رئيسي

الانقسام الليبي يتعمق، والتيار الاسلامي يمد نفوذه الى طرابلس

يوماً بعد يوم، ولحظة بعد لحظة، تزداد حدة الانقسام، وتتسع الفجوة داخل الدولة الليبية التي يراها البعض مجرد «اشلاء دولة»، ويصر البعض من الليبيين على تجاهل الكثير من التفاصيل والقفز على التسمية. فبعد قرار المؤتمر الوطني العام منح الثقة لحكومة عمر الحاسي الجديدة، التي شكلها الثلاثاء، تكون هناك حكومتان وبرلمانان في هذه الدولة.

قدم الحاسي حكومة اطلق عليها وصف «إنقاذ وطني» من 19 وزيراً، بينهم سيدتان، إلى المؤتمر الوطني العام في طرابلس، حيث يرى المؤتمر أن تكليفه للحاسي يأتي كاجراء لمعالجة ما يعتقد انه «الفراغ السياسي»، وما يراه انه ضروري للحد من «الفوضى الأمنية».
غير ان اطراف المعادلة يقفزون فوق الحقائق، وفي رأسها انه أصبح في ليبيا جناحان للسلطة بكامل المؤسسات لكل جناح. الأول: برلمان طبرق ومعه حكومة عبدالله الثني، ورئيس أركان الجيش عبد الرزاق الناظوري. والثاني: المؤتمر الوطني ومعه رئيس الحكومة عمر الحاسي، ورئيس أركان الجيش الذي أقاله مجلس النواب عبدالسلام جادالله العبيدي.
وفي الاثناء، تسيطر على العاصمة طرابلس قوات «فجر ليبيا»، المكونة من ثوار مدينة مصراتة (غرب) وثوار طرابلس، والمحسوبة على تيار الإسلام السياسي، بعد طرد كتائب القعقاع والصواعق المحسوبة على التيار الليبرالي، والقادمة من بلدة الزنتان، وذلك بعد معارك عنيفة.

سيطرة الميليشيات
في الاثناء، اقرت الحكومة الليبية المؤقتة من ملجأها الامن في شرق البلاد بانها فقدت السيطرة فعلياً على طرابلس وباتت الميليشيات المسلحة تسيطر عليها.
وقالت الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء عبدالله الثني والتي استقالت الاسبوع الماضي، ان جماعات مسلحة معظمها اسلامية، تسيطر على الوزارات وتمنع دخول الموظفين اليها.
وقالت الحكومة في بيان لها إن «هذه المقرات محتلة من قبل مسلحين بعد أن تمت محاصرتها واقتحامها من قبلهم حيث قاموا بمنع موظفيها من دخولها وهددوا وزراءها ووكلاءهم».
وأضافت أنه «بات من الخطورة بمكان وصول موظفي الدولة إلى مقار عملهم من دون تعرضهم للخطر سواء بالاعتقال أو بالاغتيال». واشارت إلى أن «العديد من التشكيلات المسلحة أعلنت عن تهديدات مباشرة لموظفي الدولة بل وهاجمت وأحرقت بيوتهم وروعت أسرهم».
وكان رئيس الحكومة عبدالله الثني أعلن في 25 آب (أغسطس) الماضي خلال مؤتمر صحفي عقده في طبرق ( 1600 كلم شرق طرابلس)، ان ميليشيات اسلامية قامت بنهب واحراق منزله في طرابلس.
ويومها اتهم الثني الميليشيات الاسلامية المعروفة باسم «فجر ليبيا» والمتحدر معظمها من مدينة مصراتة بهذا التعدي على منزله الواقع في حي بجنوب طرابلس، مؤكداً أن أمن العاصمة غير متوفر عموما وأن مقر الحكومة مهدد أيضاً.
وفي بيانها أكدت الحكومة أن «المباني والمقار العامة للدولة غير آمنة ويتعذر الوصول إلى بعضها بعد أن صارت تحت أيدي المسلحين».
ولفتت إلى أنه «وحتى يتم تأمين الدولة ومقارها العامة فإن الحكومة ستعمل من أي مدينة ليبية مع استمرار تواصلها بجميع موظفي الدولة والمؤسسات العامة بالعاصمة طرابلس، وستقوم بتسيير الأعمال وما تكلف به إلى حين تكليف حكومة جديدة».

استقالة الحكومة
وقدمت الحكومة التي لا تتمتع بسلطة فعلية في بلد تسيطر عليه عمليا ميليشيات متناحرة، استقالتها الخميس الى البرلمان المنتخب والذي يعقد جلساته للسبب نفسه في مدينة طبرق. الا ان البرلمان صوت أمس على تكليف الثني بتشكيل حكومة جديدة.
واوكل البرلمان اليه مهمة تشكيل حكومة من 18 وزيراً مقارنة بنحو 30 وزيراً في الحكومة السابقة. واشار البرلمان الى ان سبعاً من هذه الوزارات يجب ان تشكل حكومة ازمة مصغرة.
وكان مجلس النواب اعتبر في وقت سابق قوات فجر ليبيا جماعة إرهابية.
وتسيطر هذه القوات على العاصمة طرابلس بعد أن خاضت معركة طاحنة استمرت زهاء 40 يوماً ضد قوات تنتمي للتيار «الوطني» تتحدر بمجملها من مدينة الزنتان.
وكان أفراد هاتين القوتين المتناحرتين حالياً رفقاء سلاح إبان الثورة ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي الذي سقط في 2011.
والاحد استولى عناصر من ميليشيا «فجر ليبيا» على مقر السفارة الأميركية في طرابلس، الذي كان اخلي منذ اواخر تموز (يوليو) الماضي.
واكد عناصر هذه القوات انهم دخلوا مجمع السفارة الذي يتألف من بضعة منازل لضمان الامن في المكان ومنع نهبه.
وقال احد عناصر قوات فجر ليبيا «لقد دعونا البعثات الدبلوماسية للعودة الى طرابلس وبانتظار ذلك نحن هنا لحماية المكان».
الا ان السفيرة الأميركية في ليبيا ديبورا جونز قالت الاحد ان السفارة الأميركية في طرابلس محمية ولم تتعرض للنهب بعد ان دخلت ميليشيات اسلامية الى ملحق في مجمع السفارة.
في الاثناء، منح المؤتمر الوطني الليبي العام ( البرلمان) الذي يتخذ من العاصمة طرابلس مقراً له، الثقة لحكومة عمر الحاسي، وسط انقسامات سياسية في البلاد.

حكومة انقاذ
وكان الحاسي قدم تشكيلة حكومة إنقاذ وطني لرئاسة المؤتمر الوطني في طرابلس في وقت سابق.
وجاء تكليف المؤتمر الوطني العام للحاسي الأسبوع الفائت لـ «معالجة الفراغ السياسي والحد من الفوضى الأمنية» المنتشرة بالبلاد.
وتضم «حكومة الإنقاذ»، التي قدم الحاسي تشكيلتها إلى المؤتمر الوطني ظهر الثلاثاء، 19 حقيبة وزارية، من بينهم ثلاثة نواب لرئيس الحكومة، إضافة إلى 16 وزيراً، بينهم وزيرتان.
الجدير بالذكر أن المؤتمر الوطني أعلن قبل أيام استئناف جلساته مؤقتاً استجابة لدعوة من قيادة قوات «فجر ليبيا» بعيد بسط سيطرتها على طرابلس وطرد ميليشيات الصواعق والقعقاع والمدني المتحالفة مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يشن حملة عسكرية على الثوار في الشرق تحت مسمى «عملية الكرامة».
وفي الوقت ذاته، أعاد النواب المجتمعون في طبرق باسم مجلس النواب تعيين عبد الله الثني رئيسا للوزراء.
 الى ذلك، أبدى السودان استعداده للقيام «بدور إيجابي» في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية المتنازعة، فيما أوفدت بريطانيا مبعوثاً إلى مدينة طبرق شرق ليبيا تعبيراً عن مساندتها البرلمان المنتخب. ولدى لقائه مبعوث الجامعة العربية إلى ليبيا ناصر القدوة، قال وزير الخارجية السوداني علي كرتي إن بلاده حريصة على بذل كل الجهود لإحلال السلام في ليبيا. وأكد كرتي ضرورة الشروع فوراً في حوار بين الأطراف الليبية من أجل التوصل إلى حل للأزمة التي تمر بها البلاد.
في غضون ذلك، زار مبعوث بريطاني برلمان ليبيا في مقره الجديد بمدينة طبرق الشرقية  الثلاثاء تعبيراً عن المساندة في مواجهة المؤتمر الوطني العام الذي يمثل البرلمان السابق في العاصمة طرابلس.
 وقال مبعوث بريطانيا الخاص إلى ليبيا جوناثان باول في مؤتمر صحفي أذيع تلفزيونياً من طبرق «نحن نعترف بشرعية البرلمان الليبي». وتخشى القوى الغربية -مثل بريطانيا- أن تتحول ليبيا إلى دولة فاشلة قد تغرق أوروبا بالمهاجرين وتتحول إلى ملاذ آمن للإسلاميين المتشددين.

فرنسا ومصر
وفي السياق ذاته، أعربت مصر وفرنسا عن تطلعهما للعمل مع حكومة منبثقة عن مجلس النواب الليبي الجديد من أجل «إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد».
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مع نظيره المصري سامح شكري أثناء زيارته باريس.
وفي الاثناء ايضاً، استدعت وزارة الخارجية الليبية السفير الليبي في أنقرة، وعبرت له عن الاستياء من انتقادات وجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لمجلس النواب الليبي المنتخب.
وطالبت الخارجية الليبية الحكومة التركية «بتوضيح ما إذا كانت تصريحات أردوغان تمثل موقفها الرسمي أم هو موقف شخصي للرئيس التركي».
وأشار بيان الخارجية إلى أن «أردوغان اتصل في وقت سابق برئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح قويدر يوم 17 اب (أغسطس) 2014، وهنأه بعقد جلسات مجلس النواب في طبرق»، مؤكداً «اعتراف بلاده بمجلس النواب جهة شرعية وحيدة في ليبيا ودعمه بمناسبة بدء أعماله».
وأوضح البيان أنه «خلال الأسابيع الماضية اعترف المجتمع الدولي بشرعية مجلس النواب، مرحباً بانعقاده في مدينة طبرق والقرارات الهامة التي اتخذها، وهو ما انعكس في البيانات التي أصدرتها منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي ومجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى بيانات الاعتراف والتأييد التي أصدرها شركاء وأصدقاء ليبيا الدوليون في جميع أنحاء العالم».
وكان أردوغان قال في كلمة تلفزيونية له عقب مراسم تنصيبه «لا يمكن القبول باجتماع البرلمان الليبي في طبرق»، معتبرا أن ذلك «خطأ جدي». وعبر عن عدم «القبول بهذا الاجراء». وانه سيكون في «مواجهة مع واقع غير صحيح». ووصف «ما حصل في طبرق بانه عملية نزوح وتشريد للبرلمان».

طرابلس – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق