تحقيق

«الأميركية» و EMBRACE يطلقان الحملة الوطنية للوقاية من الإنتحار للسنة الثانية

يموت شخص كل ثلاثة أيام في لبنان عن طريق الانتحار

تحت رعاية وزارة الصحة العامة والوزير وائل أبو فاعور، أطلق صندوق Embrace وقسم الطب النفسي في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت AUBMC، للسنة الثانية على التوالي، الحملة التوعوية الوطنية للوقاية من الإنتحار، «أكيد رح فيق».
الإنتحار ظاهرة موجودة في كل مناطق العالم وتهدد مختلف مراحل العمر. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن ما يزيد عن 800،000 نسمة يموتون عن طريق الإنتحار كل سنة أي بمعدل شخص كل 40 ثانية تقريباً وبشكل خاص، يحتل الإنتحار المرتبة الثانية بين أهم أسباب وفاة  الشباب في الفئة العمرية 15-29 . كما تشير التقديرات إلى أن مقابل كل شخص توفي عن طريق الإنتحار قد يكون هناك أكثر من 20 شخص قاموا بالمحاولة (WHO, 2014).
تقدر منظمة الصحة العالمية في تقريرها الأخير حول الوقاية من الإنتحار أن 43 حالة وفاة عن طريق الإنتحار قد وقعت في لبنان في عام 2012 (WHO, 2014). لكن السجلات الرسمية التي حصل عليها صندوق Embrace وقسم الطب النفسي في الـ  AUBMC تكشف عن تناقض كبير. ففي الفترة الممتدة من عام 2012 حتى عام 2014، سجل 364 حالة وفاة بالإنتحار، أي بمعدل 121 حالة إنتحار سنوياً.
تساوي هذه الأرقام معدل إنتحار يتراوح ما بين2،35  لكل 100،000 فرد(2010) و3،24 لكل 100،000 فرد (2014).
وفقاً لهذه السجلات، يموت شخص في لبنان عن طريق الإنتحار كل ثلاثة أيام. ومع ذلك، يتوقع الخبراء الا يعكس هذا الرقم الواقع الحقيقي للمشكلة، حيث أن العديد من الجوانب الإجتماعية، الدينية والقانونية في ثقافتنا لا تزال تحد من الإبلاغ الدقيق عن حالات الإنتحار.

ارتفاع في نسبة استخدام الوسائل العنيفة للإنتحار
والجدير بالذكر أن الحالات المبلغ عنها شملت 245 (67%) حالة إنتحار من قبل رجال، حيث تساوي نسبة الذكور إلى الإناث 2:1. واللافت أيضاً هو ازدياد حالات الإنتحار بنسبة 31% بين عامي 2013 و 2014. وترافق ذلك مع ارتفاع في نسبة استخدام الوسائل العنيفة للإنتحار (Bizri, Hassan & Fahed, inress).

15% من الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاماً في لبنان فكروا جدياً بالإنتحار في وقت ما
وقد أبرز عدد من الدراسات المحلية أن التفكير في الإنتحار هو عامل خطر رئيسي للموت عبر القيام بهذا الفعل. كما كشف المسح العالمي لصحة طلاب المدارس أن 15% من الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاماً في لبنان  فكروا جدياً في القيام بالإنتحار في وقت ما خلال السنة الدراسية السابقة (WHO, 2011). وتشير دراسة أجراها مؤخراً قسم الطب النفسي في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت إلى الحاجة الملحة للتطرق لهذه المشكلة، بناءً على وجود نسبة مثيرة للقلق من الذين يفكرون في الإنتحار من العاملين في مجال الرعاية الصحية في لبنان (Talih et al., 2015).
 
مع طلوع الفجر
ولدأب هذا الصدع، يواصل صندوق Embrace بذل الجهود من أجل الوقاية من هذه الآفة . وقد اعتمدت حملة «أكيد رح فيق» هذا العام  على نجاح حملة العام الماضي. وتتضمن الحملة مجموعة من العناصر التي تساهم في  تعزيز التوعية عن الإنتحار: إعلان تلفزيوني يضم وزير الصحة وائل أبو فاعور، لوحات إعلانية في  الشوارع (billboards)، ومسيرة لذكرى الأشخاص الذين فقدوا حياتهم بسبب الإنتحار تحت عنوان «مع طلوع الفجر».
شعار الحملة الإعلانية، «أكيد رح فيق»، يهدف إلى تحفيز الناس للصحو باكراً والانضمام إلى المسيرة التي نظمت الساعة الخامسة صباحاً في 13 أيلول (سبتمبر) الجاري. اما الهدف من  المسيرة فهو استذكار الأشخاص الذين فقدوا حياتهم عن طريق الإنتحار وتوفير بيئة دعم للأهالي والأشخاص الذين فقدوا أحبائهم .

خط ساخن للوقاية من الإنتحار في لبنان
في غضون أربع سنوات، يهدف صندوق  Embrace إلى إنشاء خط ساخن للوقاية من الإنتحار ومساعدة أولئك الذين يمرون بأزمة. لذلك، اطلق صندوق  Embrace في صباح 13 ايلول (سبتمبر) حملة تمويل جماعي (crowdfunding) لجمع الأموال لأول خط ساخن للوقاية من الإنتحار في لبنان.
في العام الماضي، قام صندوق Embrace بوضع خطة عمل لإنشاء الخط، وبإكمال المرحلة الأولى من المراحل الست للمشروع. تهدف الحملة التبرعية إلى جمع 20،000 $ لتنفيذ المرحلة الثانية من خطة العمل.

تسع  من كل عشر حالات إنتحار تنتج عن شكل من أشكال المرض النفسي الذي يمكن علاجه
وقال الدكتور زياد نحاس،  رئيس قسم الطب النفسي في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت: «يشكل الإنتحار مشكلة صحية عامة تؤثر فينا جميعاً.. فإن تسع  من كل عشر حالات إنتحار تنتج عن شكل من أشكال المرض النفسي الذي يمكن علاجه. معظم الأشخاص الذين يحاولون أو يقومون بالإنتحار يعانون من واحد أو أكثر من الإضطرابات النفسية القابلة للعلاج مثل الإكتئاب، الإدمان على الكحول أو المخدرات، و الفصام (WHO,2014). ففي لبنان، واحد من أصل أربعة أشخاص قد يعاني من مرض نفسي خلال حياته، وأقلية هم الذين يحصلون على العلاج.

خطة للوقاية ورصد الإنتحار
وعلى نطاق أوسع، يقوم البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة العامة ببناء إطار عمل للوقاية ورصد الإنتحار، إذ إن هذا احد الأهداف الرئيسية في «استراتجية الصحة النفسية واستخدام المواد المسببة للإدمان، وقاية، تعزيز وعلاجل لبنان ٢٠١٥-٢٠٢٠» التي تم اطلاقها في ايار (مايو)  ٢٠١٥. وزارة الصحة العامة سوف تقوم بتعديل إطارالعمل للوقاية من الإنتحار الذي وضعته منظمة الصحة العالمية ليتناسب مع متطلبات لبنان ومن ثم ستضع وتنفذ خطة عمل لهذا الإطار.
ستطور أيضاً الوزارة استراتجية مناصرة تتناول الوصمة والتمييز تجاه جميع الأشخاص الذين يعانون من أوضاع  نفسية، بما فيهم الذين حاولوا الإنتحار وعائلاتهم، إذ أنهم يعانون من الوصمة الناتجة من المعلومات الخاطئة المنتشرة في المجتمع عن الإضطرابات النفسية.
تعمل وزارة الصحة أيضاً على تسهيل الحصول  على خدمات الصحة النفسية ذات جودة عالية من خلال تعزيز قدرة مراكز الرعاية الصحية الأولية الوطنية على توفير الحد الأدنى من خدمات الصحة النفسية، وذلك عن طريق التدريب والإشراف على العاملين في مراكز الرعاية الصحية الأولية من أجل فحص وتقويم وإدارة الأوضاع النفسية؛ ومن خلال إنشاء نظام إحالة يكون صلة الوصل بين جميع مستويات الرعاية.
ستعمل وزارة الصحة العامة بشكلٍ وثيق مع المدارس والجامعات لدمج تعزيز الصحة النفسية والوقاية من الأمراض المتعلقة بها وتحسين صحة المراهقين والشباب النفسية، مما سيقلل إمكانية تعرضهم للإنتحار.     
في العام الماضي، إنضم إلى مسيرة «مع طلوع الفجر» عدد كبير من الناس الساعة الخامسة صباحا وساروا للوقاية من الإنتحار. ويأمل منظمو الحملة الإنضمام إليهم في شهر ايلول (سبتمبر) 2015 لكي نسير «نحو فجر جديد».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق