صحة

70% من القرارات الطبية تستند الى نتائجها… متى تُخطئ المختبرات الطبية؟

 

نذهب الى مختبر الدم، نلقي التحية، يأخذون منا عينة، وبعد أقل من 24 ساعة نحصل على نتيجة: كوليستيرول زائد، فقر دم هائل، سكري إضافي، فيتامين د ناقص، خلل في عمل الكبد، التهاب ظاهر… لكن، هل سألتم أنفسكم عن صوابية النتيجة؟ هل أصاب فحص الدم في تحديد العلل؟ هل نركن إليه وأيادينا في المياه الباردة؟ وهل العاملون في المختبر يحوزون كل الأهلية للقيام بهذه المهمة الدقيقة؟ ومن يُحدد أساسا طبيعة هذا الأداء وهذه الأهلية؟ وسؤال آخر قد يلح: ما معنى الطبيب المخبري؟

سمعتم طبعاً بنظام إدارة الجودة: إيزو؟ ثمة معايير «إيزو» أيضاً في عمل المختبرات الطبية سُلِط الضوء عليها في لقاء دعت إليه نقابة أصحاب المختبرات الطبية في لبنان ونظمته «ميماك أوجلفي»… فهل المختبرات صناعة؟ وماذا يعني أن نقول إيزو المختبرات؟ وهل إيزو المختبرات هذه هي نفسها إيزو 9001 التي نراها مدونة في مؤسسات صناعية وتجارية شتى دلالة على جودة ما تفعل؟

إيزو 15189 معيار عالي الجودة
الدكتور كريستيان حداد، نقيب أصحاب المختبرات الطبية في لبنان، تحدث عن معيار آخر، هو إيزو لكن برقم مختلف، إيزو 15189 الذي بات يُحدد المعايير التي على أساسها يُعتبر أداء المختبر مميزاً، ممتازاً، ويتمتع بكل مواصفات الجودة… فماذا يُقصد بإيزو 15189 الصادر عن المنظمة الدولية للمعايير إيزو؟ وهل يختلف هذا المعيار عن معيار «كاب» الصادر عن كلية الطب الشرعي الأميركي؟
رئيس دائرة الباثولوجيا والطب المخبري في كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور غازي الزعتري يقول: نحن في مختبر الجامعة الأميركية بدأنا منذ العام 1999 في البحث عن برنامج إعتماد الجودة واخترنا الإعتماد على نظام «كاب» وحالياً هناك تعاون كبير بين «كاب» و«إيزو» من أجل توحيد عمل المؤسسات العلمية.
وأرى أن إيزو 15189 هو معيار عالي الجودة، ويُشبه معيار «كاب» لجهة قدرته على تقديم نتائج صحيحة ودقيقة للفحوصات الطبية.
اتفقنا إذاً أن مختبر الجامعة الأميركية في بيروت يعتمد معيار «كاب» بالغ الجودة… لكن أي من المختبرات الطبية اللبنانية تعتمد معيار إيزو 15189؟
يُمسكُ مدير مختبرات سانت ايلي الدكتور غسان حلاق بشهادة تُعلن انتماء المختبر الى نادي الحائزين على ايزو 15189 بعد سنوات كثيرة على حيازته ايزو 9001… فما الذي تبدل فيه بين 9001 و15189؟ وماذا فعل المختبر الطبي ليصبح اول مختبر في لبنان يحوز المعيار الجديد؟

كل المختبرات تملك بحسب الدكتور حلاق الماكينات والتجهيزات عينها ربما، وربما أيضاً كفاءة الإختصاصيين ذاتها لكن ثمة مختبرات تملك الجودة المطلوبة ومختبرات أخرى لا…
ما هو المقصود إذا بكلمة جودة؟
يسأل حلاق ويجيب وهو ينظر الى مجموعة نساء يستمعن: كلكنّ تعرفن على الأرجح فنّ الطهو، والجودة في الطبخ مثلاً، لا تكون في المكونات ولا في شكل الطنجرة ولا في حداثة الغاز بقدر ما تكون في تفاعل العملية كلها. إنها كل المطبخ بكل ما فيه. فكلنا لدينا مطبخ لكن لسنا كلنا قادرين على إنتاج جودة الطبق عينها. وهنا، يكمن
فنّ الطهو الذي تحدده طريقة استخدام المكونات والتجهيزات. السرّ إذا في طريقة الإنتاج. ومثل سرّ الطبخة هناك سرّ إجراء فحوصات الدم المخبرية عند استخدام التجهيزات عينها في مختبرات مختلفة.
هذا هو اللبّ إذاً: طبيعة الإنتاج… لكن هل لنا أن نفهم ماذا تعني معايير الإيزو التي نرددها مثل الببغاء؟ وبماذا يختلف إيزو 9001 مثلا عن إيزو 15189؟
يوم بدأوا بتحديد معايير المنتجات المختلفة في الستينيات أوجدوا، بحسب حلاق، أنواعاً عدة من معايير إيزو، لكل سلعة نوع ولكل نوع قيمة، وصار الناس يرددون: هذا حائز على ايزو ولا يفقهون ما معنى هذا وماذا يعني ان يكون حاصلاً على هذا الرقم من ايزو أو على ذاك الرقم! ويضيف: حدد معيار ايزو 15189 للمختبرات الطبية في وقت يحوز غالبية مختبرات الدم على ايزو 9001… فما هو الفرق؟ ايزو 9001 معناه أن الحائز عليه يتبع طرقاً صحيحة لكن إنتاجية الطبخة النهائية، أو لنقل النتيجة المعطاة، قد لا تكون صحيحة تماماً. تريدون تفسيراً أدق؟ هناك شهادات تحتاج الى 30 ساعة تمارين عملية وهذه التمارين قد ينجزها فاعلها في مكتب في آخر زاروب البيت وقد يذهب الى لندن ليتممها، هذا أولاً، أما ثانياً، فقد يخضع من أتمّ التمارين الى امتحان ينال بعده الشهادة، وهذا ما قد يخوله أن يحصل على إيزو 9001. وهذه الشهادة تسمى شهادة التطبيق. أما إيزو 15189 التي تُخول المختبرات الطبية الحصول على المواصفات القياسية فتتطلب الخضوع الى امتحان قاس وشروط دقيقية جدا جدا من قبل متمرسين في العمل المخبري يدخلون في تفاصيل التفاصيل وفي كل شاردة وواردة. لهذا نقول عن ايزو 9001 شهادة ايزو بينما نصف ايزو 15189 بنظام المواصفات القياسية لمعايير إيزو.
ضعتم بين رقمٍ ورقم وإيزو وإيزو ونتيجة طبية مخبرية ونتيجة أخرى؟
الدكتور كريستيان حداد، النقيب، يتحدث عن أهمية دور المختبرات الطبية وضرورة أن تحصل على كل المعايير العالمية الفضلى من أجل جودة النتيجة وحسن العلاج ويقول: حين نتحدث عن جودة العلاج نقصد تأمين كفالة لأعمال تشخيصية أو علاجية تتكل عادة على الفحوصات المخبرية الطبية لتنطلق في رحلة العلاج. إن ما يهمنا من معايير ايزو هو حث المختبرات على تأمين أفضل نتائج طبية للمريض. فدورنا، دور المختبرات، هو محوري في جودة العلاج لأن نحو سبعين في المئة من القرارات الطبية تؤخذ حسب النتائج المخبرية الطبية. وكلفة خمسة في المئة فقط لا غير من مجمل الفاتورة الطبية تذهب في لبنان الى تلك المختبرات.
من هو الاختصاصي المخبري؟ ما هي مواصفاته؟ وهل يجوز لكل من تعلم وخز الإبرة أن يسحب دماً؟
الاختصاصي المخبري هو المسؤول عن سحب الدم ويفترض بحسب حداد: أن يعرف تقنية سحب الدم وكيفية إجراء التحاليل وتأكيد النتائج ومقارنتها مع المعطيات السريرية ومساعدة الطبيب المعالج على وضع التشخيص الصحيح ووصف العلاج. ومسؤولية هذا الاختصاصي الأساسية هي التزامه بمعايير الجودة ومهارة تنفيذ التحاليل.
ما هو دور المختبر الطبي ككل؟
يكمن هذا الدور، بحسب حداد، في تحسين الأداء وإعطاء تشخيص صحيح سريع ومراقبة مسار كل العمل من الألف الى الياء.
هل نفهم من هذا ان الأخطاء ممنوعة؟ هل نفهم أن من يعتمد ايزو 15189 لا يُخطىء؟
يجيب نقيب المختبرات الطبية أن هناك أخطاء تبقى مقبولة إذا حصلت لكن القلق من الأخطاء الكبيرة الخطيرة ذات الارتدادات غير المتوقعة. في كل حال تشير كل الدراسات العلمية الى أن خدمات المختبر مضمونة لكن ليس بما هو كاف، بمعنى ان هناك أخطاء ما تزال تحصل مرتبطة بغالبيتها في مرحلة ما قبل إجراء سحب الدم، أي في مرحلة التحضير، بنسبة 68 في المئة من حجم الأخطاء.
والحل؟
العمل على تأمين متطلبات الجودة في كل مراحل إجراء الفحص، لجهة تحضير المريض، سحب الدم، نقله، عملية إجراء الفحص، توثيق النتائح، تحليلها… في كل حال الجودة في المختبرات الطبية يجب أن تصبح نمط حياة وعادة ليست إجبارية، بمعنى انه يجب الا يُلزم شيء المختبرات في ثقافة الجودة بقدر ما يكون الالتزام نابعا من الداخل، من الذات. وفي هذا الاطار التزمت حتى الآن 7 مختبرات في لبنان بمعايير مواصفات الجودة الكاملة.
لبنان يحلم بأن يُصبح مستشفى الشرق الاوسط. ممتاز. ونقابة أصحاب المختبرات في لبنان تحلم بمواصفات عالية الجودة. ممتاز أيضاً. والأحلام كما تعلمون وقود تُحركنا من الداخل، من الأعماق، فلنحلم نحن أيضاً في بلوغ يوم تنخفض فيها الأخطاء الطبية الى حدود صفر!

نوال نصر

 

 
 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق