افتتاحية

الشعب السوري يدفع ثمن سياسة الجبارين

فجأة دخلت روسيا الحرب في سوريا، بعد ان حشدت لها الطائرات والطوافات والسفن الحربية وجميع مستلزمات القتال، ودعمتها بجنود على الارض، الامر الذي فاجأ المراقبين الذين لم يكونوا يتوقعون هذا الدخول المباشر، في قتال يدور منذ اكثر من اربع سنوات، شاركت فيه جميع القوى المحلية والخارجية.
المفاجأة لم تكن بحشد القوات الروسية ومعداتها القتالية والتي فاقت كل التوقعات، بل ان المفاجأة كانت في مشاركة روسيا بالقتال. فلماذا دخلت روسيا الحرب؟
الكل يعلم ان روسيا تنقلت من خسارة الى اخرى في المنطقة. فمنذ خروجها شبه المذل من افغانستان وباكستان، خسرت في ليبيا وخسرت في العراق، كذلك ابعدت عن اليمن، فبدت قوة معزولة، فقدت الكثير من هيبتها ولم يبق الا سوريا، وبالتحديد النظام السوري الحالي الذي منحها كل ما كانت تطمح اليه، وامّن لها المكان الاستراتيجي لبناء قاعدة عسكرية تمكنها من الاشراف على المنطقة، وعند الضرورة من المشاركة في احداثها. عمدت الى ايجاد بديل لها عن خسائرها، فحولت انظارها نحو اوروبا وافتعلت المشاكل في اوكرانيا وسرعان ما ضمت القرم اليها، متجاهلة احتجاجات العالم كله عليها. ولم تكتف بذلك بل عمدت الى اثارة المشاكل في اوكرانيا كلها، وسيطرت على مناطق اعلنت الانفصال عن الدولة الام.
هذه الهجمة الروسية لم ترق للغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة فاستجمعت القوى العالمية وفرضت عقوبات على روسيا ارهقت اقتصادها، وكادت تدمره، فوقعت في خسائر ضخمة افقدتها المليارات، ولكنها صمدت ولم تتراجع محاولة تدبير امورها بما يتيسر لها، معللة النفس بان الاوضاع ستتبدل وانها ستسترجع خسارتها.
استمر الغرب في تضييق الخناق على الاقتصاد الروسي، واستمرت موسكو تواجه، ورفضت ان تستسلم رغم تكتل الولايات المتحدة واوروبا كلها ضدها، الى ان اتيحت لها الفرصة التي كانت تبحث عنها، في سوريا، فدخلت الحرب من الباب العريض واربكت الغرب واربكت العالم كله، لان الدخول الروسي في الحرب السورية بهذا الشكل قلب المعادلات، ونقل الحرب السورية من ضفة الى ضفة اخرى. وعرقل الحل السلمي.
فبعد ان كان الجميع يعملون لحل يطيح النظام ورأس النظام في الدرجة الاولى، فاذا بالضربات الجوية الروسية تدعم رأس النظام وتحوله الى رقم صعب لا يمكن تجاوزه في اي حل سياسي.
هل صحيح ان روسيا «تعشق» الرئيس بشار الاسد وانها مستعدة لكل الاحتمالات؟ ربما يكون الجواب نعم، فلماذا؟
من المعروف ان ما وفره النظام السوري لروسيا، لا يمكن لاي قوة اخرى مهما اشتد بأسها، ان توفره لها، وروسيا تعلم علم اليقين انه في حال اطاحة النظام وغياب الاسد عن الساحة السياسية، فان اي قوة ستتسلم زمام الامور في سوريا لا يمكن ان توفر لروسيا ما هو متوفر لها اليوم. ومن هنا كان هذا التشبث والاصرار من قبل الرئيس الروسي بوتين على دعم الاسد والحفاظ علىه. ففي بقائه تتأمن مصلحة روسيا ويتحقق حلمها القديم. وهذا واضح من طبيعة الضربات الجوية التي توجهها روسيا الى القوى المتحاربة في سوريا، والتي تستهدف بالدرجة الاولى المعارضة المعتدلة.
فموسكو تقول ان طلعاتها الجوية تستهدف تنظيم الدولة الاسلامية والنصرة، ولكن في زمن الاقمار الصناعية والتقنيات العالية لم يعد بالامكان اخفاء الحقائق. فقد ظهر جلياً ان الضربات الروسية لم تستهدف تنظيم الدولة الاسلامية الا بنسبة 5 بالمئة، كما ورد في تقارير غربية، وان الضربات في معظمها طاولت المعارضة السورية المعتدلة، وكان الاحراج الروسي الكبير عندما نشرت وسائل الاعلام صور الضحايا المدنيين الابرياء، الذين سقطوا بالقصف الروسي، فكان ذلك ابلغ رد على كذب وادعاء الروس.
لماذا استهدفت وتستهدف المعارضة المعتدلة؟ لان هذه المعارضة هي القوة الوحيدة المؤهلة لاستلام الحكم بعد سقوط النظام. وبما ان هذه المعارضة لا يمكن ان تؤمن لروسيا ما امنه لها النظام، فان موسكو تنشط بكل قوتها دفاعاً عن بقاء الاسد في الحكم، لتبقى لها امتيازاتها وتصان مصالحها، وهذا كل ما يهمها من الموضوع السوري.
هل صحيح ان الولايات المتحدة مستاءة من الهجوم الروسي؟
بالتأكيد لا! فالولايات المتحدة هي ايضاً لا تريد رحيل الاسد بسبب غياب البديل وهي تلتقي مع روسيا على دعمه وبقائه، وهذا واضح من السياسة المتبعة منذ اربع سنوات. فهي رفضت تسليح المعارضة لكي لا تقاتل النظام وتسقطه، كما رفضت فرض حظر جوي يقي الشعب السوري ضربات البراميل المتفجرة، كما رفضت ايضاً اقامة مناطق آمنة يمكن ان تؤثر على النظام.
يستدل من كل ذلك ان الولايات المتحدة وروسيا وان ظهرتا متنافرتين، ومتخاصمتين فانهما ضمناً تعملان معاً من اجل بقاء النظام. وفي هذه الحالة، تستمر الحرب طويلة ويستمر الشعب السوري يدفع الثمن الباهظ، وثمن سياسة الجبارين سواء اختلفا او تحالفا.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق