صحة

عينا مريض الألزهايمر تسردان كل القصة!

ينسون من هم، ينسون من نحن، وينسون أنهم ولدوا وكبروا، اجتهدوا وربحوا، تعبوا ولاقوا، حزنوا وفرحوا… ووحدها تلك اللمعة في عيونهم وذاك الوميض الغريب يُنبئاننا بأنهم يفقهون كل القصة! مرضى الألزهايمر قد ينسون كل الدنيا لكنهم لن ينسوا أمرين: الرأفة والحنان! الألزهايمر، ذاك الداء الذي يُعرف بحالات «فقدان الذاكرة» من الألف الى الياء.

ليس سهلاً أن نشعر بهم وكأنهم باتوا في عالم آخر وهم ما زالوا في عالمنا، بيننا، أمام عيوننا! وليس أصعب من أن نناديهم، ننظر في عيونهم، فنرى أحياناً يباساً! ليس أصعب من مناداة: ماما… فتنظر أمهاتنا إلينا وكأننا غرباء!

الى ازدياد
رئيس جمعية الألزهايمر إختصاصي طب الشيخوخة الدكتور نبيل نجا يضع وجهه بين كفيه ويسرح في تفاصيل مرضاه مردداً: ليت الناس، كل الناس، يتعظون من الحالات المرضية المتنوعة فيعرفون أن لا شيء ثابتاً الى الأبد. ليت هؤلاء يعرفون أن عمل الخير أبقى لهم من أي عمل آخر!
لماذا يا ترى يزيد عدد مرضى الألزهايمر؟ هل هو المرض زاد أم زدنا نحن اهتماماً بالمرض؟ وهل صحيح أنه كلما زادت التوعية زاد عدد المصابين الذين يكشفون النقاب عن حالاتهم؟
لعلّ ارتفاع معدل عمر الإنسان حتى في المجتمعات الفقيرة هو أحد أبرز الأسباب. ففي لبنان مثلاً ارتفع معدل عمر من هم فوق السبعين من 4،6 في المئة في سبعينيات القرن الماضي الى 10 في المئة اليوم. والسبب الأول لظهور الألزهايمر هو، كما تعلمون، التقدم في العمر، لهذا بتنا نُصادف حالات أكثر من قبل. وهناك سبب آخر يكمن في أننا كنا قديماً نعتبر من «يُضيّع» عقله شخصاً طبيعياً لكنه منهك وحين تتأزم حالته نخجل به ونحتجزه في البيت، لكن هذه المعادلة اختلفت الآن والتوعية باتت أكبر بعدما بتنا نتحدث، والكلام الى نجا، كثيراً في الموضوع وباتت هناك مراكز ألزهايمر ونواد وجمعيات في كل لبنان، وانتشرت ثقافة قبول هذا المرض في المجتمعات بعدما كان يُشكل «تابو»! بات هناك أكثر من عشرين فيلماً سينمائياً عن المرض. صرنا بالتالي نتكلم عنه أكثر ولا نخجل به.

الاكثر اصابة
نادرة هي حالات الألزهايمر التي تظهر قبيل عمر الأربعين في حين تتراوح نسبة من يُصابون بهذا المرض فوق عمر 65 بين 5 الى 10 في المئة، وترتفع هذه النسبة الى خمسين في المئة بعد عمر 85 سنة. نذكر هنا ان عمر المرأة المتوقع في فرنسا اليوم هو 87 سنة. في كل حال يُقال علمياً أن الشخص الذي لديه قريب مباشر، والد أو والدة أو شقيق أو شقيقة، مصاب بهذا المرض لديه احتمال أكبر بثلاث مرات من غيره للإصابة به. ويزداد الإحتمال حين يكون الوالدان مصابين معاً بالداء. هل هذا يعني أن من يُصاب أحد أفراد عائلته بالمرض سيصاب هو حتماً به؟ صحيح أن الوراثة تلعب دوراً في الإصابة غير أن نسبة تقل عن سبعة في المئة من الحالات المرضية تترافق مع مورثات تسبب الإصابة المبكرة بالمرض الموروث عن العائلة أما الحالات الأخرى، وهي تشكل أكثرية، فتكون إصابة متأخرة بمرض الألزهايمر غير الوراثي.

اعراض غير واضحة
سؤال يطرح نفسه: كثير من الشباب يعانون مشاكل في الذاكرة، ينسون الأسماء والتفاصيل، فهل هذا مؤشر الى إصابتهم بفقدان الذاكرة في يوم ما؟
لا أحد يعرف بحسب نبيل نجا عما إذا كانت هذه مؤشرات حقيقية ولا متى يبدأ المرض ولماذا يبدأ؟! ويتابع: كل ما نفعله اننا نردّ حدوث المرض الى حين تبدأ التغيرات الظاهرة في الشخصية وتقلب المزاج والنسيان والانطواء ولهذا ندعو كل من يواجه مثل هذه العوارض الى استشارة طبيب اختصاصي الذي يعود له تحديد ما إذا كان سبب تلك الأعراض مرض الألزهايمر او الخرف او الاكتئاب. ويفيد جداً ان تعرفوا ان الأعراض قد تأتي في شكل غير واضح، في مكان غير واضح، وتتطور حتى تُصبح مؤثرة على نوعية الحياة.
ماذا عن العلاج في اول الطريق؟
يجيب الدكتور نجا: من شأن كل انواع العلاجات إبطاء تطور المرض لكنها لا تُشفي ولا توقف تطوره، لكن هذا لا يعني ان نستسلم بل ان نثابر على العلاج لإبطائه ويكفي ان نعرف ان بين المرضى محامين يترافعون عن متهمين وهم مرضى الزهايمر وهناك أطباء مرضى الزهايمر.
الذاكرة كما تعرفون مثل اي عضو آخر في الجسم تتأثر بتقدم العمر، بشيخوخة الجسد. فالولد، ابن عشر سنوات، يصعد عشر طبقات ولا يتعب لكن حين يبلغ الستين سيتعب من الطبقة الاولى. السمع يشيخ، النظر يشيخ، والذاكرة ايضاً تشيخ والقدرات الذهنية تبطىء ووحده الذكاء لا يتأثر.

طب الشيخوخة
من هم الأطباء القادرون على تشخيص المرض؟ أطباء الصحة؟ أطباء الدماغ؟
كل طبيب تخرج قبل العام 1990 ولا يهتم بمتابعة المستجدات الطبية والمشاركة في ندوات ومؤتمرات لن يكون صالحاً لتشخيص داء الألزهايمر، وهناك أطباء تخرجوا قبل 1990 وأصبحوا، بمتابعتهم، مراجع. فالمرض شُخص بعد هذا التاريخ. في كل حال يفترض أن يكون لدى طبيب العائلة إلمام به، أما الإختصاصيان الطبيان اللذان يفترض أن يُعالجا مرضى هذا الداء فهما: طب الشيخوخة وطب الدماغ والأعصاب. وأصبح يوجد في لبنان 11 طبيب أمراض شيخوخة يتعامل معظمهم مع مؤسسات خيرية.
هل الألزهايمر هو الخرف؟
يُشبه نجا الخرف بالمظلة والألزهايمر بأحد فروع المظلة ويقول: العلاجات تكون أحياناً نفسها إلا إذا تبين حدوث جلطات مرافقة عندها نعطي أدوية سيلان الدم.
تحدثنا عن أمور كثيرة فماذا عن اللب؟ ماذا عن مرض الألزهايمر؟ ما هو مساره في الدماغ؟
هو مرض دماغي يؤدي الى تلف القدرة على التفكير والذاكرة ويؤثر على المزاج والمشاعر ويمنع القيام بالنشاطات الحياتية اليومية. ويُرد الإسم الى الطبيب لويس ألزهايمر الذي تعرف على هذا المرض للمرة الأولى عام 1906. ويحدث الألزهايمر حين تتراكم جزيئيات «بيتا أميلويد» أو «أي- بيتا» في خلايا الدماغ وتلتصق ببعضها البعض، ما يُعرقل العمليات الحيوية في الدماغ ويؤدي الى خنق الخلايا الحية وموتها فينكمش الدماغ في بعض المناطق. والألزهايمر، لمن لا يعرف، مرض مميت ويصعب التكهن بأي أعراض قد تظهر على المصاب أو بسرعة تقدمها، غير أن احدى الإشارات المبكرة التي تدل الى بداية الإصابة فتشمل فقدان حاسة الشم والوزن.

اشارات
كثيرون منكم قد يلحون بطلب المزيد من الإشارات التحذيرية للإصابة… فهل لنا أن نعرف أكثر؟
يعطي الدكتور نجا عشر إشارات:
أولها: نسيان المعلومات التي جرى تعلمها حديثاً، أما من ينسى الأسماء أو المواعيد فلا يخف كثيراً على نفسه لأن هذا هو أمر طبيعي في زحمة الأعمال والأفكار.
ثانياً: صعوبة تأدية أعمال مألوفة مثل نسيان الخطوات اللازمة لإعداد وجبة طعام أو إجراء مكالمة هاتفية. أما من ينسى لماذا دخل الى الغرفة ليفعل أمراً ما أو ينسى ماذا أراد أن يقول فهو إنسان طبيعي.
ثالثاً: ينسى المصابون أحياناً كلمات بسيطة أو يستبدلونها بكلمات غير عادية فيسألون مثلاً عن فرشاة أسنانهم بجملة: أين هذا الشيء الذي أضعه في فمي؟
رابعاً: يفقد المريض الشعور بالمكان والزمان فيتوه في حيّه! أما من ينسى أيام الأسبوع أو المكان الذي يريد الذهاب إليه فهو طبيعي.
خامساً: تنخفض قدرة المريض في الحكم على الأمور فيرتدي ثياباً غير ملائمة او يرتدي طبقات عدة من الملابس في يوم حار ولا يعود قادراً على استخدام المال.
سادساً:  يجد المصاب صعوبة قصوى في تنفيذ أعمال عقلية معقدة فينسى الأرقام ولا يعرف كيف يستخدمها.
سابعاً: يضع المصاب عادة الأشياء في أماكن غريبة: المكواة داخل الثلاجة مثلاً وساعة اليد في وعاء السكر! أما من ينسى أين وضع مفاتيحه أو يضعها مؤقتاً خطأ في مكان غير صحيح فهو إنسان طبيعي.
ثامناً: يواجه المصاب تغيرات مزاجية سريعة فيبكي ويضحك في آن ويغضب ثم يهدأ من دون سبب ظاهر.
تاسعاً: يظهر المريض مشوشاً، يشكك في كل شيء وخائفاً.
عاشراً: يُصبح المريض أخيراً غير مبال فيجلس أمام الشاشة الصغيرة ساعات وينام وقتاً طويلاً.
ختاماً، لا يوجد أي علاج يستطيع أن يمنع الإصابة بالمرض لكن هناك لمن يهمه الأمر بعض الإشارات التي تدل الى أن خيارات أسلوب الحياة التي تحافظ على سلامة العقل والجسم قد تساعد في تخفيض إمكانية التعرض للمرض وتشمل: ممارسة النشاط البدني وتناول الفاكهة والخضار والأسماك الطازجة وإبقاء الدماغ يقظاً وتخفيض الإجهاد ومراقبة ضغط الدم ومستويات السكر في الدم والكوليستيرول.
يبقى ألا تأذوا من دون أن تقصدوا مشاعر مريض الألزهايمر بحجة أنه ما عاد يفهم ما يجري حوله، فالمصاب ما زال الشخص السابق نفسه ويفترض التعاطي معه، وإن أخطأ في الفهم، بكرامة واحترام. وتذكروا أن احتمال أن يكون واعياً لما يدور حوله كبير لكن من دون أن يتمكن من ترجمة هذا في تواصله معكم… في كل حال يكفي أن تنظروا في عيني المصاب، في قلب عينيه، لتفهموا وحدكم الكثير!

نوال نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق