رئيسيصحة

MEMA في مؤتمرها السابع والأربعين إختراق هائل في علم الأورام

قبل أعوام، لا لا قبل أكثر بكثير من مجرد أعوام، قبل 65 عاماً بالتحديد، قررت الجامعة الأميركية إطلاق أعمال المؤتمر الطبي السنوي للشرق الأوسط MEMA.
لكن هذا الشرق الحافل بالتطورات الساخنة غالباً والباردة أحياناً لم يسمح بإجراء إلا 47 مؤتمراً في 65 عاماً… وأمس، قبل أيام، جرى آخر مؤتمر حاملاً عنوان: «الإبتكار والإختراقات – التحديثات في علم الأورام». السرطان مرعب لكن مضمون العنوان جذاب: الإختراق وفي الإختراق، كما تعلمون، مواجهة.
بدأ المؤتمر. انتهى المؤتمر. وبين بين، بين الإنطلاقة والختام، حقيقة: كم هو رائع أن يبتكر  العلم أشياء جديدة ويضعها في حوض خبرات المعرفة الإنسانية!

بدينامية هائلة وبإصرار لافت وبحيوية مفرطة تابع رئيس المؤتمر ورئيس التجمع الطبي في الشرق الأوسط البروفسور علي طاهر أعمال المؤتمر الطبي السابع والأربعين الذي جرى في حرم الجامعة الأميركية في بيروت. تابع أدق التفاصيل وأبى أن يُفاصل في شيء: فكل شيء يفترض أن يكون في موقعه ليتحقق الهدف وتُستعرض الإبتكارات وتجول النقاشات وتتشارك الخبرات ويخرج المشاركون بقواسمٍ تؤسس لمرحلة جديدة، مقبلة، مليئة بالتفاؤل في مواجهة الخبيث.
عدد المشاركين هذه السنة حلّق: أطباء وممرضون واختصاصيو تغذية وصيادلة وكل من له يدّ، من قريب أو بعيد، بصحة مريض الخبيث ويريد أن يشارك شُرعت له أبواب صرح الجامعة الأميركية في بيروت. ثلاثة أيام شكلت نقطة انطلاق جديدة وتحديا آخر محوره: المتابعة المتابعة المتابعة. وقبل أن نتابع نحن نسأل: ماذا جرى في ثلاثة أيام؟ ماذا تحقق؟ وماذا عن عالم الخبيث الذي أقسم المؤتمرون مرة جديدة على تحديه؟

شهادات… ومعاناة وكثير من التفاؤل
البروفسور علي طاهر، رئيس المؤتمر والإختصاصي في أمراض الدم والأورام الخبيثة في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، يملك كل الأجوبة وفي جعبته كثير من التفاؤل. هو مقتنع جداً يبدو بمقولة فيكتور هوغو «عندما لا تتفاءل يتسوس العقل» ويقول: «في ما مضى، من زمان، لم يكن يُركز المؤتمر على عنوان واحد أما اليوم فقد ركزنا على موضوع واحد وتناولناه بالتفصيل، في ثلاثين محاضرة تقريباً، شارك فيها أكثر من عشرين متحدثاً من كل رحاب الأرض». والمؤتمر العلمي تضمن «وقفات» تبللت بدموع مجبولة بالأمل، بالانتصار، من شهادات مصابين وضعوا معاناتهم في خدمة العلم، عرضوها، تحدثوا عنها بصوت عال فسمعنا في تسجيلٍ مؤثر شهادة امرأة عانت من سرطان الثدي وشهادة رجل عانى من سرطان الغدد اللمفاوية. تأثرنا، وعدنا وتأثرنا ايجاباً أكثر بعدما علمنا أنهما شفيا تماماً. نعم ثمة أمل. ثمة أمل كبير في ترويض الخبيث في أكثر من نوع وحالة. ثمة أمل دائماً حتى في تحويل الأسى، الموت، الغياب الى حضور وهو ما فعلته الأستاذة في الجامعة رلى الخطيب التي تحدثت عن سارة، عن ابنتها سارة، التي توفيت قبل عام جراء سرطان العظام. أسى الوالدة طبعاً كبير وسيبقى كبيراً ما حييت لكن إيجابيتها جعلتها تتطرق الى الدور الحيوي في التعامل مع المرض والتغلب بالتفاؤل على جلجلة الخبيث وهو ما فعلته سارة التي أغمضت العينين وهي تبتسم وستبقى تبتسم حيث هي عبر نبض الجمعية التي أعلنت والدتها عن إنشائها لدعم أهالي مرضى السرطان والتي ستحمل إسم هذا التفاؤل، تفاؤل سارة: «لوك فوروورد». أنظر الى الأمام الى الأمام ودائماً الى الأمام.

آلية التعامل مع مريض السرطان
المؤتمر علمي – بحثي وله جانب علمي – إنسيابي- قرّب العلم من الحالات التطبيقية الإنسانية الحية…
كيف هذا؟ يجيب البروفسور طاهر: «تكلمنا في المؤتمر عن الإكتشافات الحديثة في العلاج الكيميائي والأشعة الجينية والإشاعات السرطانية المركزة وعن سرطان الرئة والرقبة والرأس وعن سرطان المعدة والبروستات والمبولة وذلك في محاضرات تتوجه الى أطباء السرطان وفي موازاة هذا نظمنا ورش عمل تعرفنا فيها على آلية عمل الصيدلي مع مريض السرطان وعلاقة الممرض أو الممرضة بالمريض وما هو مطلوب من طبيب العائلة الذي هو أول من يتعرف على مريض السرطان أو لنقل يُحدد حالته ويكتشفه، كما ضمّ المؤتمر ورش عمل موجهة الى اختصاصيي التغذية على حثتهم أن يتعاملوا صحّ مع مرضى السرطان، وكانت هناك ورش عمل مع منظمة الصحة العالمية ضمت كل من هو معني في الشأن الصحي من وزارات الصحة في عالمنا العربي والمسؤولين عن الأدوية والتسعير والتوزيع».
تضمن المؤتمر إذاً شقاً علمياً للأطباء وآخر علمياً لغير الأطباء وطُرحت فيه توصيات من جمعيات عالمية عن أهمية الدواء. ووزعت صناديق في أكثر من موقع في بيروت، حول الجامعة الأميركية، تسأل المارة، المواطنين، عما يعرفون عن مرض السرطان. وقد شارك مزين الشعر طوني مندلق من أجل حث الجنس اللطيف على التبرع بشعرهن الى من يحتجنه من مريضات السرطان. المؤتمر إذا أتى شاملاً، وافياً، مفيداً.
والتقى المشاركون في عشاء ريعه يعود الى طلاب الجامعة الأميركية الذين سيتخرجون أطباء ولا يحوزون المال الكافي لإكمال اختصاصاتهم وشاركت في إحياء اللقاء مغنية الأوبرا هبة قواص مدة عشر دقائق والعازف حبيب ألبرتو… عمل المؤتمر إذاً، بحسب الدكتور طاهر، الى تقريب المسافة بين حاملي الرسالة ومرضى السرطان عبر استخدام لغات تطبيقية مختلفة شكّل الفن الراقي أحد أدواتها. نجح المؤتمر بالتالي بفكفكة كثير من علامات الإستفهام التي تحوط بنية العلاقة بين أطباء السرطان ومرضى السرطان وتسليط الضوء على العنصر البشري وتعزيز مفهوم الإنسانية في الطب.
البروفسور علي طاهر يبدو متفائلاً جداً بالغد، بالمستقبل، «ببكرا» وأحد ينابيع هذا التفاؤل هو وجود الرئيس الجديد المنتحب للجامعة الدكتور فضلو خوري وهو ابن كلية الطب التي تحمل إسم والده الدكتور رجا خوري.

من هو الرئيس المنتخب البروفسور فضلو خوري؟
شغل خوري طويلاً منصب رئيس قسم أمراض الدم والأورام في جامعة أماروي وهو يثق جداً بالعمل من أجل الإبتكار في الطب، لا سيما الطب السرطاني، وهو طالما دافع بشراسة في الآونة الأخيرة في لقاء له مع «الأسبوع العربي» عن ثورة قوامها تحديد «بروفايل» الورم السرطاني ويُقصد به «شخصنة» هذا الورم عبر فحص جديد يجعل كل مريض سرطاني حالة مستقلة في ذاتها. فلا أحد نسخة طبق الأصل عن أحد. والسرطان ليس واحداً في كل الأجسام حتى لو كان من نوع واحد.
البروفسور خوري يتكلم «بعربية مكسرة» لكن بأفكار صلبة عن معادلة علمية جديدة قد تنسف كل الجوامد في الطب السرطاني وتعطي آمالاً الى من خالوا أن وجوههم باتت للحائط. وجود البروفسور خوري إذا، في هذه المرحلة بالذات، أنعش كل الطروحات التي توغلت في عالم الإكتشافات الطبية والإبتكارات والسؤال: ماذا في المعادلة العلمية المبتكرة التي سبق وطرحها رئيس الجامعة الأميركية؟ يجيب: قديماً، قبل أكثر من عقد، كنا نتبع بروتوكولات محددة لعلاج أي ورم سرطاني، أي كنا نتبع مقاربة مقاس واحد يناسب الجميع، وفي حال فشل العلاج كان الطب يقف حائرا أمام خيارات علاجية محدودة: هذه أو تلك أو لا شيء! وكنا نقف حائرين نحاول أن نختار الأنسب لحالة المريض لكن غالباً ما كانت تلك العلاجات تجريبية غير فعالة ما ينعكس سلبا على صحة المريض من ناحية فشل العلاج في محاربة الورم وفي زيادة السمية في جسم المريض نتيجة تعرضه الى دواء كان يمكن الإستغناء عنه. كنا، في اختصار، في دوامة.  

ماذا في ماهية هذا الإكتشاف؟
تُسحب خزعة من الورم وتُرسل الى المختبرات في الخارج وتحتاج النتيجة من أسبوعين الى شهر لتصدر. وبدأت الجهات الضامنة في لبنان تدرس جدوى هذا الفحص بإمعان، بعدما ثبتت أهميته في إحداث الفارق الهائل في مواجهة الخبيث. فأكثر ما قد يجعلنا نفهم عدونا ونواجهه هو دخول أسرار بيته وحياته. وهكذا الخبيث كلما توغلنا في أسراره وفككنا طلاسيمه كلما ضعف أمامنا.
كان الطبيب يستخدم خبرته في تحديد الخريطة العلاجية، لكن كثيرا ما كان يصل الى طريق مسدود، تتضاءل فيها الفرص، ما يجعله يعتمد إحدى الطرق الثلاث الآتية:
أولاً، تجريب علاج آخر يعتمد على خبرات الطبيب حتى ولو لم يكن الركن العلمي متوافرا.
ثانياً، تكرار استخدام أحد العلاجات التي سبق واستفاد المريض، في يوم ما،  منها حتى ولو كانت استفادته حينها محدودة.
ثالثاً، إقناع المريض في الدخول في تجارب سريرية لاكتشاف ما إذا كان ممكناً الإتيان بأدوية جديدة.
كانت تُستخدم في العلاج إذا مقاربة «مقاس واحد» في المرض وهذا سيء للغاية، لا سيما أن العالم كله يتطور فهل يجوز أن يبقى العلاج السرطاني بمقاس واحد؟ هل يجوز أن تخضع إمرأة مصابة بسرطان الثدي الى علاج كيميائي لأن كل النساء المصابات بسرطان الثدي يخضعن له في مرحلته… من قال أنه يلزمها؟ تشخيص الطبيب؟ علام اتكل الطبيب في تشخيصه هذا؟ على خبرته؟ الطبيب مهما كبر حجمه وزادت تجاربه يُخطىء لهذا، بعدما دخلنا العصر الجيني، بات الإتكال أكثر على الفحص الجيني في رسم كل الخريطة.
هذا نذر من فيض. ألم يحمل المؤتمر السابع والأربعون عنوان: «الإبتكارات الحديثة في علم الأورام» والإبتكار هو اختراق والإختراق قد يُعبد الطريق الى مفصل جديد وطريق جديدة وأمل جديد.

وماذا بعد؟

أربعة تخصصات نوقشت بإسهاب وبعمق، بحسب الدكتور علي طاهر، في المؤتمر وهي:
أولاً، سرطان الرأس الرئة وسرطان الرقبة حيث جرى تقديم آخر ما توصلت إليه العلاجات المستهدفة وراثياً في سرطان الرئة وتوضيح المناهج الجديدة لعلاج سرطان الرئة وتعزيز نظام المناعة لمهاجمة الخلايا السرطانية، وطرح الجدل الدائر بين أطباء الأورام الطبية والأشعة حول النهج الأفضل لعلاج المرضى الذين يعانون من سرطان الرأس والعنق.
ثانياً، سرطان الجهاز الهضمي، حيث قُدمت آخر ما توصلت إليه العلاجات في مختلف الأورام الخبيثة في الجهاز الهضمي بما في ذلك التنميط الجزيئي وفائدته في توجيه العلاج، ودور الجراحة الروبوتية ومدى أهميتها وتفوقها على أكثر الأساليب الجراحية التقليدية.
ثالثاً، جرت ورشة عمل جراحية استهدفت الجراحين المحليين والإقليميين بهدف تدريبهم حول تفاصيل الخزعة من العقدة الليمفاوية في سرطان الثدي.
رابعاً، ناقش خبراء مع ممثلين من ثماني دول عربية إمكانية تشكيل شبكة بحثية من أجل تحديث ودفع أبحاث السرطان في منطقتنا العربية.
وكانت قد جرت جلسة حول أورام الدماغ عند الأطفال والبالغين حول آخر التحديثات في المسببات الجزيئية لأورام الدماغ في مرحلة الطفولة والتي أحدثت ثورة في الآونة الأخيرة وقدمت وعودا حقيقية لعلاجات جديدة.
انتهينا؟ لا، لم ننته لكننا سننهي هذا الفصل بانتهاء مؤتمر التجمع الطبي في الشرق الأوسط السابع وال
أربعين MEMA.
على أمل أن تكون الرسالة الأساس قد وصلت ونرى أبواب الأمل تُشرّع من جديد أمام من خالوا أنها سُدت أمامهم الى الأبد.

نوال نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق