تحقيق

«التوحّد» في بيروت وجبل لبنان 1/67!

كشف أخصائيون خلال مؤتمر أقيم الاسبوع الفائت في بيروت أن الأبحاث الأخيرة والتقنيات الحديثة توفّر فرصا «لإحراز تقدم في تطوير علاجات جديدة للتوحد لدى الأطفال والكبار على السواء»، وعرضوا لدراسات حديثة عن «التوحّد في لبنان» تبيّن أن نسبة انتشاره في بيروت وجبل لبنان مثلاً تبلغ 1/67، وأن نسبة الذكور إلى الإناث بين المصابين هي 1،05/1».

تحت عنوان «الأطفال ذوو الإحتياجات الخاصة وتحديات الإنتقال إلى مرحلة الرُشد». نظمت جمعية OpenMinds وعيادة الأَطفال المميزين ASKC في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت AUBMC مؤتمرهما السنوي الثاني.
واستضاف المؤتمر الذي أقيم في الجامعة الأميركية، أخصائيين من بريطانيا والولايات المتحدة ولبنان، وركّز المحاضرون على تحديد الصعوبات الطبية والإجتماعية التي يعانيها الأطفال المتوحّدون أو ذوو الإحتياجات الخاصة الأخرى، وشرحوا كيفية معالجة هذه التحديات وادماجهم على افضل نحو في المجتمع لدى بلوغهم مرحلة الرُشد.
 
مورفي: نتائج الأبحاث عززت الآمال

رئيس قسم علوم الطب الشرعي والعصبية النمائية في معهد الطب النفسي في جامعة «كينغز» البريطانية البروفسور ديكلان مورفي، تحدث عن «الجهود الجديدة  التي سعت إلى تحديد مدى انتشار وتكلفة اضطرابات التوحد لدى البالغين الشباب، والمقاربات الحديثة للتوصل علاجات جديدة». ولاحظ أن «تطوير علاجات جديدة للتوحد يشكل تحدياً صعباً للغاية، إذ أن المسببات المرضية للتوحد غير معروفة، وثمة تنوع سريري واسع في هذا المجال، وتحديد الحالات لا يزال يستند فقط على الأعراض، وبالتالي تتضمن التجارب السريرية عادة عينات من المرضى غير متجانسة من الناحية البيولوجية». لكنه أكّد أن «التقارير الأخيرة تشير إلى أن فرصاً جديدة آخذة في الظهور»، بعد أن «تم تحديد متغيرات الجينات التي يمكن أن تؤدي إلى التوحّد، وبعضها مرتبط بالوظيفة التشابكية والتواصل العصبي».
وإذ أبرز أن «الظواهر السلوكية التوحدية يمكن أن تعالج بواسطة العلاج الجزيئي المركّز حتى لدى الراشدين أو البالغين»، أشار إلى أن «تقنيات التصوير العصبي، وتتبع العين، والدراسات الكهربية، أظهرت مؤشرات بيولوجية محتملة تساعد في تحديد التصنيفات السريرية».
وأضاف أن هذه التقنيات «أتاحت ملاحظة تشوهات في المسارات الكيميائية العصبية/الببتيد، يمكن أن تكون متصلة بالتشوهات في نمو الدماغ والسلوك، وبالتالي ثمة فرصة راهناً لإحراز تقدم في تطوير علاجات جديدة للتوحد لدى الأطفال والكبار على السواء».
وأوضح أن الأبحاث المتعلقة بالبالغين الشباب بيّنت إمكان «الاستناد إلى الاختلافات في نضج الدماغ ووظيفته في عملية التشخيص»، مشيراً إلى أن لدى المتوحدين «خللاً في أنظمة الخلايا العصبية الهرمية وهرمون السيروتونين ومن خلال استهداف هذا الخلل  يمكن معالجة الإختلافات في وظيفة الدماغ».
وأضاف: «استناداً إلى نتائج هذه الأبحاث الأولية، يجري العمل حالياً مع شركاء أكاديميين وصناعيين في كل أنحاء الاتحاد الأوروبي لتطوير منصة جديدة لاكتشاف الأدوية هي عبارة عن مركز دراسات أوروبي لتطوير أدوية جديدة للتوحد من ضمن المبادرة الأوروبية للأدوية المبتكرة».

بستاني: روابط القربى المتشابكة في لبنان والزيجات المرتفعة بين الأقارب تعزز عوامل الإصابة
أما «التوحّد في لبنان» فتولت التحدث عنه مديرة قسم برنامج الأمراض العصبية الوراثية وطب الأعصاب لدى الأطفال في «عيادة الأطفال المميزين» في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة روز ماري بستاني. ولاحظت بستاني إلى أن «انتشار التوحّد ازداد على الصعيد العالمي»، مشيرة إلى أن «معدّل الإصابة به في الولايات المتّحدة بلغ 1/68، علماً أن نسبة الذكور إلى الإناث بين المصابين هي 4 إلى 1».
وكشفت بستاني أن «دراسة حديثة أجرتها الجامعة الأميركية في بيروت ومركزها الطبّي تحت إشراف الأطّباء فادي معلوف ومونيك شعيا وداليا صعب شملت أطفالا دارجين (toddlers) تتراوح أعمارهم بين 16 شهراً وثلاث سنوات في دور حضانة في بيروت الكبرى وجبل لبنان. وبيّنت هذه الدراسة أنّ نسبة انتشار التوحّد في بيروت الكبرى وجبل لبنان باتت تساوي 1/67، وفي حال افترضنا استنتاجاً أن هذه الأرقام تنطبق على كل لبنان، نظراً إلى عدم توافر أية بيانات إحصائية تتعلق بمناطق أخرى، فيمكن القول إنها هي مشابهة جداً لتلك المسجّلة في الولايات المتّحدة، لكنّ الفارق اللافت أن نسبة الذكور إلى الإناث لم تتعدّ 1،05/1».
وأوضحت بستاني أن ذلك «يُعزى على الأرجح إلى روابط القربى المتشابكة في لبنان والزيجات المرتفعة بين الأقارب التي تزيد من دور العوامل الجينية في الإصابة بالتوحّد». وشرحت أن «هذه الفرضية عزّزت بعد تحليلات جينية أجريت في مختبر الوراثة العصبية التابع للمركز الطبّي للجامعة الأميركية في بيروت، لإحدى وأربعين عائلة لديها أطفال مصابون بالتوحّد». وأضافت «قمنا أيضاً، بالتعاون مع الطبيبة رلى حوراني، بتحليل نتائج التصوير بالرنين المغنطيسي عند أطفال دارجين يعانون التوحّد، فرصدنا لدى مجموعة صغيرة منهم تغييرات واضحة في المادة البيضاء مقارنة بالأطفال ذوي السمات العصبية النموذجية».
وأملت في أن تبيّن هذه الدراسات «أن إدماج الأطفال المتوحدين في دور الحضانة والمدارس العادية، والعلاجات الخاصة بمهارات الكلام والجوانب المهنية والنفسية وتحليل السلوك، ستؤدي إلى تحسين هذه الأرقام مع مرور الوقت، مما يمهد الطريق لتوفير التغطية الكاملة طبياً وعلاجياً من قبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وشركات التأمين الخاصة». ورات أن «هذا المؤتمر يأتي في وقت بالغ الأهمية، إذ ينبغي التخطيط لمستقبل يتم فيه دمج الأطفال المتوحدين في المجتمع وتوفير العناية والتعليم والوظائف لهم، بما يواكب العدد المتزايد من الاطفال والراشدين ذوي الاحتياجات الخاصة».

حردان: برامج التثقيف الجماعي للأهل  تساهم في إكساب أولادهم المتوحدين مهارات اللغة
وشرح رئيس قسم طب النفس والعلوم السلوكية ومدير عيادة التوحد والإعاقات النمائية في مستشفى لوسيل باكارد الأميركي للأطفال الدكتور أنطونيو حردان، آخر التطورات في مجال التوحّد، سواء على المستوى البحثي أو السريري، ولا سيّما في القضايا المتعلقة بإنتقال المتوحدين إلى مرحلة الرشد. وعرض في هذا الإطار لأبحاث جديدة تهدف إلى تعزيز فهم بيولوجيا الأعصاب المرتبطة باضطراب التوحد (ASD) سعياً إلى تطوير التدخلات العلاجية في هذا المجال وجعلها أكثر فاعلية، وتحديد المؤشرات الحيوية ذات الصلة. وركّز حردان في عرضه لنتائج هذه الدراسات الرصدية والتجارب السريرية، على العوامل الأساسية لتحسين أداء الأفراد الذين يعانون التوحد، لدى انتقالهم إلى مرحلة الرشد. وأشار إلى أن عدداً من الدراسات بواسطة تقنية الرنين المغنطيسي، تمحورت على  رصد تغيّرات النمو في هياكل الدماغ لدى الأطفال والراشدين الذين يعانون التوحد، وأظهرت أن لدى من يعانون التوحد مسارات متميزة من النمو في العديد من مناطق الدماغ، مع وجود اختلافات في سماكة القشرة وحجم المخ تظهر لديهم مع الوقت مقارنة مع الاشخاص الآخرين. كذلك لفت إلى أن دراسات أخرى ربطت بين ببتيد OXT العصبي ومجموعة متنوعة من العمليات الفيزيولوجية والنفسية المعقدة بما في ذلك الإدراك الاجتماعي البشري. وقال إن عدداً من الدراسات اشار إلى إمكان اعتبار تركيزات البلازما كما OXT مؤشرات بيولوجية لتحديد وضع الاضطرابات العصبية والنفسية، ومنها التوحد، لا سيّما في ما يتعلق بالأداء في مجال التواصل الاجتماعي. وابرز أن «تنمية مهارات الكلام هي المفتاح لنتائج أفضل في مرحلتي المراهقة والرشد»، شارحاً أن «التدخلات العلاجية التي تستهدف ضعف القدرة على التواصل، تُعتبر عنصراً أساسياً لتمكين المصابين بالتوحد من التمتع بالاستقلالية». وشدد على أهمية برامج التثقيف الجماعي للأهل في إكساب أولادهم المتوحدين مهارات اللغة والكلام. كذلك أكد أن للإختلال العاطفي تأثيراً على الاندماج الاجتماعي والمهني الناجح، مشيراً إلى أن الدراسات التي تتيح زيادة فهم الفيزيولوجيا المرضية للتفاعل والتنظيم العاطفي لدى الشباب والراشدين الذين يعانون التوحد، تمهّد لتطوير تدخلات علاجية فاعلة تساعد في تسهيل عملية الانتقال إلى مرحلة الرشد.
 
حمزة: برنامج LEAP  يركز على استقلالية الطالب
وعرض مدير برنامج تعزيز التعلم والمساعدة (LEAP) في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا (AUST) في بيروت علي حمزة عن هذا البرنامج، فأوضح أنه برنامج جامعي خاص مصمم للشبان والشابات الذين لديهم احتياجات تعليمية خاصة، مدته ثلاث سنوات تتوج بفترة التدريب. واضاف أن الهدف الرئيسي للبرنامج هو تمكين كل طالب من أن يملك لدى تخرجه المهارات اللازمة التي تتيح له أن يتوظف، ويعيش باستقلالية، ويحقق النجاح الشخصي، ويصبح مواطناً فاعلاً في المجتمع. واشار إلى أن البرنامج يجمع بين الدراسة الأكاديمية والتعليم والتدريب المهنيين، ومهارات العيش باستقلالية، إضافة إلى المهارات الاجتماعية. وشدد على أن المنهج «يركز على تطوير استقلالية الطالب من طريق تدريسه مهارات الحياة العملية، ومنها مهارات الحياة الاجتماعية، وإدارة المال، ومهارات التواصل، ومهارات الحاسوب، ومهارات اللغة الإنكليزية، والعناية الشخصية، والطبخ، والترفيه، والتسلية، وسوى ذلك».

معوّض: مشاركة الطلاب في ورش العمل الحرفية  تشعرهم بالقيمة الذاتية والثقة بالنفس
أما مديرة  جمعية «فيستا» FISTA للتربية المتخصصة ريم نشابة معوض، فتحدثت عن برامج التدريب المهني للراشدين الشباب ذوي الإحتياجات الخاصة. وإذ لاحظت «قلة الأدلة البحثية القائمة على برامج التدريب المهني للشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان»، شددت على ضرورة أن «يبدأ الأهل وارباب العمل قبل كل شيء بفهم سبب وكيفية وماهية ما يجري تطويره في برامج التدريب المهني»، داعية إياهم إلى «تحديد الأهداف ذات الأولوية في ما يتعلق باحتياجات الراشدين الشباب ذوي الاحتياجات الخاصة». وعرضت للنهج العلاجي الشامل المستوحى من رودولف شتاينر، موضحة أنه «مسار للتعلم يشرك في آن واحد اليد والرأس والقلب، وهو طريقة معتمدة في بلدان عدة ويشكل الأساس في عمل مؤسسة راسكين ميل ترست التعليمية الجامعية في المملكة المتحدة  والولايات المتحدة الأميركية». وشرحت أن «هذه المقاربة تشمل الجوانب الطبية والعلاجية  للتعلم والنمو، فضلاً عن البيئة الإجتماعية المحيطة بهما». وأبرزت أن هذه المقاربة «تؤكد أن الإرادة القوية التي يظهرها الطلاب ذوو الإحتياجات الخاصة خلال ورش العمل التطبيقية الحرفية، تتيح لهم أن يكتسبوا الحافز تدريجياً وينمّوا إدراكهم لأنفسهم، مما ينقلهم من الشعور الخارجي بانجازهم مهمة ما، إلى الشعور الداخلي بالقيمة الذاتية والثقة بالنفس». واشارت إلى «التكامل بين تعلّم الحساب والقراءة والكتابة، والمهارات الاجتماعية، والمناهج الحِرَفية». وأكدت أن «برامج التدريب المهني لا تكتفي بالتدريس والتعلم فحسب، بل تركز كذلك على الاداء والتعلم المستمر، وعلى توفير الأمل بمستقبل أفضل».

صوايا: لإدراكاً أكبر لقدرة ذوي الإحتياجات الخاصة في جعل العالم مكاناً افضل
وتحدثت رئيسة البرنامج الإستشاري للتعليم العلاجي CARE رنا صوايا عن موضوع الإندماج الإجتماعي والمهني للمراهقين والراشدين الشباب ذوي الإحتياجات الخاصة، وسبل توفير الوظائف والأعمال المناسبة لهم وتلبية إحتياجاتهم الإجتماعية من خلال البرامج الأكاديمية الوظيفية والتوجيه التمريني  coaching. وشرحت برنامجاً ضمن إطار مدرسي يهدف إلى إدماج الشباب ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع وإلى ايجاد فرص عمل مناسبة لهم. واشارت إلى بعض أماكن العمل الممكنة وبعض التحديات التي قد تواجه هؤلاء الشباب في أماكن العمل. وأملت في التوصل إلى «موقف أكثر ايجابية من قدرة الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة على المساعدة في جعل العالم مكاناً افضل».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق