تحقيقمناسبة

احتفالات الفصح المجيد طقوس، رموز وغرائب

تستعد الطوائف المسيحية بعد يومين للاحتفال بعيد الفصح المجيد، احتفالات هي مزيج من طقوس دينية وتقاليد شعبية غريبة ومتجذرة، تختلف من بلد إلى آخر، وقاسمها المشترك رمزا العيد: البيض اشكالا والوانا والارانب.

لماذا الأرانب والبيض رمزان  من رموز عيد الفصح المجيد؟ ما سر طقوس وعادات حول العالم تتسم ببعض من الغرابة احتفالاً بهذا العيد؟
يعتبر بيض الفصح الرمز الابرز للعيد وملك المناسبة وإن كان تقليداً احتفالياً قديماً، لأنه يرمز إلى الولادة والخصوبة وبداية الحياة واستمرارها وتجددها… فيما يشكل الأرنب الذي يرافق غالباً الاحتفالات بعيد الفصح تقليداً يعود إلى القرون المسيحية الاولى، حيث كانت شعوب الساكسون في أوروبا ترمز به إلى عيد الخصب الذي تحتفل به في أول الربيع. وكذلك حمله المهاجرون الالمان الى أميركا حيث شاع استعماله منذ ذلك الحين وما زال.

البيض الملون… رمز العيد
نظر المسيحيون الأوائل إلى بيضة عيد الفصح كرمز لقيامة المسيح حياً من
القبر كما يخرج كائن حي من البيضة المغلقة. وقد أخذ المسيحيون يحملون معهم البيض إلى الكنائس ليباركها الكهنة ثم يوزعونها على أفراد أسرتهم ليتباركوا. ولا تزال عادة مباركة البيض هذه قائمة في بعض الكنائس الشرقية حتى الآن وكذلك تبادل المعايدة والتهنئة بمناسبة عيد الفصح وصبغ البيض المسلوق وتزيينه او نقشه عادات لا تزال متبعة فى جميع البلاد المسيحية تقريباً.
ولا تعتبر عادة صبغ البيض وإهدائه في عيد الفصح من التقاليد المسيحية فقط، بل هي عادة موغلة في القدم وربما يرجع تاريخها إلى الفينيقيين الذين كانوا يعبدون الخالق الذي كانت البيضة رمزاً للخلق، إذ كانوا يعتقدون أن الليل هو أول الكائنات وقد تمخض مرة فولد بيضة ومن هذه البيضة انبثقت سائر الكائنات. وساد هذا الاعتقاد كثيراً بين الأمم والشعوب القديمة.
أما في روما القديمة فكانوا يحتفلون في الربيع و الخريف بعيد ميلاد لطبيعة وموتها وذلك بتقديم مائة بيضة كذبيحة.

الارنب السارق
وفي قرى الالزاس و اللورين في فرنسا ما زالت عادة إهداء الخبز والحليب والبيض المسلوق متبعة في عيد الفصح. وقد جرت العادة على أن يخفي الأهل عن أولادهم هذه الهدايا صباح يوم العيد ثم يقولون لهم بلهجة جدية «الأرنب جاء ليلاً وسرقها فما عليكم سوى اكتشافها». وفي جنوب فرنسا يحتفلون ايضاً بالعيد من خلال تحضير العجة العملاقة التي تُصنَع من أكثر من 4500 بيضة وتُطعم زهاء ألف شخص وتُقدّم في ساحة المدينة. ويعود هذا التقليد إلى عهد نابوليون بونابرت.
وفي بولونيا هناك عادة عجيبة تقضي بأن يقدموا لكل غريب يدخل منازلهم بيضة مسلوقة شريطة أن يقوموا بأكل نصفها وإعطاء النصف الآخر للضيف في إشارة إلى توثيق العلاقة الأخوية بينهم وبين ضيفهم!


«شعلة الفصح»
ويمثل البيض والأرنب رموزاً تقليدية كجزء لا يتجزأ من طقوس عيد الفصح في ألمانيا. ولهذه التقاليد خلفية دينية ايضاً حيث يمثل البيض رمزاً للحياة والانبعاث بينما يرمز الأرنب للإخصاب. ويتم تزيين وتلوين البيض بأشكال ونقوش جميلة حيث يخفى في أماكن مختلفة ويترك الأطفال الذين يتنكرون في شكل أرانب لكي يبحثوا عنه.
وفي ألمانيا هناك ما يعرف بـ «شعلة عيد الفصح»، حيث يتقابل سكان الريف والأصدقاء والجيران في يوم السبت قبل عيد الفصح، وفي بعض المناطق يوم الأحد أو يوم الاثنين من عيد الفصح للقيام بإحراق فروع الأشجار.
وتعد «شعلة عيد الفصح» من أشهر تقاليد عيد الفصح في ألمانيا، لأنه يتم إشعال النار باعتباره تقليد شعبي منذ القرن السادس عشر. لكن عادة شعلة عيد الفصح تعود إلى تقاليد الفترة ما قبل المسيحية. ووفقاً لهذا الاعتقاد تقوم كل من الحرارة والنور بطرد الشتاء، كما تعمل النيران على أن تكون التربة خصبة. أما في التقليد المسيحي فترمز نار عيد الفصح إلى يوم قيامة يسوع المسيح.
ويشكل التسوق في الوقت الحالي جزءاً أساسياً من التقاليد التي ارتبطت بعيد الفصح في ألمانيا. فحركة البيع والشراء في الأيام التي تسبق عيد الفصح تزداد بشكل ملفت للنظر، لا سيما مبيعات الحلويات والشوكولاته التي تأخذ إشكالاً وألواناً عدة أبرزها شكل الأرنب. وقد أثبتت بعض الدراسات في ألمانيا أن اكبر كمية من الحلوى والشوكولاته تباع في ألمانيا في أيام عيد الميلاد والفصح.


 

طقوس البيت الابيض
ولعيد الفصح في أميركا تقاليد وطقوس مختلفة إلى حد ما، حيث تقام في البيت الابيض احتفالات خاصة بهذه المناسبة. ويقوم الآباء والأمهات بإخفاء البيض بينما يتولى الأطفال مهمة البحث عنه ودحرجته.
ومنذ 130 عاماً، يستضيف البيت الأبيض بيضة عيد الفصح في حديقته الجنوبية، وهو احتفال تقليدي مميز يحتفل به سُكّان واشنطن. ويقتضي الاحتفال نقلَ البيض المسلوق والملوّن بملعقة كبيرة.
ويحضر الأطفال إلى البيت الأبيض حيث يقومون هناك ايضاً بممارسة الألعاب والمسابقات كما يتولى مسؤول من البيت الأبيض توزيع الهدايا عليهم. وللاحتفال في البيت الأبيض خلفية تاريخية قديمة، حيث خطرت فكرة ببال بعض الأطفال ان يدحرج البيض على مقربة من مبنى الكونغرس الاميركي، ولكن ذلك الأمر أزعج الأعضاء والنبلاء فيه لأنه تسبب في تلف النباتات والحشائش في حديقة «الكابيتول هول»، مما حدا بالكونغرس إلى إصدار قانون لمنع لعب الأطفال هناك.
فما كان من الرئيس الأميركي أنذاك روثر فورد ال أن دعا الأطفال إلى البيت الأبيض، فاتحاً أمامهم أبواب الحديقة للعب ودحرجة البيض في يوم عيد الفصح قائلاً: «دعوا الأطفال يلعبون ويتشاقون كما يريدون».
ومنذ ذلك التاريخ صار قضاء الأطفال لعيد الفصح في البيت الأبيض تقليداً سنوياً.

شتم يوداس
وفي البرازيل، يحتفل البرازيليون بعيد الفصح على طريقتهم الخاصة حيث تمثل الشوكولاته والحلويات على شكل بيض محور الاحتفال.
ويبلغ عدد البيض المصنوع من الشوكولاته والتي تأخذ أشكالاً وألواناً وأحجاماً مختلفة حوالي 100 مليون بيضة.
لكن هناك تقليد مميز وهو ان يقوم ممثلون مسرحيون بإعادة تمثيل معاناة السيد المسيح في الهواء الطلق. وفي أنحاء متفرقة من البلاد يقوم البرازيليون بصنع دمى على شكل إنسان محشوة بالحلويات وترمز لـ «يوداس» التلميذ الذي خان السيد المسيح مقابل حفنة من الفضة وابلغ عن مكان تواجده حيث تم اعتقاله وصلبه. هذه الدمى يتم تعليقها في الشوارع العامة ويقوم الأطفال والكبار بتوجيه الشتائم اليها. واحياناً يعطى هذا التقليد طابعاً سياسياً خاصاً بحيث ترمز هذه الدمى إلى  شخصيات فاسدة من كبار السياسيين في البلد.


عيد وطني
وفي روسيا كان عيد الفصح يعد في عهد القياصرة عيداً وطنياً،
فكنت ترى الناس يحملون البيض في الشوارع و يحيون بعضهم بعضاً قائلين (المسيح قام) فيجاب عليهم بعبارة (حقاً قام). وهذا تقليد نراه ايضاً متبعاً في أكثر القرى المسيحية في لبنان وسوريا والشرق العربي.

 

 

 


رش العطور وتراشق بالمياه
ومن العادات والطقوس الخاصة والغريبة التي تمارس في عيد الفصح، تقليد شعبي يمارسه سكان هنغاريا ، يعرف بـ «Ducking Monday” ويقتضي رش المياه المعطّرة على الآخرين. ويرش الرجال المياه المعطرة أو العطور على رؤوس النساء بلطف. ولكن اليوم، استبدلوا الاوعية الكبيرة والمياه المعطرة بزجاجات العطور الكولونيا التي يرشونها على النساء، طالبين منهن القبل. يمارس الهنغاريون هذا التقليد لإيمانهم بأن المياه تطهر وتضمد الجروح وتحفز الخصوبة أيضاً.

وفي عيد الفصح ، يمارس البولنديون تقليد التراشق بالماء ويُسمّى Smingus-Dyngus. وتقول الأسطورة إن العازبات اللواتي يُرشقن بالماء في عيد الفصح يتزوّجن في السنة نفسها. ويعود هذا التقليد إلى عام 966 م، أي إلى ذكرى معموديّة أمير بولندا Mieszko في إثنين الفصح.

تسول
وفي البلدان الاسكندينافية، يقوم الاطفال بالتسول في الشوارع، واضعين أقنعة غريبة على وجوههم وأوشحة كبيرة على رؤوسهم، حاملين العصي الكبيرة وباقات الصفصاف. وفي بعض أنحاء غرب فنلندا، يُشعل الناس النيران في أحد الفصح، اعتقاداً منهم بأن لهب النار يحارب السحر السلبي الذي يُخ
يّم على الأجواء بين الجمعة العظيمة وأحد الفصح.

رمي الأواني
في صباح عيد الفصح، ، يُمارس اليونانيون في جزيرة كورفو تقليدا مميزا يُعرف بالـ «Pot Throwing” أي «رمي الوعاء»، حيث يرمي الناس الأواني والمقالي والخزف عبر النوافذ. وهو تقليد يعود إلى زمن البنادقة الذين كانوا يرمون كل أغراضهم القديمة عشيّة رأس السنة. لكنّ البعض يؤمن بأن رمي الأواني يعني استقبال الربيع والترحيب به وبالمحاصيل التي ستوضَع في الصحون الجديدة.

 

«شم النسيم» في مصر
تعود تقاليد عيد الفصح في مصر إلى ما قبل الميلاد، وتحديداً إلى أيام الفراعنة، يختلف إسم المناسبة عنه في أي مكان آخر، لكن الرموز تظل متشابهة.
ويحتفل الأقباط في مصر، وهم أتباع الكنيسة الأرثوذوكسية، بعيد الفصح، او «بقيامة» السيد المسيح. في اليوم التالي لعيد الفصح يحتفل المصريون جميعهم بمناسبة «عيد شِم النسيم» الذي يعد عطلة رسمية في مصر. وتعود تقاليد «عيد شم النسيم» الذي يعني الإحتفال ببدء فصل الربيع، إلى أيام الفراعنة.
طقوس عيد الفصح في مصر لا تختلف كثيراً عن بقية البلدان من حيث  استخدام البيض الملون الذي هو جزء من هذه الطقوس، والذهاب إلى الحدائق العامة، واكل السمك المملح جداً. وهناك علاقة بين البيض والسمك في هاتين المناسبتين اللتين تزامنتا تاريخياً منذ أيام الفراعنة وكان للبيض والسمك حينها معنى ديني  مرتبط بالإله «براهمت»، إله البقاء والحياة في الحضارة الفرعونية، كما ان أكل السمك هو رمز مسيحي حتى أيامنا هذه.

ضرب النساء
اما في بلدان أوروبا الشرقية، فيكتسب العيد نكهة خاصة لا تخلو من الغرابة، حيث يقوم الرجال بضرب نساءهم بعيدان الصفصاف المصنوعة يدوياً والمزينة بالشرائط. وبحسب الأسطورة، فإن شجرة الصفصاف هي أول شجرة تتفتح في الربيع، وبالتالي تنقل أغصانها الخصوبة والحيوية إلى النساء.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق