تحقيق

بيروت تستعد… صيف مهرجانات واعياد

هي القلب النابض لكل عصب الحياة في الوطن، والمساحة التي حلم فيها عشاق الحياة في هذا الوطن، شاء من شاء او انتفض من افترض ان وسط بيروت صار حكرا على فئة من الناس او جزءا من سياحة الخليجيين.
نكرر مع القائلين: «فكر بقلبك»؟ لم لا طالما ان هذا الكلام ما عاد مجرد فكرة او شعار. ونبضات الحياة في وسط بيروت في كل مناسبة أومن دونها تؤكد ان كلمة السر التي وضعت في صندوق الوطن منذ انتهاء الحرب بدأت تترجم.
في الأمس كان برنامج «أعياد بيروت» بعده مهرجان عيد الموسيقى. لكن نهارات بيروت ولياليها ما عادت حكراً على مناسبة او عيد. فالنشاطات على الأبواب وشركة سوليدير حولت ساحات العاصمة وشوارعها الى مسلسل طويل من الحياة ومن دون فواصل.
هي بيروت؟ بمعنى ادق هي الشريان الذي يحيي صيف لبنان… إلى ستنا بيروت در.

 


«بيروت تعزف الجاز»، «محيط الرحمة» في غاليري SV، «واجهة النسيان»، «سيرة حياة راس»، «الخط العربي يعود إلى بيروت»… اسماء وعناوين لمهرجانات ومعارض وليس هذا وحسب، فمواسم الأعياد كانت عامرة بالنشاطات بدءاً من شجرة الميلاد العملاقة مروراً بحدائق عيد الفصح وصولاً إلى التحضيرات لشهر رمضان الكريم ومهرجاني «اعياد بيروت» و«عيد الموسيقى» المميزين ببرنامج حفلاتهما والضيوف الذين يعطون نكهة الفن الراقي التي تليق بست الدنيا بيروت.

معاناة
حركة بلا بركة؟ إذا أردنا ان نكون على موجة السلبية يمكن ان نقول ذلك. في النهاية هي حال البلد، وكيف تكون البركة إذا سلمنا انه مع كل انعقاد لجلسة مجلس النواب (وما اكثرها في زمن الإستحقاق الرئاسي وربما حتى في زمن الفراغ المتوقع) او مجلس الوزراء يقفل محيط المجلس النيابي والسرايا، ومن يسمع تعليقات الموظفين العاملين في هذه البقعة الجغرافية يدرك مدى انعكاس هذا الإقفال على الحركة الإقتصادية في وسط بيروت فكيف الحال بالنسبة إلى الناس العاديين الذين يقصدون الوسط التجاري في مواعيد انعقاد الجلسات. أما السلبية الكبرى فتكون مع تزامن مهرجان او نشاط ما مع انعقاد احدى الجلسات. «فراغ وتعطيل بكل ما في الكلمة من معنى».
عبارات تعودنا على ان نسمعها في «ست الدنيا» بيروت. فالمعاناة التي عاشها الوسط التجاري مع كل خضة تحصل في البلد حفرت في حركتي السهر والتجارة. وتشير الأرقام الصادرة عن نقابة اصحاب المطاعم والمقاهي في لبنان إلى أن نسبة التشغيل تراجعت بنسبة 40 في المئة في العام 2013 بعدما كانت تراجعت بنسبة 50 في المئة في العام 2012 عن العام 2011. وفي الفترة التي يرتفع فيها منسوب الكلام عن ضربات عسكرية على مناطق في سوريا تزداد حركة السوريين نسبيا. فيما الحضور الأجنبي أو الخليجي شبه معدوم، باستثناء بعض الأفراد الذين يقصدون لبنان بهدف العمل وليس السياحة.
 


بيروت للجميع
ثمة من يقول إن الوسط لفئة النخبة، ومنهم من يصر على أنه صمم ونفذ ليكون حكرا على الخليجيين. مفهوم خاطىء؟ او نظرية حاول البعض تعميمها لضرب الحركة في الوسط التجاري؟
بالنسبة إلى المعنيين عن الوسط «هذا مفهوم خاطىء ومن اراد ان يتأكد فليجرب بنفسه. فالأسعار في المطاعم والمقاهي وحتى الأسواق التجارية تشمل كل الطبقات. لكن المشكلة في لبنان انه لم يعد هناك طبقات. فإما طبقة غنية او ميسورة او طبقة معدومة. والأخيرة تحتل النسبة الأكبر. صدقوا». لكن كيف نفسر إقفال عدد كبير من مطاعم «الزيتونة باي»، أو تسليم اصحاب بعض المشاريع إلى إدارات أخرى؟
«هذه الأمور تحصل لكن مقابل كل مطعم يقفل هنا، آخر يفتح هناك وربما في البقعة الجغرافية نفسها وربما لا. لكن المهم ان المسألة ليست كارثية وعلينا ان نسلم بأن هناك وضعاً سياسياً وقبله امني غير مستقر والسياحة هي المؤشر الأول لتداعيات هذا الواقع».
أصحاب المطاعم يحاولون انعاش مؤسساتهم بالحصول على قروض تشغيلية، ويأملون من الهيئات الإقتصادية المساعدة في هذا الموضوع لتكون القروض بفوائد مدعومة تمكنهم ربما من إبقاء مؤسساتهم «واقفة على قدميها»، ومنهم من يواجه الأزمة بإرادة حب البقاء ويفضل تأخير الدفعات للموردين ويتأخر في دفع رواتب الموظفين لأنه يتوقع عودة ست الدنيا إلى واجهة الخريطة السياحية، «وهذا ما حصل. الم تسمعوا ببرنامج اعياد بيروت»؟ يقول احد المسؤولين في شركة سوليدير.

من الوسط الى واجهة بيروت البحرية!
نسأل لماذا تقرر إقامة المهرجان في واجهة بيروت البحرية، بعدما كان موقعه في الاعوام الماضية في وسط بيروت التجاري؟
الجواب يأتي عفوياً «فالسبب هو المساحة التي تتسع لعدد كبير ومضاعف، اذ تتزامن مهرجانات «اعياد بيروت» هذا الصيف مع عيد الفطر، مما يعني ان عدد الزوار والحضور سيكون مضاعفاً في ظل القرار الذي صدر عن مختلف دول الخليج برفع الحظر عن مواطنيها لزيارة بيروت».
حجة اكثر من منطقية. لكن يكفي ان تقرأ في سطور برنامج المهرجان حتى تدرك اكثر ان صيف بيروت لن يكون كما سواه، ولا حتى على ما تعودنا ان نشاهده في صيفياتها كل عام. فالأسماء اكثر من لامعة، ولا يستهان بها لدى اللبنانيين والعرب. نعم التركيز على العرب، لأن السائح الخليجي سيكون الضيف المميز كما العادة، وهذه السنة اكثر من اي عام مضى، بعد انقطاع قسري عن بلده الثاني لبنان. من الفنان جورج وسوف الذي سيفتتح عودته إلى الساحة الفنية بعد فترة النقاهة التي امضاها بعيداً من جمهوره، إلى فارس الغناء العربي فارس كرم وإليسا، فالى العالمي غارو، ويتوقع منظمو المهرجان «ان تستقطب حفلة سلطان الطرب عدداً كبيراً من الجمهورين اللبناني والعربي. كذلك الحال بالنسبة إلى اليسا وفارس كرم والفنان المصري تامر حسني الذي يعود الى جمهوره من قلب بيروت. اما الفنان زياد الرحباني فستكون له اطلالة مميزة كما في كل عام».

مشاركة النجوم بلا شروط
مشاركة الفنانين العرب والأجانب جاءت من دون شروط، على ما يقول احد اصحاب الشركات الثلاث المعدة لمهرجانات «اعياد بيروت»، مما يؤكد انهم نالوا الضمانات سلفا من سفارات بلادهم، بأن أبواب السياحة ستكون مشرعة هذه السنة على الأمن والإستقرار». ماذا عن الفراغ الرئاسي وإمكانية حصول خضات سياسية؟
يجيب المسؤول في شركة سوليدير: «اللبنانيون تعودوا على التعايش مع كل الظروف. المهم الا تحصل اية خضة امنية. وطالما ان هناك قراراً من حكومات دول الخليج بالسماح لرعاياهم في المجيء الى لبنان هذا الصيف فهذا يبشر بالخير».
رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان للتجارة والصناعة محمد شقير بادرنا لدى سؤاله عما اذا كانت المهرجانات المقررة لصيف بيروت ستعيد الحياة والحركة إلى هذا الوسط: «سبقتوني عالفكرة. فانا اعد لعقد اجتماع في الغرفة لوضع خطة عمل لتفعيل الحركة وإعادة الحياة إلى وسط بيروت الذي يشكل قلب الوطن النابض». ويستطرد شقير: «اولاً لا بد من التأكيد بأن عامل الإستقرار الأمني اساس لنجاح اي مهرجان، ثقافياً كان ام سياحياً. وهذا ما نتوقعه ونتمناه لكن في البداية نأمل ان يكون هناك رئيس جمهورية لتثبيت عامل الإستقرار السياسي، والتعويض نسبياً عن الخسائر التي لحقت بالقطاع السياحي في لبنان».

المطلوب دعم السياسيين
لا يخفي شقير ان الحركة في وسط بيروت تأثرت بشكل كبير بالإضطرابات الأمنية والوضع الإقتصادي المأزوم في البلد، «لكن لا بد من الإعتراف بأن هناك شركة فاعلة تعمل منذ 3 أعوام في ظل ظروف صعبة، للإبقاء على الوجه الحضاري والسياحي في البلد. والمقصود هنا هو شركة سوليدير. المهم ان يكون هناك دعم من السياسيين لجهة تخفيف حدة الخطاب السياسي، اذ تكفي اللبنانيين عموماً وابناء بيروت معاناتهم عند حصول كل جلسة بحيث يقفل الوسط التجاري». ويختم شقير مشدداً على اهمية الوسط التجاري. «الحرب صارت وراءنا والمطلوب اليوم ان نفعل ثقافة الحياة، وهذا يتوقف على السياسيين اولاً واللبنانيين فيقتنعوا بأن الوسط التجاري هو قلب هذا الوطن النابض، ويجب الا نتأثر لا بالشائعات ولا بالكلام الذي يتمحور حول اقفال مطعم او مقهى. «الزيتونة باي» موجودة ولها روادها. والوسط بمطاعمه ومقاهيه ينتظر رواده. والحمدالله ان الحركة عادت إلى هذا القلب النابض، وفي مقابل كل مطعم يقفل هناك عشرة تفتح. هكذا يجب ان تكون ارادتنا وقرارنا، لكي يبقى لبنان منارة للشرق وبيروت سويسرا الشرق».
ولعل ابرز ما يميز حدث مهرجانات بيروت لصيف 2014 أنه يقام على واجهة بيروت البحرية، هذه البقعة التي لم تعرف شهرة ولا اسماً الا بعدما وقف عليها القديس يوحنا بولس الثاني، يوم زار لبنان في العام 2007، وصلى مع المؤمنين في هذه الباحة التي حضنت يومذاك ما يقارب المليون مؤمن. وكان صدر مرسوم في اقامة نصب للبابا القديس في المكان نفسه، ووقع عليه الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
اليوم ستتحول الباحة إلى مكان للحياة والسهر والفن، فهل تكون بركة القديس مشعة وتحل البركة على بيروت وقلبها النابض بحب الحياة؟

جومانا نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق