح. وهنا نسأل لماذا لم يدرج قانون الانتخابات على جدول جلسة «تشريع الضرورة» لاخراج المجلس من الشلل افلا يستحق الشعب اللبناني بعد هذه المدة الطويلة ان ينعم بقانون يؤمن له صحة التمثيل؟ (سنتطرق الى هذا الموضوع وما دار حوله في العدد المقبل). الاسئلة كثيرة فهل من مجيب؟ والفضائح اكثر فهل من مصلح؟
«الاسبوع العربي»