سياسة عربية

حكومتان، وبرلمان متصدع: جولة جديدة من المأزق الليبي

رغم كل الترحيب الذي حظي به مشروع خليفة حفتر، وكل التحليلات التي اخذت مسار التفاؤل بامكانية التوصل الى حل ينهي الازمة المتجذرة، ويضع حداً لتعقيداتها وتقاطعاتها وتشعباتها، بدا واضحاً ان الليل الليبي ما يزال طويلاً، وان الازمة ما تزال في مرحلة التجذر، وصولاً الى ما هو اصعب.

مع ان البعض ما يزال يبدي قدراً من التفاؤل بقرب ظهور النور في نهاية النفق، الا ان البعض الآخر يرى ان شلال الدم ما يزال في بداياته، وان الساحة مرشحة للمزيد من الصراع، وبما يمكن ان يؤدي الى سفك المزيد من الدماء.
فالساحة مرشحة لحرب اهلية، في ضوء المعطيات الانقسامية التي تشهدها تلك البلاد، وفي ظل حالة التمزق التي تطورت اليها الحالة الليبية داخلياً وخارجياً.

فإضافة الى تزايد الدعوات من قبل دول شقيقة وصديقة لرعاياها من اجل مغادرة الارض الليبية، ودعوات اخرى لرعايا عرب واجانب بعدم السفر الى ليبيا، هناك مؤشرات اخرى على اتساع الفجوة الامنية، وارتفاع وتيرة التعبئة ضد الاطراف المختلفة التي تحتفظ بتواجد لها وبقدر من القوة، وهي كثيرة بالطبع.

اخطر ازمة سياسية
في هذا السياق، تطورت الحالة الليبية خلال الاسبوع الفائت، باتجاه اخطر ازمة سياسية، حيث شهدت كماً من الانقسامات في هيئاتها السياسية وغيرها وصولاً الى نوع من تجذير الازمة المتصاعدة منذ زمن طويل. الازمة التي يجري الكشف عنها راهناً، تتمثل بانقسام المؤتمر الوطني «البرلمان» ووجود حكومتين تتمسك كل واحدة منهما بما تعتقد انه الشرعية. وهي الحالة الراهنة الفريدة منذ سقوط نظام العقيد القذافي في 2011.
وتزامن هذا التطور مع تصعيد لأعمال العنف في المناطق الشرقية من البلاد، والوقف التام للانتاج النفطي، المصدر الاساسي للعملات الاجنبية، بسبب اقفال المطالبين بالفدرالية للمنشآت النفطية منذ حوالي السنة. وقيام بعض التنظيمات وزعماء القبائل بانتاج محدود لصالحهم. وليس لصالح الحكومة.
تلك التطورات حدثت على خلفية اعلان اللواء المتقاعد المنشق خليفة حفتر نفسه في منتصف ايار (مايو) قائداً للجيش الوطني، وبدأ بتنفيذ عملية عنوانها انقاذ البلاد ممن اسماهم «الارهابيين»، الا ان السلطات وصفت هذه الخطوة بأنها «محاولة انقلاب».
اللافت هنا ان شعبية اللواء حفتر تزداد يوماً بعد يوم في صفوف الشعب الذي ارهقته النزاعات السياسية واعمال العنف اليومية في بلد تعجز سلطاته عن بسط الامن فيه. الا ان حفتر يصطدم بمصالح اطراف اخرى ترى نفسها متضررة من اية حالة جديدة كتلك التي يطلقها حفتر ويتمسك بها كحل يكاد يكون وحيداً للازمة الفريدة التي تعصف بالبلاد.
في هذا السياق، اعلنت الحكومة التي تصنف بانها «الليبرالية» برئاسة عبدالله الثني انها ستلجأ الى القضاء لمعرفة ما اذا كان يتعين عليها التخلي عن الحكم لأحمد معيتيق الذي اختاره المؤتمر الوطني العام اوائل ايار (مايو) خلال عملية تصويت مثيرة للجدل دعمها الاسلاميون. وفي المقابل الرفض الذي يبديه حفتر للكيان الجديد الذي يعتقد انه يحظى بالشرعية والذي يطالب الثني بتسليمه مقاليد السلطة.

البحث عن الشرعية
فالازمة – إذاً – اصبحت مركبة، حيث يطالب معيتيق سلفه الثني بالتخلي عن رئاسة الحكومة ويطالب حفتر الاثنين بالتخلي عن الحكم، كما يطالب البرلمان بتجميد نشاطاته. الا ان الامور تطورت باتجاه تمسك كل فريق حكومي بما يعتقد انها الشرعية. وعقدت كل حكومة من الاثنتين جلسة ناقشت خلالها التطورات وما يمكن القيام به. وخلصت كل حكومة الى ضرورة التمسك بـ «الشرعية»… وهكذا.
والطريف في هذا الامر ان اشغال حكومة الثني للمقر الرئيسي للحكومة حمل حكومة معيتيق على اتخاذ احد الفنادق مقراً لها واجتمعت في احدى قاعاته.
ويتنافس رئيسا الوزراء اللذان يبحثان عن الشرعية، عبر الاعلان عن لقاءاتهما مع الدبلوماسيين الاجانب. ولم يعد هؤلاء الدبلوماسيون المرتبكون يعرفون من هم محاوروهم
اما الاشد خطورة، فيتمثل بحصول كل من الفريقين على دعم الميليشيات والمجموعات المسلحة التي تفرض النظام في البلاد بسبب عدم وجود قوات امن منظمة، مما يثير مخاوف من اندلاع مواجهات وخصوصاً في العاصمة. وتوقف البنك المركزي عند نقطة خلافية تتمثل بمن يمتلك حق التوقيع المالي، واوامر الصرف من الميزانية العامة. ومن سيتعاقد مع الشركات الأجنبية والمحلية فضلاً عمن سيمثل ليبيا في المحافل الدولية؟.
وفي تعقيد جديد للازمة تسربت معلومات عن ان علي زيدان الذي اسقطت حكومته عاد الى التأكيد على عدم شرعية قرار اقالته. وان مجموعة من انصاره باتوا يطالبون باعادته.
وفي تشخيص للازمة، هناك من يرى ان المؤتمر الوطني «البرلمان»، توافق لإسقاط علي زيدان، ليضع مكانه عبدالله الثني، لكن النواب عادوا للخصام مجدداً بفرض مرشح تيار الإسلام السياسي «احمد معيتيق» وإن بدا مستقلاً كآخر معركة للحفاظ على النفوذ.
وتشير التقديرات الى ان تيار الإسلام السياسي ستقل حظوظه في الفوز في البرلمان المقبل بسبب سخط الناس عليه ولذلك هم مصرون على تعيين معيتيق لعلهم يحظون بإدارة الصف الثاني في دوائر حكم الدولة ومزايا إضافية.
وينتقد بعض المراقبين قرار المؤتمر الوطني العام بمنح ثقته في 25 ايار (مايو) الى حكومة معيتيق فيما تحدد موعد اجراء انتخابات تشريعية في 25 حزيران (يونيو).

تظاهرات
في الاثناء، تظاهر آلاف الليبيين في طرابلس وبنغازي ومدن اخرى دعماً للواء المنشق خليفة حفتر الذي يقود منذ منتصف ايار (مايو) الحالي عملية لمكافحة الارهاب ويناهض حكومة احمد معيتيق المدعوم من الاسلاميين.
وتجمع آلاف الاشخاص في بنغازي امام فندق تيبستي واطلقوا شعارات تدعم تحرك حفتر، منددين بالارهاب وتجاوزات المجموعات المسلحة. وجرت تظاهرات اخرى مماثلة في مدن المرج والبيضاء وطبرق الواقعة جميعا الى الشرق من بنغازي، بحسب ما افاد شهود عيان.
وفي ساحة الشهداء في طرابلس ووسط اجراءات امنية مشددة، تظاهر آلاف الاشخاص تعبيراً عن دعمهم للواء حفتر وهاجموا حكومة معيتيق والمؤتمر الوطني العام (البرلمان)، وحمل المتظاهرون لافتات كتب على بعضها «نعم للدولة المدنية» و«الشعب والجيش معا نقاتل الارهاب».
كما حملوا نعشاً كتبوا عليه «حكومة معيتيق» و«المؤتمر الوطني العام» و«انصار الشريعة»، وهي مجموعة جهادية تنشط خصوصاً في شرق البلاد وتضعها الولايات المتحدة على لائحة المنظمات الارهابية في العالم.
وعلى بعد مئات الامتار من ساحة الشهداء، في ساحة الجزائر، تجمع مئات المؤيدين للاسلاميين واطلقوا هتافات تندد بـ «انقلاب حفتر» واكدوا تمسكهم بشرعية المؤتمر الوطني الليبي.
في تلك الاثناء، صرح العقيد محمد الحجازى المتحدث باسم عملية الكرامة بقيادة اللواء حفتر القائد السابق للقوات البرية الليبية أن اشتباكات اندلعت بين قوات حفتر ومجموعة تابعة لتنظيم انصار الشريعة في منطقة سيدي فرج أطراف مدينة بنغازي شرق ليبيا.
وأوضح الحجازي أن الاشتباكات التي اندلعت في  منطقة سيدي فرج اسفرت عن تدمير ثلاث سيارات تابعة لتنظيم انصار الشريعة تحمل اسلحة. ولم يذكر المتحدث ما اذا كانت الاشتباكات اسفرت عن سقوط قتلى وجرحى او ما اذا كانت توقفت أو مازالت جارية.
من جهة اخرى، ذكرت تقارير اخبارية أن شخصاً لقى حتفه واصيب اثنان آخران في بوهديمة ببنغازي، على خلفية  الاشتباكات المسلحة بين شباب المنطقة وتنظيم أنصار الشريعة، والتي  هدأت نسبياً بعد أن اندلعت بسبب نصب عناصر التنظيم حاجزاً وهمياً بالمنطقة.

قصف معسكر الثوار
وبالتزامن، قصفت طائرتان حربيتان تابعتان لقوات اللواء حفتر معسكراً لثوار «17 فبراير» في مدينة بنغازي للمرة الثانية في نحو أسبوع، ولم تسفر عن وقوع ضحايا. ولم تسفر الضربة عن خسائر بشرية، ولكنها تسببت في إحداث أضرار مادية.
من جانبه، قال المتحدث باسم غرفة ثوار ليبيا أحمد الجازوي إن مقاتلة في سلاح الجو التابعة لقوات حفتر قصفت مقر كتيبة 17 فبراير الإسلامية -التابعة بشكل رسمي لرئاسة أركان الجيش الليبي- بصاروخين دون أن تخلف ضحايا.
في سياق مواز، اعلنت تونس ارجاء اجتماع لوزراء خارجية اتحاد دول المغرب العربي كان مخصصاً لبحث التطورات في ليبيا، وذلك بسبب «عدم اتضاح صورة» الوضع في هذا البلد الذي يشهد ازمة سياسية وامنية خطيرة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التونسية مختار الشواشي انه تم التوافق على ارجاء هذا الاجتماع الذي كان مقرراً الاحد في تونس الى موعد لاحق «بسبب عدم اتضاح صورة الوضع في ليبيا»، مؤكداً ان المشاورات ستستمر حتى عقد الاجتماع.
والاجتماع الطارىء الذي اعلن بداية الاسبوع كان مقرراً ان يعقبه الاثنين اجتماع للمبعوثين الخاصين للعديد من الدول والمنظمات الى ليبيا في مقدمها الامم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الاوروبي وفرنسا، لكن هذا اللقاء ارجىء ايضاً الى موعد لم يحدد.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق