تحقيق

سياحة 2014 في غرفة «التحسن الملموس»

في الأرقام الإحصائية لمؤشر السياحة في العامين الماضيين النتيجة لا تبشر بالخير. وما يزيد من سلبيته ان شيئاً لم يتغير أقله على المستوى السياسي. لا بل ازدادت تعقيداً مع دخول الجمهورية مرحلة الفراغ، حتى لو كان الدستور ينص على ان تتولى الحكومة صلاحيات رئيس الجمهورية، إلا أن النتيجة واحدة : وطن من دون رأس.
فمن يقنع السائح الخليجي ان البلد بألف خير؟ وما هي الضمانات التي سيعدهم بها القيمون على السياحة للمجيء إلى لبنان وتمضية صيف 2014 في ربوع الوطن الأحب إلى قلبهم؟
وزارة السياحة بيضتها مع إطلاق خطة سياحية طموحة، وبردت قلوب الخليجيين. لكن على الأرض لا جواب رسمياً. فهل تكون سياحة 2014 في لبنان على غرار كل الإستحقاقات؟

في زيارته الرسمية الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، ناشد رئيس الحكومة تمام السلام السعوديين بالمجيء إلى لبنان هذا الصيف واعداً إياهم بتمضية موسم ناري… سياحياً. دعوته قوبلت بالترحيب من قبل المملكة وانتشر الخبر على مواقع التواصل الإلكتروني: «السعودية ألغت قرار منع مواطنيها من المجيء إلى لبنان والأخير على موعد مع موسم سياحي هو الأفضل من العامين الماضيين».
على هذا الوعد نام اللبنانيون ليستيقظ القيمون على المؤسسات السياحية على ورشة التجهيز لموسم صيف مختلف عن سابقاته. هكذا طمأنتهم المملكة وهذا ما وعدهم به الشعب السعودي. أما باقي الخليجيين فالموسم لا يزال في بداياته. فلننتظر.

تسويق لبنان الكترونياً
وزير السياحة ميشال فرعون لم يشأ ان ينتظر ترجمة الوعود. والظاهر أنه منذ دخوله مكتب الوزارة كان قراره واضحاً في شأن الموسم السياحي. والخطة السياحية التي أطلقها خير دليل على الحركة التي يقوم بها لتنشيط السياحة وتفعيلها من دون ان ينكر دور السلف او يلغي دوره في محطات عدة.
اعتراف بالجميل أم قرار بالعمل على أسس منهجية مهنية؟ الرزم والبرامج التي تضمنتها الخطة السياحية توحي بالإثنين معاً. هذا ما يؤكد عليه مصدر مقرب من وزير السياحة ويقول: «البداية كانت بالإعلان عن إنشاء موقع جديد للوزارة مع تطوير مواقع الكترونية خاصة وتنشيط مواقع التواصل الإجتماعي لتسويق لبنان». بداية تبشر بالخير لأنها تعتمد على وضع وسائل التواصل الإجتماعي في خدمة السياحة والسياح. هل يكفي ذلك؟
إذا انطلقنا من المعادلة التي تقول بأن السياحة جزء لا ينفصل عن ثقافة الحياة نكون اقتربنا من الواقع اللبناني البحت. لكن بالنسبة إلى السائح الخليجي المسألة تتعلق بثقافة الأمن والراحة والإستقرار السياسي. فهل تكفل له الحكومة اللبنانية ذلك؟

تحسن ولا أمل بـ «هجمة»
نقيب اصحاب الفنادق بيار الأشقر لا هو متفائل ولا متشائم. في اختصار هو يتكلم بالوقائع «التحسن موجود مقارنة مع صيف العامين الماضيين لكن المنطق يقول أنه في كل عملية إعادة نهوض هناك ما يسمى بالهجمة. هجمة إقتصادية ،هجمة إستثمارات، لكن على المستوى السياحي هناك تحسن في الحركة وحسب. ولا بصيص امل في حصول هجمة».
غيمة تفاؤل عابرة؟ قد تكون كذلك إنطلاقاً من الواقع الذي يفسر اسباب انحسار موجة التفاؤل بصفة التحسن فقط. ويقول الأشقر: «طالما أن البلد يعيش حالة فراغ رئاسي لن نتوقع اكثر من ذلك لأن الفراغ يعني عدم وجود إستقرار او على الأقل ضمانته. كل هذا يحول دون حصول الهجمة الكبيرة. ونحن لدينا علاقات واتصالات مع مواطنين خليجيين وعرب وحتى اجانب. ولسان حالهم أنهم لا يزالون خائفين من فلتان الساحة الأمنية أو حتى السياسية في ظل الفراغ. حتى التوافق داخل الحكومة التي تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية يخشون ان يندثر بين ليلة وضحاها لأن التحليلات السياسية والصحافية لا تبشر إلا بهذه الأجواء».


بيار الاشقر: الخليجيون خائفون من فلتان الساحة الأمنية أو حتى السياسية في ظل الفراغ الرئاسي

لو توصلنا الى انتخاب رئيس كنا سنقول الهجمة السياحية على ابواب صيف ٢٠١٤
 

نسأل عن مفاعيل البرنامج الذي وضعته وزارة السياحة لتفعيل الحركة السياحية. وهل بدأت المؤسسات السياحية تتلمس تداعياته؟
يؤكد النقيب بيار الأشقر «أن الخطة هي جزء من عمل وزارة السياحة وهي قامت بعمل تسويقي للبلد لكن حتى الساعة لم نلمس شيئاً. في النهاية لا يزال من المبكر التكلم عن النتائج لكن الثابت أن هناك تحسناً».
وهل صحيح ان الحجوزات في فنادق بيروت الكبرى وصلت إلى 100 في المئة؟
السؤال استفز الأشقر لكن الجواب جاهز: «الأسبوع الماضي كان هناك افتتاح لأحد الفنادق في العاصمة بيروت وسأل أحدهم مدير فندق فينيسيا عن نسبة الحجوزات في اطار الكلام عن الحركة السياحية وعودة السياح الخليجيين ألى لبنان فأجاب: «الحجوزات وصلت إلى 110 في المئة في الفندق وقد بدأنا في توزيع الحجوزات على فنادق أخرى». وعند الإستفسار في طبيعة الحركة تبين أن هذه الحجوزات تأتي على خلفية انعقاد مؤتمرين يحضرهما رجال اعمال ومستثمرون كبار. لكن الثابت ان هذه الحركة وهذه الحجوزات لن تستمر لثلاثة أشهر لأن مدة المؤتمر لا تتجاوز الـ 4 أيام وهذا ما يؤكد ان هناك تحسن في الحركة وليس انتعاشاً».

السعوديون حددوا وجهتهم السياحية والمغتربون حجزوا سلفاً

كل غرف الـ «سويت» مقفلة
ندخل في لغة الأرقام. قلتم تحسناً لكن إلى أي حد؟

«التحسن بنسبة 50 في المئة لأن أسعارنا لا تزال منخفضة ولو كنا وصلنا إلى مرحلة الهجمة كنا استعدنا قيمة الأسعار التي كانت معتمدة في العامين 2009 و2010. اليوم حتى لو اقفلت الحجوزات في فندق ما لا تغطي نصف قيمة المداخيل والأرباح التي كانت
تدخل الفندق. اضف إلى ذلك نوعية الزبون. فالفندق يعتمد على غرف الـ «سويت» التي تعوض ارباحها عن حجوزات 6 غرف. وطالما أن السياحة الخليجية غائبة فهذا يعني ان كل غرف الـ «سويت ستبقى مقفلة».
في اختصار هي مسألة تفاصيل لكن بيار الأشقر يصر على ان هذا الموسم سيكون افضل من العامين الماضيين «لكن ليس على مستوى طموحنا وطاقاتنا وسمعتنا السياحية. ولو توصلنا إلى انتخاب رئيس كنا سنقول الهجمة السياحية على ابواب صيف 2014. لكن في ظل الفراغ سنكتفي بالتحسن الملموس».
نعود إلى الأرقام. فالإحصاءات تشير إلى أن عدد السياح الذين دخلوا تركيا حتى شهر ايار (مايو)  2014 وصل إلى 43 مليون سائح والأغلبية من الخليجيين والعرب الذين كانوا يقصدون لبنان، وكان يمكن استقطابهم او إقناعهم بتغيير وجهة السياحة فيما لو كان البلد يتمتع بالإستقرار الأمني والسياسي. معادلة منطقية لكن بحسب مصدر في وزارة السياحة، الجو السياحي ليس تشاؤمياً. «فمن ضمن الخطة التي طرحها وزير السياحة ميشال فرعون يمكن لأي سائح ان يأتي إلى لبنان ويصرف ما لا يزيد عن 1000 دولار بدل إقامة في فندق (ما دون الـ 5 نجوم) لليلة واحدة وتذكرة سفر وجولة على المناطق السياحية. ويركز المصدر على تنوع هوية السياحة في لبنان من طبية ودينية وثقافية إضافة الى الجولات على الأماكن السياحية. أما المهرجانات فتعول عليها وزارة السياحة بدليل الأهمية التي يوليها إياها وزير السياحة.

ضمانات امنية
نسأل عن الضمانات الأمنية في ظل الفراغ الرئاسي فيجيب المصدر: «السياسة نضعها جانباً اما الأمن فهو مستتب ولدينا ضمانات في ذلك بدليل ان مهرجانات بعلبك ستقام تحت اعمدة جوبيتير هذا العام».
ان تعود مهرجانات بعلبك إلى مساحتها الطبيعية هذه السنة بعدما هجَرها الواقع الأمني إلى «خان الحرير» في منطقة الجديدة العام الماضي فهذه بادرة طيبة. والزيارة التي نظمتها وزارة السياحة للصحافيين إلى بعلبك برعاية وحضور وزير السياحة لإطلاق برنامج المهرجانات دليل خير وعافية. لكن من يضمن استقرار الأمن طالما أن البلد مهيأ للفلتان في كل لحظة؟
 

عدد السياح الذين دخلوا تركيا حتى شهر ايار (مايو)  2014 وصل إلى 43 مليون سائح والأغلبية من الخليجيين والعرب الذين كانوا يقصدون لبنان

يجيب المصدر «نحن عشاق الحياة ولن نعيش في ظل الهواجس والتهديدات ويكفينا ان السعوديين قرروا كسر الطوق والمجيء إلى لبنان حتى نتأمل أن ينسحب ذلك على كل دول الخليج علماً ان هناك قراراً ضمنياً من قبل حكومات الخليج بفك الحظر والدليل دخول عدد من السياح الخليجيين إلى لبنان هذه السنة وهناك ايضاً عدد من الحجوزات غير المعلنة».
نكثر من تفاؤلنا ونسلم أمر السياحة لأجندة المؤتمرات التي ستعقد في بيروت؟ أو نغرق في طوق الحذر الذي يفرضه الفراغ الرئاسي وعلى صداه  يكون وقع الموسم السياحي لهذه السنة؟
«حين كلفنا بوزارة السياحة كانت عيننا على العمل وقلبنا على الأمن» بهذه الكلمات خاطب وزير السياحة ميشال فرعون الحضور خلال اطلاق خطة السياحة لصيف 2014.
كلام جميل ومؤثر لكن الثابت ان العمل سيكون اولاً وآخراً على الأمن لأنه من دون استقرار امني وسياسي لا سياحة إلا بما تيسر من سياح خليجيين عابرين ومغتربين سيحضرون إلى ربوع الوطن لتفقد الأهل. وعليهم الإتكال!

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق