رئيسيسياسة عربية

اليمن : مفاوضات شاقة لاحياء مشروع تسوية كان وشيكاً

يعترف الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بصعوبة الاوضاع في اليمن. ويقر – تلميحاً – بان الاوضاع على وشك الافلات، من خلال اشارة يتكىء فيها على حقيقة مفادها انتشار السلاح بين ايدي الناس، ما يعني قدرتهم على الدفاع عن انفسهم. لكنه لا يتخلى عن دور الحكومة في ضبط الامور، من خلال ما تمتلك الدولة من مقومات، يراها المتابعون هشة، ويراها هو غير ذلك. معترفاً بوجود تدخلات خارجية اوصلت الامور الى ما هي عليه الان.

ما بين التلميح والتصريح، يقر الرئيس هادي بوجود مشروع اقليمي يدفع بالملف اليمني الى هذه الصورة. ويحدد بعض ملامح ذلك المشروع من خلال دعوة ايران للكف عن التدخل في الشان اليمني.
بالتوازي، يؤكد متابعون بعض نتائج الرصد لتطورات الموقف، مشيرين الى تنامي قوة التيار الحوثي، الامر الذي لم يكن متاحاً قبل سنوات عدة، وخلال المواجهات التي خاضها الجيش معهم، في محافظة صعدة. وقبل ان تقوى شوكتهم، ويواصلون التمدد باتجاه محافظتي عمران، والجوف، ويطوقون العاصمة صنعاء، ويغلقون مداخلها.
المراقبون يؤكدون ان جميع المعطيات تؤشر على حصول الحوثيين على دعم مادي ولوجستي مكنه من تحقيق تلك القفزات، وجعله قادراً على فرض شروطه، التي يعتقد ان تلبيتها مجرد وقت.

هادي يحذر
فقد نقلت تقارير اخبارية عن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي خلال استقباله عدداً من مشايخ واعيان وشخصيات اجتماعية من منطقة حزيز الواقعة جنوبي العاصمة صنعاء القول بان «السلاح منتشر لدى كل الناس، وسيدافع كل عن منزله وحقه وحرماته». وأن «الدولة ستعمل كل ما يمكن من أجل تجنب سفك الدماء»، داعياً الجميع إلى «تحمل المسؤولية الوطنية كاملة». واضاف هادي في اللقاء انه «يكفي صنعاء ما مرت به في الماضي القريب والبعيد».
وجدد الرئيس اليمني التحذير من التدخل في شؤون بلاده، لافتاً إلى أن ما يحدث ربما هي رسائل من أجل فرض الهيمنة الإقليمية وتعريض اليمن للمخاطر الكبيرة.
واتهم هادي مجدداً إيران بالتدخل في شؤون بلاده، داعياً جميع الأطراف إلى تحكيم العقل والمنطق وعدم الانجرار للعنف والتطرف.
وأشار هادي إلى أن «اليمن يعيش في أوضاع صعبه ومعقدة، وان ذلك يستلزم من الجميع توخي الحذر والحيطة من أجل الا تتعرض صنعاء للمزيد من المشاكل والاحتكاكات مع ميليشيات الحوثيين المسلحة».
ونوه الرئيس اليمني إلى أحقية الجميع في التظاهر، قائلاً «لا مانع لدينا وبموجب الدستور والقوانين ان تكون هناك تجمعات سلمية»، لكنه نبه إلى أن «محاولة اقتحام المرافق الحكومية أو المدارس وأقسام الشرطة أو البيوت شيء محرم ولا يجوز السكوت عليه مطلقاً».
ويشير هادي في ذلك الى ما حدث الأربعاء الفائت، حيث دارت اشتباكات بين قوات حكومية ومسلحين حوثيين في منطقة حزيز، جنوبي العاصمة، اتهمت السلطات اليمنية الحوثيين، حينها، بـ «القيام باعتداءات طاولت عدداً من المنشآت التعليمية والمباني والمؤسسات الحكومية والخاصة في المنطقة».

مفاوضات
في الاثناء، تواصل الحكومة وممثلو التيار الحوثي من جماعة انصار الله مفاوضاتهم من دون التوصل الى نتيجة للخروج من الازمة التي تشل العاصمة منذ ثلاثة اسابيع، كما افاد مصدر مقرب من المفاوضين.
ولا يزال ابرام اتفاق اعتبر وشيكاً «الخميس الفائت»، قيد البحث بين مفاوضين يمثلون السلطة برئاسة عبد الكريم الارياني مستشار الرئيس عبد ربه منصور هادي، ومفاوضي حركة التمرد بقيادة مهدي المشاط من مكتب زعيم انصار الله عبد الملك الحوثي.
وكان مصدر قريب من الرئاسة اليمنية اكد التوصل الى اتفاق تسوية وصف بالمبدئي بين الرئيس عبد ربه منصور هادي والحوثيين لانهاء الازمة الحالية.
وتشمل التسوية بحسب المصدر تسمية رئيس وزراء جديد في غضون 48 ساعة وخفض اضافي لاسعار الوقود مقابل رفع الحوثيين مخيماتهم ومسلحيهم من صنعاء ومحيطها.
واعلن المصدر التوصل الى اتفاق تسوية في وقت متأخر من ليل الاربعاء الخميس.
وبحسب المصدر، فان التسوية تتضمن «خفض 500 ريال اضافي ليصل مجموع الخفض على سعر صفيحة الوقود (20 ليتراً من البنزين والديزل) 1000 ريال»، اي حسم اكثر من نصف الزيادة السعرية التي اعتمدتها الحكومة اعتباراً من نهاية تموز (يوليو).
وسبق ان اقرت الحكومة خفض 500 ريال من الزيادة ضمن مبادرة لانهاء الازمة مع الحوثيين.
وفي موضوع الحكومة، تتضمن التسوية ان تتم تسمية رئيس الوزراء المكلف في غضون 48 ساعة، فيما يقوم الحوثيون برفع مخيماتهم ومسلحيهم.
ومن المفترض ان تسمح هذه التسوية بابعاد اليمن عن حافة الحرب الاهلية.
ويتزامن الاتفاق مع عودة مبعوث الامم المتحدة الى اليمن جمال بن عمر الى صنعاء.
وقال مصدر آخر قريب من الرئاسة ان ما تم التوصل اليه هو اتفاق مبدئي حول تسوية يشرف على استكمالها بن عمر.

انصار الله
من جهته، لم يؤكد مسؤول في المكتب الاعلامي للحوثيين التوصل الى اتفاق نهائي لانهاء الازمة. ويشتبه في ان عناصر جماعة انصار الله الذين يتهمون الحكومة بالفساد، يريدون توسيع منطقة نفوذهم في الدولة الاتحادية المقبلة التي ستعد ستة اقاليم.
وبحسب المصدر المقرب من المفاوضين، فان جماعة «انصار الله تطالب بمراجعة التقسيم الاداري للدولة الاتحادية المقبلة بحيث يكون لاقليمهم منفذ على البحر الاحمر».
وقال المسؤول في حركة تمرد الحوثيين انه «لا تزال هناك خلافات لكن المفاوضات الرامية الى تسوية الازمة تتواصل في جو ايجابي».
الى ذلك، قصف الطيران الحربي اليمني – ظهر الأحد -، قرية الروض الواقعة في الجوف شمال شرق العاصمة صنعاء عن طريق الخطأ. وقال مصدر أمني من عمليات محافظة الجوف إن الطيران الحربي شن غارة واحدة استهدف بها عن طريق الخطأ منزل أحد المواطنين المدنيين ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى لم تحدد أعدادهم بعد. وأضاف أن تلك الغارة تأتي ضمن الغارات التي يشنها الطيران الحربي منذ أسبوع على مواقع تجمعات الحوثيين في الجوف، وكان من المفترض أن توجه الغارة على موقع الغيل كونها المنطقة الأساسية لتجمع الجماعة المسلحة. وهذه هي المرة الثانية التي يخطىء فيها الطيران الحربي هدفه حيث شن الجمعة غارة جوية عن طريق الخطأ على موقع خاص لمقاتلي الجيش واللجان الشعبية ما أسفر عن مقتل اثنين وإصابة أربعة آخرين على الأقل. ولم تتوقف الضربات الجوية التي تقول السلطات إنها تستهدف مخازن سلاح للحوثيين في الجوف. وحسب مصادر محلية، لا تزال الاشتباكات العنيفة دائرة في منطقة الجوف بشكل متقطع بين الجيش واللجان الشعبية من جهة، والحوثيين من جهة أخرى مستخدمين فيها مختلف الأسلحة المتوسطة والثقيلة ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات.
وعاشت صنعاء الاسابيع الاخيرة على وقع الخوف مع انتشار الاف المحتجين الحوثيين، بينهم مسلحون، في صنعاء وعند مداخلها.
وقتل تسعة مناصرين للحوثيين اضافة الى مسعف في مواجهات بين الحوثيين وقوات الامن التي استخدمت الرصاص الحي لتفريق محتجين حاولوا اقتحام مقر مجلس الوزراء والاقتراب من وزارة الداخلية.

معارك في الجوف
وبالتزامن مع التصعيد في صنعاء، احتدمت المعارك في محافظة الجوف الشمال وفي المناطق القريبة منها بين الحوثيين الذين يتخذون اسم انصار الله، والقبائل الموالية للتجمع اليمني للاصلاح (اخوان مسلمون) والمدعومة من الجيش. وقتل العشرات في هذه المعارك.
واكدت مصادر قبلية ومصادر قريبة من الحوثيين، ان ابو مالك يوسف الفيشي، وهو احدى اهم القيادات الميدانية للحوثيين ومقرب من الحوثي، قتل الاربعاء مع ثلاثة قياديين ميدانيين في منطقة الغيل اثناء المواجهات مع القبائل المدعومة من الجيش.
الى ذلك، قالت جماعة الحوثي – الأحد – إن البيان الذي أصدرته الدول العشر الراعية للتسوية السياسية باليمن المسماة «المبادرة الخليجية»، أعاد المفاوضات مع السلطات إلى «نقطة الصفر». ووصف الناطق باسم الجماعة محمد عبد السلام بيان الدول العشر بأنه «تدخل مباشر على مسار النقاشات من قبل الدول العشر»، وأدى إلى «إعادة المسألة إلى نقطة الصفر».
وأضاف أن البيان «تجاهل المطالب الشعبية في تصرف يؤكد حرص تلك الأطراف الخارجية على الهيمنة على إدارة البلاد وتجاهل مطالب الشعب اليمني المحقة والعادلة».
وجدد عبد السلام – في بيان نشره على صفحته الرسمية عبر موقع فايسبوك – التأكيد على أن الشعب اليمني «لن يتراجع عن مطالبه وأهداف ثورته التي أعلن عنها في مسيرات مليونية في مختلف المحافظات اليمنية، وذلك بالاستمرار في حراكه الثوري ونشاطه الشعبي والتمسك بأهدافه حتى تحقيقها».

مجموعة العشر
وكانت مجموعة سفراء الدول العشر قد حملت الحوثيين مسؤولية تدهور الوضع الأمني في اليمن. وعبرت المجموعة في بيان لها عن «قلقها البالغ من الأنشطة العلنية لأنصار الله، التي أدت إلى حالة عدم الاستقرار».
وحثت مجموعة الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية الحوثيين على التفاوض مع الحكومة اليمنية «بحسن نية لحل المظالم والخلافات السياسية، وتنفيذ جميع الاتفاقيات التي توصلت إليها مع الحكومة».
وتضم مجموعة الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية – التي أنهت حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح إثر ثورة شعبية – الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة والصين) ودول مجلس التعاون الخليجي (السعودية وعُمان والإمارات والبحرين والكويت) ما عدا قطر التي انسحبت من المبادرة الخليجية إلى جانب بعثةالاتحاد الأوروبي.
وفي وقت متأخر من مساء السبت، قال المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر إنه بدأ للتوّ لقاءات الوساطة بين الرئاسة اليمنية وجماعة أنصار الله  (الحوثيين) من أجل إيجاد حل سلمي للأزمة الراهنة في البلاد.
وأكدت المجموعة «على التزامها الدائم بالعملية الانتقالية السلمية المذكورة بمبادرة دول مجلس التعاون الخليجي»، مطالبة «جميع الأطراف بالالتزام بالمبادىء الأساسية للمبادرة الهادفة إلى تحقيق أمن اليمن ووحدته واستقراره».
ودان البيان العناصر التي قال إنها تسعى إلى استغلال حالة عدم الاستقرار الحالية لتحقيق أجندات سياسية ضيقة، من دون أن يحدد تلك العناصر.

ا. ح
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق