تحقيق

لا تصحيح ولا سلسلة رتب ورواتب: إما إفادات قبل 17 آب وإما طار حلم التخصص في الخارج!

«نلتقي بعد عطلة عيد السيدة» قالها وزير التربية الياس بو صعب فيما كان أكثرمن 40 الف طالب ينتظرون ترجمة القرار الذي وعدهم به: «لا تنازل ولا تصحيح من قبل هيئة التنسيق النقابية. والحل يبقى في الإفادات».
هي ليست المرة الأولى التي يعد فيها الوزير ولا يفي. لكن الوقت لم يعد من مصلحة الطلاب. ومن علق مصيره على نتائج الإمتحانات الرسمية بات امام خيارين لا ثالث لهما: إما تطيير سنة دراسية بعدما كان حجز مقعدا له في إحدى الجامعات في الخارج. أو الإختيار بين تخمة الجامعات اللبنانية او رصد ما لايقل عن 10 آلاف دولار بدل الأقساط في إحدى الجامعات الخاصة .
في الحالين المسألة دخلت دائرة الخطر، وما عادت تحتمل مزايدات ولا مساومات سياسية. فالسنة الدراسية على الأبواب. مدارس، جامعات… تفتح أو لا تفتح في موعدها؟ عدنا إلى الدوامة!

في البداية كانت النغمة تدور على إسطوانة إمتحانات رسمية أم إفادات؟ دارت الإسطوانة بعدما وقع وزير التربية اتفاقاً ضمنياً مع هيئة التنسيق بضرورة إجرائها بعدما قطع وعدا بإيجاد حل لسلسلة الرتب والرواتب. يعني على الطريقة اللبنانية. يومها فكر الطلاب أو بعض الطلاب الذين اختنقوا في آتون الدرس أنها «فَرجت».
انتهت الإمتحانات؟ تغيرت النغمة. تصحيح أو لا تصحيح؟. هيئة التنسيق على  موقفها… السياسي: لا تصحيح إلا بعد حل عقدة سلسلة الرتب والرواتب. الوزير الياس بوصعب حاول ان يقطفها من الطرفين. لم ينجح. غيره سبقوه وباءت محاولاتهم بالفشل. وبغض النظر عن احقية مطالب هيئة التنسيق او عدمها، إلا أن حجم التباين الكبير في مواقف الوزير بو صعب الذي يتنقل بين دعم مواقف هيئة التنسيق من جهة  وقرارات الكتل النيابية والأحزاب من جهة اخرى  من دون تجاهل موقفه الداعم في المطلق للطلاب، وضعه في موقف حرج. والنتيجة؟

شو بتشكي الافادات!
ثلاث لاءات حسمت الموضوع اقله حتى انتهاء فرصة عيد «السيدة»: لا تصحيح، لا إفادات، لا إقرار للسلسلة، ومهلة تمديد جديدة، أعلنها الوزير بو صعب، بعدما فشل في دعوة أكثر من 43 أستاذاً من أصل 600 للبدء في وضع أسس التصحيح في وزارة التربية، لتفادي العودة إلى «نغمة» الإفادات. ومن قال إن لا فائدة من الإفادات؟
جورج سعادة نقيب سابق للمعلمين خاض معارك نقابية عدة وشهد على جولات عدة من اللاإمتحانات وعلى عهود من الإفادات يقول: «وأين المشكلة في الإفادات. حتى اليوم هناك عدد من الأساتذة يتقدمون إلى إدارات المدارس الخاصة والرسمية وهم يحملون الإفادات وليس الشهادة الرسمية ولا أحد يعترض على ذلك. المهم ان يكونوا من ذوي الكفاءات التعليمية . أكثر من ذلك هناك الكثير من حملة الإفادات الذين انتسبوا إلى جامعات خاصة في لبنان والخارج إضافة إلى الجامعة اللبنانية. وهذا يؤكد أن في الإفادات فائدة».
إذاً هي ليست مسألة «إفادة أو لا إفادة». ولعلمكم إذا انتهت «التسوية» على إفادة فهذا يعني انها ستكون المرة الرابعة التي سيحمل فيها جيل تربوي بكامله إفادة بدلاً من شهادة. المرة الأولى كانت في بداية الحرب اللبنانية في العام 1976 والثانية في العام 1982والثالثة عام 1989 وليست الأخيرة. ومشكلة المستوى التربوي لا تتوقف على إفادة «إنما على امتحانات جدية وتصحيح جدي. وكلنا يعلم أنه منذ مطلع التسعينيات هناك حلقة مفقودة في الإمتحانات الرسمية وهي المراقبة». كلام الأستاذ سعادة يتلمس جديته من يدخل قاعات الإمتحانات الرسمية ويعش الصراع بين التربية واللاتربية، الطموح او اللاطموح الضمير او اللاضمير… كلها تتداخل في قاعات الإمتحانات الرسمية بسبب الوساطات التي تدخل على خط المراقبين من اساتذة وقوى امنية.

إفادات او لا إفادات؟
تعالوا نقرأ مستقبل التلامذة والطلاب على ضوء الإفادات وليس الشهادات الرسمية. وبداية من السلبيات.
فالإفادات تساوي بين طالب ناجح ومثابر ومتفوق، وآخر كسول ومهمل لدروسه ويفتقد أدنى شروط العلم والثقافة. السلبية الثانية انها ستضع إدارات المدارس الخاصة كما بعض الرسمية امام إحراج كبير. ومعلوم أن أغلبية إدارات المدارس الخاصة تعتمد على نتائج المدرسة وليس الإمتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة. اما بالنسبة الى الشهادات الثانوية فالمشكلة اكبر وتهدد مصير مئات الطلاب الذي فكروا في السفر إلى الخارج لإكمال تخصصهم العلمي.

تخمة و… غربلة!

اما على المستوى الجامعي وتحديداً الخاص، فأغلبية الجامعات تعتمد نظام امتحانات الدخول مما يعني أن الغربلة تبدأ منذ الخطوة الأولى. اما الجامعات التي لا تعتمد نظام امتحان الدخول فالواضح انها ستستوعب كل الطلاب الذين يتقدمون إلى فروعها. لكن الغربلة تكون في نهاية السنة الجامعية الأولى. فإما ان يكمل الطالب السنة الثانية في الجامعة عينها أو الإختصاص او يذهب ليجرب حظه في جامعة اخرى قد تكون خاصة بحسب إمكانية الأهل أو اللبنانية. وبذلك يكون اضاع سنة من عمره عدا عن المبالغ المرقومة التي سيتكبدها الأهل خصوصاً مع الزيادات التي اقرت في أغلبيتها. ويقولون بعد أن لا إفادة في الإفادات؟
وصولاً إلى الجامعة اللبنانية، هذا إذا فتحت ابوابها في الموعد المحدد. عميد إحدى الكليات أكد أن المشكلة التي ستواجه التعليم الجامعي الرسمي تتمثل في التخمة التي ستشهدها القاعات في كل الفروع مما سيؤثر على اجواء الدرس لكن في النهاية لا بد من التكيف مع هذا الواقع.
نسأل عن مصير الطلاب الذين قرروا السفر للتخصص في إحدى الجامعات في الخارج. والجواب هذه المرة يقع على عاتق الوزير الياس بو صعب. «أول خطوة يجب ان يقوم بها وزير التربية هي الإتصال بالسفارات الأجنبية لا سيما الفرنسية والبلجيكية وكل دول الفرانكوفون التي يقصدها طلاب لبنان في العادة، لأن نظام الفرانكوفون يفرض وجود شهادة رسمية ولا يقبل بالإفادات على عكس دول الأنغلوساكسون التي لا تشترط وجود شهادة رسمية مع الطلاب الذين يرغبون في الإنتساب إلى جامعاتها. وإلا طارت السنة الجامعية وطار الحلم بالتخصص في الخارج».
كل هذا ولم نتطرق بعد إلى تداعيات الأجواء الضاغطة التي عاشها الطلاب والأهالي على السواء منذ الإعلان عن انطلاق عجلة الإمتحانات الرسمية وصولاً إلى ازمة تعليق التصحيح. في عيونهم مشهد واحد: حنا غريب ونعمة محفوض واعتصامات هيئة التنسيق. والباقي حفظوه غيباً: إمتحانات؟ لا إمتحانات. تصحيح؟ لا تصحيح. إفادات؟ لا إفادات. مع ذلك يمكن للطالب ان يتخطى كل ذلك في حال صدر القرار السياسي بحل ملف سلسلة الرتب والرواتب أو إذا احتكم النقابيون ووزير التربية إلى ضمائرهم ووضعوا مصير أكثر من 40 الف طالب في الأولوية بدلاً من المساومة على مستقبلهم. لكن ما لن ينساه الطلاب المتفوقون أو الذين انكبوا على الدرس والتحضير طيلة السنة الدراسية أنهم باتوا متساوين مع الطلاب الفاشلين أو الذين لم يتعرفوا إلى شكل الكتاب لا في خلال السنة الدراسية ولا في فترة التحضير للإمتحانات الرسمية.
الإيجابية الوحيدة التي يمكن أن يقطفها الطلاب من  الإفادات الرسمية المسجلة في وزارة التربية هي تمكين البعض الذي يرغب في التخصص في مجال فني او مهني من التوجه إلى الإختصاص بدلا من إكمال المرحلة الثانوية في المدرسة واحتمال الرسوب بسبب ضعفه في مواد علمية أو أدبية معينة. هنا يمكننا القول في الإفادات إفادة.

لا حلحلة

حتى الساعة لا شيء يوحي بأن حلحلة ما ستطرأ على ملف سلسلة الرتب والرواتب. والأداء النقابي الذي تخلخل طالما انه قائم على النكايات والمواجهة لغايات سياسية لم يعد خافياً على احد. وعلى ما يقول أحد النقابيين الذين خاضوا معركة مقاطعة تصحيح الإمتحانات الرسمية في العام 1996: «في العمل النقابي يجب الإعتماد على قاعدة، خذ وطالب. فإذا كانت المطالب المطروحة بنسبة 70 في المئة ووافقت الدولة على منحي 40 في المئة يجب أن أوافق وأسير بالتصحيح وأعمل على تحقيق الـ 30 في المئة الباقية. لكن أن اعطل كل شيء لنيل نسبة الـ 70 في المئة دفعة واحدة فهذا لم يعد مدرجاً في إطار العمل النقابي. وليسمحوا لنا جماعة هيئة التنسيق لأنهم يقحمون الأساتذة والطلاب في إشكالية ويقودونهم إلى المجهول».
قد لا يجدي الدعاء الذي وجهه وزير التربية الياس بو صعب للسيدة العذراء في ان يكون الحل بعد عطلة عيدها. فالمكتوب بات مكشوفا ولم يعد مضمون الرسائل السياسية التي يلعبها النقابيون والوزير نفسه مخفية على احد.
والضحية؟ على رغم احقية المطالب نقولها علنا.الضحية هم الطلاب والأهالي. وإذا مر تاريخ 17 آب (اغسطس) ولم يتخذ وزير التربية القرار النهائي أي إما تصحيح الإمتحانات – وهذا مستبعد – أو إعطاء كل طالب يحمل بطاقة ترشيح إفادة مسجلة لدى وزارة التربية، فهذا يعني  أن حلم الطلاب الذين قرروا السفر إلى الخارج طار حتى… السنة المقبلة. هذا إذا كانت هناك سنة دراسية عادية.
فكل الدلائل تشير إلى أن عنوان المادة الأولى والرئيسية في البرامج المدرسية والجامعية هو: إضرابات وتظاهرات على وقع تصاريح بطلي الشاشات:حنا غريب ونعمة محفوض.

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق