صحة

كي لا تُصبحوا رقماً على لائحته… «الربو» داء يقتل!

ليس عن عبث حُدد يوم الربو العالمي في السابع من أيار (مايو)، ففي أيار نعيش بين فصلين، ربيع وصيف، حرّ وبرد، فتتفتح البراعم وتتكاثر النباتات وتأتي الرياح الخمسينية وتشتدّ الحساسية وتتفاقم حالات الربو… والسؤال: هل يمكننا أن نسيطر على حالات الربو؟ وإذا كان هذا فعلاً ممكناً فماذا يعني وجود أكثر من 300 مليون مصاب بالداء في العالم؟ هل في هذا استهتار؟ هل في سبب هذا لامبالاة؟ وهل يمكننا أن نحمي أنفسنا من أن نصبح أرقاماً إضافية على لائحة مرضى الربو في هذا العالم الفسيح؟
                       
كم تسمعون في النهار القصير عبارة: درهم وقاية خير من قنطار علاج؟ الكلام دائماً سهل، أو أقله أسهل من الفعل، لكن بجدٍ: درهم وقاية خير من قنطار علاج! نكرر هذه العبارة عليكم وعلينا، علينا كلنا، لأننا كلنا معرضون الى كل أنواع الأمراض والفيروسات إذا لم نكن أذكى قليلاً منها! ألم تسمعوا بالمثل القائل: أن تسأل وتسمع مرتين خير لك من أن تُخطئ مرة واحدة؟

يُصيب أيضاً الكبار؟
35 في المئة فقط لا غير من مرضى الربو في لبنان يسيطرون بحسب الهيئة اللبنانية المنظمة للربو على الداء! ما رأيكم بهذا الرقم؟ أليس مقلقاً؟ ألا يعني هذا ان 65 في المئة من المرضى يعانون فعلياً وواقعياً من أعراض الربو؟ وماذا عن تلك الأعراض؟ ما طبيعتها؟ وهل نُصدق أن الربو قد يُصيب أيضاً الكبار؟
أبو وائل، في الخامسة والسبعين من عمره، أصيب منذ شهرين بالربو ويُعاني! تُصدقون؟ أقاربه لم يصدقوا. ظنوه يمزح. ظنوا أن الألزهايمر ضربه وليس الربو! فهل هو فعلاً يمزح؟ هل هو مصاب بربو الكبار؟ وهل هناك أصلاً ربو كبار وربو صغار؟
ليس سراً أن الربو يضرب الأطفال أكثر من الكبار لكنه قد يصيب حتى المسنين. وفي أرقام منظمة الصحة العالمية، هناك نحو ثلاثمئة مليون انسان في العالم يعانون من الربو. وتحصل 255 ألف حالة وفاة في العالم سنوياً بسبب مرض الربو. خمسون في المئة من الاطفال الذين يعانون من الربو يبدأون قبل سن الخمس سنوات. وتتوزع إصابات الربو على الجنسين: صبيان مقابل فتاة واحدة. ويولد كل ساعتين ونصف طفل محتمل أن يصاب بالربو. وإذا كانت الدراسات تشي أن نسبة 18 في المئة من الأطفال مصابون بالربو فإنها تدل الى أن 15 في المئة من البالغين هم أيضاً عرضة لهذا الداء. الربو إذاً يصيب الصغار والكبار مع فارق أن الصغار يصابون أكثر بالربو الخارجي جراء تعرضهم الى التحسس من الغبار والدخان وهذا النوع قد يتلاشى وينتهي مع التقدم في العمر في حين أن الكبار يصابون بنوع ثان من الربو، يسمى الربو الداخلي الذي يتسبب به ضيق التنفس وعوامل أخرى مختلفة كامنة في داخل الجسم. وهناك مرضى قد يجمعون بين النوعين. في كل حال ثمة من يُشفى في عمر البلوغ. وهناك من يعاوده المرض بعد سن الأربعين، وبالتالي، من يُصاب مرة بالربو عليه أن ينتبه من هجوم الداء عليه مجدداً كل العمر!


غير معد
الربو غير معد، وسببه الرئيسي الحساسية على عناصر بيئية مختلفة. والوراثة قد يكون لها دور لكن بنسبة جدّ ضئيلة. وأعراض الربو قد تظهر في أي عمر، كما يمكن أن نجد في العائلة نفسها مصابين او أكثر. أما التحكم بالمرض فيجعل المسالك الهوائية نقية ويسمح بتسرب الهواء فيها بسهولة. لكن، إذا كان المرض غير خاضع للمراقبة والعلاج، تكون القصبات الهوائية في الرئتين ملتهبة، متقلصة، ما يؤدي الى صعوبة في جريان الهواء، وظهور أزمات ضيق تنفس وسعال حاد وصفير في الصدر. وبكلام أدق، يحدث الربو حين يحصل احتكاك بين من لديه استعداد جيني للإصابة ومواد تثير المجاري الهوائية، فتتقلص العضلات التي تحوط جدران هذه المجاري وتضيق أكثر فأكثر كلما التهبت الأنسجة وانتفخت، ما يجعل التنفس أكثر صعوبة.


احتياطات
وجود مريض ربو في بيت ما يستدعي من سكان هذا البيت جملة احتياطات قد تقي من ظهور الأزمات بينها: وضع الحيوانات والدمى الوبرية خارج غرفة المريض، وإذا أمكن خارج البيت. إزالة كل شيء رطب من الحمامات. إبقاء كل شيء نظيفاً وجافاً. منع التدخين في غرفة المصاب بالربو وحولها. تجنب استخدام الوسادة المحشوة بالقش أو الصوف أو الريش. شفط الغبار من الغرفة يومياً. مسح الغبار بفوطة رطبة. إبعاد كل الأشياء التي تلتقط الغبار مثل الخزائن الخشبية، الستائر الكثيفة والموكيت. تغيير أغطية الوسادة والفراش أسبوعياً وغسلها بالمياه الساخنة وتجفيفها تحت أشعة الشمس. غسل الالعاب القطنية باستمرار، ووضعها في الثلاجة مدة ساعتين، إذا تعذر إبعاد الطفل عنها.

2% من سكان الارض مصابون
الإختصاصي في أمراض الجهاز التنفسي الدكتور حلمي درويش يتحدث عن «إصابة نحو اثنين في المئة من سكان الكرة الأرضية بداء الربو، أي نحو مئتي مليون إنسان، وكل التوقعات تشير الى إمكانية أن يصيب هذا الداء، مع حلول سنة 2020، نحو عشرة في المئة من سكان الأرض!».
يحتاج من يعاني من داء الربو الى دواء سريع الفعالية، قادر على ايقاف أزمة الربو بسرعة. والسرعة، نكرر، ضرورية في سبيل تجنيب الإصابة بالأعراض المزمنة مثل السعال وضيق التنفس وإصابة المجاري الهوائية بالندوب التي تتسبب بها الالتهابات ونوبات الربو المتكررة.
ماذا عن الحساسية؟ وهل صحيح أن الحساسية قد تتحول الى ربو؟
يقول الدكتور حلمي درويش: أن الحساسية هي عالم قائم في ذاته، لكن كل حساسية قادرة على أن تتحول الى ربو. ويمكن أن تظهر أو تختفي عند حدوث تبدلات هورمونية في الجسم. وحظوظ النساء في الإصابة أكبر لأنهن يمرن بتغيرات هورمونية أكثر من الرجال عند بلوغهن أو أثناء الحمل أو في مرحلة انقطاع الطمث.
في كل حال، الحساسية قد تكون موسمية وقد تدوم طوال فصول السنة. ولعلّ السبب الرئيسي للحساسية هو عث الغبار، الذي ينتج عن حشرات صغيرة جداً، لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، تسكن في الموكيت والفراش والوسادة، وهي قد تتطور إذا لم يتم القضاء عليها لتتحول الى ربو! وما يجهله كثيرون هو ان الحيوانات الأليفة قد تتسبب بحساسية وأعراض من نوع: حكاك في مختلف أنحاء الجسم وضيق في التنفس وأنسداد في الأنف… ومعلوم أن هناك آلاف أصناف الفطريات المنتشرة في الطبيعة وفي البيوت وفي بعض أنواع المأكولات وهي تحتاج لتنمو الى دفء ورطوبة وتحب الأماكن المظلمة، فإذا توافرت هكذا ظروف تضعف الأجسام تجاه مسببات الحساسية.
هل تكفي الوقاية لتجنيب الوقوع فريسة الحساسية عموماً والربو بالتحديد؟
يلفت الدكتور درويش الى امكانية ان يصاب نحو سبعين في المئة من الأطفال، الذين يولدون من أب وأم يعانون من حساسية، بالحساسية. وتتدنى هذه النسبة الى خمسين في المئة إذا كان أحد الوالدين فقط يعاني من الحساسية. والوقاية تخفف من الأعراض، من مختلف الأعراض، في حالتي الحساسية والربو، وإن كانت لا تلغي مئة في المئة نتائجهما.


الربو قد يؤدي الى الوفاة!
ليست المعاناة وحدها بيت القصيد، فالربو يؤدي الى الوفاة. إدارة الربو في شكل سيء قد تؤدي هي أيضاً الى الوفاة. وعشوائية تناول ادوية توسيع الشعب مثلاً تؤدي، في اختصار، الى الهلاك! وفي التفاصيل، أن 24 في المئة من مرضى الربو في لبنان يستخدمون نحو 15 علبة، لكل مريض، من موسعات الشعب الهوائية سنوياً! ماذا يعني هذا؟ يكفي أن تعرفوا أن البيانات تظهر ان الوفيات بسبب داء الربو ترتفع حين يتجاوز استخدام عدد علب موسعات الشعب الهوائية 1،4 في الشهر لتعرفوا معنى أن يُقال: إدارة سيئة لداء الربو!
يحتاج الربو إذاً الى ادارة جيدة والى تشخيص صحيح والى علاج مباشر. هل نفهم من هذا أن التشخيص يكون أحياناً غير دقيق؟ ومن هو الطبيب القادر على التشخيص الصائب؟ وهل يحتاج جميع مرضى الربو الى العلاج عينه؟
ادارة الربو التي يفترض اعتمادها من الآن وصاعداً موزعة على منهجية من مراحل عدة: أ، باء، وجيم. تسمح بتحديد كل التفاصيل التي تحوط بمريض ما بشكل منفصل عن المرضى الآخرين، على ان يتحدد العلاج بموجب الحالة. الإدارة الصحيحة إذاً تنطلق من التقويم الصحيح ومستوى الداء: خفيف، متوسط، قاسٍ. ولكل مستوى ادارة وعلاج ونتيجة.
ماذا يفترض بكم إذا أن تفعلوا؟
راقبوا أنفسكم. كلموا طبيبكم، إسألوه كثيراً، أخبروه كل التفاصيل فتاريخ مريض الربو الصحي مهم جداً، أدخلوا في تفاصيل التفاصيل، لأن النتائج تكمن أحياناً كثيرة في التفاصيل…
مرضى ربو؟ كل 7 أيار (مايو) وأنتم بألف خير…

نوال نصر
 
 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق