تحقيق

داعش في لبنان… ماذا عن مسيحييه؟

الأب عبده أبو كسم: ما حصل في الموصل جرس إنذار لمسيحيي لبنان والسلطات الكنسية لتعزيز الخطوات لمواجهة ظاهرة الداعشيين

هم ليسوا مجرد زوار عابرين ولا ضيوفاً طارئين على ارض هذا الوطن. ويكفي ان يكون مسيحيو لبنان بأمان حتى يرتاح مسيحيو الشرق. لكن مسيحيي لبنان ليسوا بألف خير، أو أقله ما عادوا ينامون بهناء لأنهم بدأوا يتلمسون أنهم ليسوا في منأى عن موجات التطرف الديني الزاحفة على منطقة الشرق الأوسط.
قبل نحو الشهر كانت البيانات الموقعة من أحرار السنة – بعلبك التي هددت بتفجير «كنائس الشرق» في البقاع ولبنان. طوينا الصفحة وقلنا موجة ترهيب عابرة. إلى أن ظهر تنظيم داعش في لبنان ومعركته مع الجيش اللبناني في عرسال شاهد على «ما بعد عرسال». فماذا عن مسيحيي لبنان؟

يقولون إن جذورهم التي ترسخت في الأرض منذ أجيال وأجيال والمغاور التي لا تزال تشهد على صمود المسيحيين في الجبال اللبنانية خير شاهد على موجات الإضطهاد التي عاشها المسيحيون على مر العصور في لبنان. لكن بين جيل المغاور وجيل السلاح الكيميائي والذبح على يد مجموعات تكفيرية وإلا الجزية أو إشهار إسلامهم، الفرق كبير.
من صنع داعش وتنظيم النصرة؟ وقبلهما من ظهّر تنظيم القاعدة والحركات الأصولية المنتشرة في العالم؟ لسنا في وارد الكلام عن ذلك. لكن مجرد أن يقرأ مسيحيو لبنان التقارير التي أوردت ان «لبنان ليس معزولاً عما يجري في المنطقة، والخطر ليس على المسيحيين وحدهم بل على كل المكونات اللبنانية التي يضعها التنظيم الداعشي على منصة التصويب» نفهم أن مسيحيي لبنان باتوا في عين الإرهاب والتطرف الديني. وما يخشاه المراقبون ان نستفيق يوما ونرى الحالة الداعشية وقد استيقظت بيننا في لبنان كما استيقظت فجأة في العراق.
الحالة الداعشية تشكل خطراً على لبنان الذي يشكل آخر نموذج عيش مشترك في هذا الشرق ومن الضروري المحافظة عليه. إلى هنا لا نزال في مجال عرض الوقائع لكن الخوف الأكبر من ان يكون ما حصل للمسيحيين في المنطقة مقدمة لتهجير مسيحيي لبنان، وهذا لا يطاول المسيحيين وحدهم، بل يضرب لبنان في بنيته وهيكله وكيانه وأصل وجوده.

بين مسيحيي لبنان ومسيحيي الموصل
والسؤال لماذا تظهرت فجأة منظومة الإرهاب التكفيري في لبنان علماً انها على مستوى الجماعات والتنظيمات هي موجودة منذ بداية الأزمة السورية، وقد تفاقم عددها مع تطور الحرب ولجوء عدد كبير من الإرهابيين إلى جرود عرسال عن طريق «ما يسمى» بالحدود اللبنانية. فهل المطلوب ان يوضب مسيحيو لبنان حقائبهم وينزحوا من القرى والبلدات التي كشف فيها داعش عن وجهه إلى المدينة ومنها إلى خارج الوطن؟
مسيحيو العراق فعلوها تحت التهديد بالذبح، وانظروا ما كان موقف الأم الحنون  فرنسا. فتح باب الهجرة لمسيحيي العراق النازحين الهاربين
من سكين داعش وتهديدات المجمعات التكفيرية  بدل ان تتحرك لصد والغاء داعش لا ان تساعده على الغاء المسيحيين ومحو اثرهم! موقف فرنسا لم يمر على هامش مواقف الكنيسة التي اعتبرت في بيان صادر عنها ان موقف فرنسا هو بمثابة حملة تهجير جديدة لأنه يشجع المسيحيين على مغادرة بلادهم والتخلي عن جذورهم. ضرب غير موفق!.
نعود إلى مسيحيي لبنان والسؤال، هل المطلوب العودة اكثر إلى عمق إيماننا المسيحي؟ وهل يمكن محاربة التطرف الديني والجماعات الإرهابية بالمحبة والصلاة؟
السياسيون كما رجال الدين مدركون أن الخطر الداعشي وصل إلى لبنان، لكن لا يمكن مقاربة واقع مسيحيي لبنان بمسيحيي الموصل على رغم ما حصل في عرسال والإجرام الذي تكشف في اوساط المجموعات الإرهابية المسلحة التي شنت هجوماً على مواقع الجيش اللبناني وقتلت من قتلت غدراً أو اثناء المعارك. في لبنان المسألة تختلف يقول رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام عبده أبو كسم. «الخوف ليس فقط عند المسيحيين إنما على كل اللبنانيين وهذا ما كشفته مواقف التأييد والتفاف اللبنانيين من كل الطوائف حول مؤسسة الجيش اللبناني الذي أخذ على عاتقه محاربة هذه الظاهرة».
الوطن له جيشه وسياجه الذي يحميه ويدافع عنه، لكن من يدافع عن الكنيسة؟ وبكلام آخر من هو عديد جيش الكنيسة في لبنان؟
«الكنيسة ما عندا جيش» يقول الأب أبو كسم، ويتابع «الكنيسة لديها مؤسساتها الكنسية وعلاقاتها الدولية مع الفاتيكان التي من خلالها يمكن ان تؤثر على مواقف الدول لتأمين الحماية ومساعدة المسيحيين».
وأضاف: «ما حصل في الموصل يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار لمسيحيي لبنان والسلطات الكنسية لتعزيز الخطوات التي من شأنها أن تؤمن الحماية او تقف في وجه هذه الظاهرة، ظاهرة الداعشيين».

لبنان لا يشبه احداً
لكن لبنان ليس العراق ولا سوريا. هو لا يشبه اياً من دول المحيط العربي وان كان على الخريطة واحداً منها. ففي العراق الدولة استقالت من دورها اقله تجاه المسيحيين حتى انها شاركت في جريمة تهجيرهم من خلال عدم تأمين الحماية لهم من خطر التطرف الديني الذي واجهوه. وفي باقي الدول العربية لا تختلف الصورة، علماً ان المسيحي لم يكن يوماً طرفاً في حزب ولم يقف في وجه أي حكومات الدول والأنظمة حيث يعيش. على العكس المسيحي ساهم في نهضة الدول وشكل إضافة فكرية وثقافية وإنتاج وسلام ومحبة.
يبقى السؤال هل من مصلحة لدى دول الغرب في اقتلاع المسيحيين من ارضهم كما حصل في العراق وفلسطين، أم المطلوب حمايتهم حيث هم؟
الكل يقر ويعترف بأن الوجود المسيحي في الشرق بات تحت مجهر الخطر، ومسيحيو لبنان ليسوا في منأى عن موجات التطرف الديني الزاحفة على منطقة الشرق الأوسط. لكن تداعيات هذه الموجات المتطرفة لا تتوقف فقط على المسيحيين إنما على باقي الطوائف السنية والشيعية والدرزية. هذه التركيبة هي ايضاً الضمانة للمسيحيين على ما يقول ابوكسم: «مجرد المس بأي مكون طائفي فهذا يعني القضاء على الاخر. فلبنان لا يقوم إلا بوحدة أبنائه وهذا ليس مجرد شعار ولا كلاما لرفع المعنويات. وأي استهداف للمسيحيين يعني استهداف الشيعي والدرزي والسني».

ضمانة المسيحي المسلم المعتدل
لكن القراءة العسكرية لا تقارب الدينية، العميد الركن المتقاعد هشام جابر اكد أن لا خطر على مسيحيي لبنان من موجات داعش وكل الجماعات التكفيرية «والمسيحي امانة في يد الشيعي والسني المعتدل والدرزي. إلا إذا كان هناك قرار دولي في تحويل لبنان إلى موصل جديد. هم حاولوا ذلك من خلال 16 تفجيراً في الضاحية الجنوبية ومناطق شيعية. وقبل اسبوعين وتحديداً قبل اندلاع معركة عرسال مع الجيش اللبناني كان هناك مخطط في ارتكاب مجزرة في قرية نحلة الشيعية لكن «حزب الله» كشف الخطة التي كانت ستكون فتيل انفجار الحرب المذهبية في لبنان».
نضع ايادينا على قلوبنا. نسأل «ماذا يريد الله من التاريخ وماذا يريد من جنون التطرف الذي يطاول اعناق شعبه؟ نكفر؟ نصلي؟ نستصرخ الروح القدس ونسلم قدرنا لمشيئة الله؟».
«نعم مسيحيو لبنان في خطر لأن الجماعات التي تحاربهم غريبة عن الدين وإن كانت تحارب بإسم التطرف الديني»، كلام الأب ميشال عبود الكرملي هذا لم يأت من العدم «فالوقائع على الأرض أثبتت ان المسلم الرافض لتصرفات داعش هو من سيؤمن الحماية والضمانة للوجود المسيحي. إلا إذا استحوذ هذا التطرف على عقول إخواننا المسلمين الذين يعيشون بينهم».
كلام خطير. لكن ماذا يبقى من ضمانات للمسيحي في لبنان؟
والجواب: «هو الإيمان والصلوات التي تخلص مسيحيي لبنان.. نعم فبإيماننا نصمد في ارضنا تلك الأرض التي شهد فيها المسيحي على كل انواع الاضطهاد. مر علينا الكثير وصمدنا وإذا لم تؤثر نعمة الله في تغيير معادلة الشر فهي على الأقل ستؤثر في الأشخاص الذين يقومون بهذا الفعل. الله يعطي المؤمن القوة على تحمل الألم واكتشاف معناه».
تكلمنا في الدين والإستراتيجيا فماذا في المواقف السياسية؟
«لا خوف على مسيحيي لبنان» يقول الشيخ فريد الخازن «اما اذا كان الرعب من مشهد الإرهاب الداعشي الذي واجهه مسيحيو العراق وما حصل في عرسال مع الجيش اللبناني فنقول بأن الإطار مختلف اقله على المستوى الجغرافي والأمني لأن المؤسسات الأمنية وتحديداً مؤسسة الجيش اللبناني أثبتت انها الضمانة الوحيدة لحماية اللبنانيين من خطر التطرف الديني الزاحف على الشرق ولبنان جزء منه. والأهم أن نبقى كلبنانيين موحدين لمنع كل محاولات اختراقنا وتفتيت وجودنا كمسيحيين في هذا الشرق. ومادام مسيحيي لبنان بخير فهذا يعني ان مسيحيو الشرق بأمان ولو على مستويات متفاوتة».
الأسبوع الأخير اثبت ان داعش في لبنان والإنذارات صارت واقعاً، والمسيحي بات يقف امام الخطر التكفيري كما هو. لكن لا شيء يقف في وجه الإرهاب ضد مسيحيي لبنان ومطلق اي مسيحي إلا ايمانه وصموده. قد نكون امام مرحلة تاريخية ومفصلية والتكاليف ستكون حتما باهظة لكن «بإيمانكم تخلصون» والله أعطانا القوة لكي نغير التاريخ بالمحبة والسلام وليس بالدم والسيف.

جومانا نصر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق