افتتاحية

انه مسلسل تدمير المجتمع اللبناني

عبقت الاجواء اللبنانية في الايام الاخيرة بروائح الفضائح التي ظهرت على مختلف الصعد الاجتماعية والطبية والاتصالات، واشرت كلها الى رؤوس كبيرة تقف وراء هذه الفضائح وتدعم القائمين بها، فضجت الاوساط المحلية والدبلوماسية العربية والعالمية بهذه الموبقات، وطالبت كلها بكشف الفاعلين، وهي تعلم جيداً انه في احسن الاحوال سيقع الاختيار على مأمورين صغار ومنفذين، لا باع طويلاً لهم، وستحجب الاسماء الكبيرة. وهذه الحالة ليست المرة الاولى التي يتم فيها التستر على مرتكبي الفضائح، لذلك ازدادت في الاونة الاخيرة بشكل غير مسبوق. كيف لا وهم يعلمون ان القانون لن يطاولهم وسيبقى بعيداً عنهم.
وروائح الفضائح الكريهة ترافقت مع روائح النفايات التي كادت تهجر ابناء بيروت من منازلهم، وخصوصاً منطقة الاشرفية من شرقها الى غربها، ومن شمالها الى جنوبها، وهي جاءت لتذكر اللبنانيين بالفساد الذي يقف وراء كل هذه الجرائم التي ترتكب بحق الشعب اللبناني وبحق البلاد.
وعلى الرغم من الاوساخ التي غطت الوطن، واضرت باللبنانيين جميعاً، وهي من مسؤولية السياسيين، لم تصدر كلمة احتجاج واحدة من المتضررين. وهذا طبيعي لان اللبنانيين اعتادوا على الانحناء وطأطأة الرؤوس، فليهنأوا اذاً بهذا الطقم السياسي الذي خلف لهم الروائح الكريهة، والفضائح التي يندى لها الجبين، ورغم تلك المعاصي وجدنا من يظهر على شاشات التلفزة ليدافع عن المجرمين، وفي نظرنا يستحق هؤلاء المحاسبة مثلهم مثل من ارتكب الجرم، لانهم يصورون انفسهم وكأنهم شركاء له.
هذه صورة مصغرة عن الوضع الاسود الذي يحوط بالبلاد والذي لا مثيل له في اي دولة من دول العالم، حتى دول العالم الثالث، والشعوب البدائية. فاصبحنا نتاجر بالبشر والحجر وبكل ما هو للدولة، والذي اصبح مباحاً امام الجميع. ولماذا لا؟ طالما ان الحساب مغيب فمن اين يأتون بالرادع؟
يصعب على اللبنانيين ان يواجهوا في كل يوم بفضيحة جديدة، حتى بات الصح، ان وجد، هو الشواذ في هذا البلد. استنفار شامل في مختلف الاوساط، او على الاقل هذا ما يظهر، او يحاولون اظهاره، علهم يخفون شيئاً من جبل الفضائح الذي يعلو يوماً بعد يوم، غير ان الحقيقة هي غير ذلك، وستبقى ضائعة طالما ان هناك من يحمي الفاسدين. واذا صودف وازداد الضغط كثيراً، فانهم يكشفون عن رؤوس صغيرة يحولونها الى كبش محرقة وتبقى الرؤوس الكبيرة تنعم بنعيم فسادها.القضاء اليوم امام الامتحان، فكما استطاع ان ينفض عنه غبار التدخلات السياسية في محاكمة ميشال سماحة، ويتجاوز كل الضغوط ويصدر الحكم الذي ارضى الشعب رغم انه كان يتمنى ان يكون اقسى واشد، نظراً لبشاعة الجريمة وخطورتها، هكذا فانه يدعو اليوم الى ان يثبت انه فوق الخلافات السياسية واقوى منها، ويتابع العمل في ملفات الفضائح والفساد حتى النهاية، واذا لا سمح الله وخضع للضغوط السياسية المتنفذة فعلى لبنان السلام، لان بلداً بلا قضاء عادل وحازم لا يمكن ان يستمر، اذ تدب فيه الفوضى المدمرة حتى تقضي عليه.
ما يبدو حتى الساعة ان هناك نية في السير في التحقيق الى النهاية وقد اشر على هذه النوايا الحكم الذي صدر بحق سماحة، وهذا ربما يكون صحيحاً، لا بل مؤكداً، ولكن بعد ان يكشف القضاء كل ملابسات الفضائح، هل يسمح الفساد السياسي باعلان الحقيقة كاملة امام الرأي العام، وينال كل من خطط ونفذ ودعم ووفر الحماية للمرتكبين عقابه؟ ام مثلما درجت العادة تسحب الرؤوس الكبيرة من التداول، لتعاود التخطيط لجرائم جديدة قد تكون اقسى واشد؟
اللبنانيون حقاً ضائعون وقد تملكهم القرف واضحوا يخجلون من القول انهم لبنانيون، بعدما طبقت رائحة الفساد الافاق، ووصلت الى جميع دول العالم. وفي خضم هذه المعركة الوسخة تتكثف التصريحات والاتهامات، والهدف من ورائها تمييع الحقيقة وتضييعها. ذلك ان اللبنانيين لن يصدقوا كلمة واحدة مما يقوله الفاسدون، فكيف يجوز لمن يرتكب الفضائح ان يتهم غيره. لذلك فنحن لن نعول كثيراً على اي اتهامات تصدر في خصوص الفضائح. وقد رأينا التشفي يطفو على السطح. بعض الجهات رأت في الحملات ضد الفضائح فرصة لاشتعال النار، علّ دخانها يحجب الرؤية ويغطي على ملفات اخرى. انها غيرة ليست في سبيل حب الوطن والشعب والمصلحة العامة.
ولان لبنان اعتاد ان يصحو يومياً على فضيحة، وبما ان النفايات وجدت حلاً ولو غير كامل ومهدد بالانهيار، وبالرغم من ان روائحها لا تزال تزكم الانوف وتضيق بها الصدور، كان لا بد من فضائح جديدة، ففتحت ملفات الانترنت والاتجار بالبشر وشبكات الدعارة وهي مادة دسمة تلهي الناس حتى وقت طويل ريثما يكون الفاسدون قد مرروا ما يريدون تمريره.
يتجند العالم كله ويستنفر لمحاربة الارهاب، فهل ان الاتجار بالبشر والدعارة وسرقة اموال الدولة تقل خطورة عن خطر الارهاب؟كلا ايها السادة لان كل هذه الافات مدمرة للانسان مع اختلاف الوسيلة.
تنقلب الفضائح مثل اوراق الروزنامة واحدة تطوي اخرى حتى تنتهي الاوراق وتصبح الفضائح طي النسيان. انه مسلسل تدمير المجتمع اللبناني.
يقول احد الوزراء ان الغطاء سيرفع عن الفاسدين، فهل نصدق؟ ونسأل معاليه، لو طبق هذا القرار كم سياسي سيبقى جالساً على كرسيه؟

«الاسبوع العربي»
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق