الاقتصادمفكرة الأسبوع

غزة تدخل النفق الاقتصادي

قطاع غزة الواقع جغرافياً بين مصر من جهة واسرائيل والضفة الغربية من جهة اخرى جعل وضعه الاقتصادي رهن الجهات الثلاث التي سدت عليه كل منافذ الهواء فكبرت المعاناة وانتشرت البطالة وانتكس قطاع البناء.

يجلس رجل الاعمال الغزاوي «ابو جميل» على كرسي امام مبنى سكني ضخم لا جلبة عمال فيه، ولا ضجيج آلات، وهو يرتشف كوب الشاي مرفقاً بسيجارة «يبتلع» دخانها بكامله دليلاً على حرقته على عدم قدرته على انجاز هذا المبنى بسبب نقص الاسمنت، وعلى عدم قدرته على الوفاء بالتزاماته تجاه جميع الذين دفعوا عربون شققهم من دون ان يتمكن من تسليمها لهم رغم انقضاء بضعة اشهر على دفع هذا العربون.

من حصار الى حصار
كانت ورش البناء في القطاع بضوضائها وحركتها التي لا تتوقف حتى الامس القريب، صورة من صور الاندفاعة الاقتصادية والاستثمارية التي تمثلها غزة من دون ان يعطلها الحصار الاسرائيلي، والنزاع السياسي مع السلطة الفلسطينية، خصوصاً وان حركة «حماس» التي تبسط سيطرتها على القطاع استطاعت ان تستفيد مما يسمى «الربيع العربي» الذي اوصل انظمة جديدة الى الدول العربية تتلاءم توجهاتها مع توجهات الحركة، وبالاخص منها في مصر، وهو ما دفع «حماس» الى استبدال الداعمين السابقين بداعمين جدد.
لكن التحول المصري السريع من الر ئيس محمد مرسي الى الجيش اسقط رهانات «حماس» الجديدة، واكمل الطوق عليها، وهي اليوم تكاد تختنق اقتصادياً، خصوصاً بعد الحملة التي بدأتها الحكومة المصرية المدعومة من الجيش في تموز (يوليو) الماضي لاغلاق انفاق التهريب بين سيناء وغزة، التي كانت تعتبر بمثابة مسارب الاوكسيجين للقطاع بما يمر عبرها من سلع اساسية معيشية وتشغيلية.
وتكاد البضائع الواردة من اسرائيل تصل الى نحو نصف واردات القطاع، فيما يصل الباقي عبر الانفاق على الحدود المصرية، ما يؤمن استمرارية حياة 1،8 مليون مواطن غزاوي، غير ان «الثورة المضادة» بادرت الى تدمير تلك الانفاق معاقبة لحركة «حماس» على رهانها على الحكم السابق، وعلى دعمها لمجموعات مسلحة قامت بعمليات عدة ضد السلطة في سيناء على حد اتهامات الحكومة.

الارقام تتكلم
لجأت اسرائيل منذ العام 2007 الى تخفيف بعض القيود على الصادرات الى غزة الذي يمتد ساحلها بطول 40 كيلومتراً على البحر المتوسط، لكنها ما زالت تفرض حظراً على مواد البناء وقائمة سلع تعتبرها ذات استخدام عسكري ومدني مزدوج. وقد استطاع سكان القطاع الالتفاف على القيود الاسرائيلية بفضل الانفاق، ما ادى الى بلوغ النمو نسبة 15٪ في 2007، و7٪ في 2012. لكنه بدأ يتراجع في 2013 مسجلاً 3٪، فيما يلوح في الافق ركود مؤكد، لا سيما بعد اغلاق الانفاق.
ومع النمو السكاني بنسبة 3٪ سنوياً تقريباً يمثل مستوى النمو العام الماضي ركوداً فعلياً، فكيف هي الحال اذا تراجع النمو الى 1٪ او ما دون هذه السنة بفعل توقف العديد من المصانع في القطاع وخفض مصانع اخرى انتاجها او الاستغناء عن قسم من عمالها. وبفعل شح الموارد اللازمة للصناعة والقطاع العقاري ونقص السلع الاساسية من غذاء ووقود وطاقة، وبفعل ارتفاع معدل البطالة الى مستويات مذهلة، وصلت، بحسب الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، الى 38،5٪ في نهاية العام الماضي ارتفاعاً من 32٪ في الربع الثالث من العام نفسه، ما فاقم الازمة المالية والسياسية والمعيشية.
ويعتبر صاحب اكبر مصنع للبلاستيك في القطاع ان القيود التجارية واغلاق الانفاق زادت الضغوط على اعماله التي تقدر قيمتها بنحو خمسة ملايين دولار، والتي كانت تنتج اكثر من نصف احتياجات غزة من البلاستيك.
واشار الصناعي نفسه الى ان الانتاج الاجمالي في مصنعه انخفض الى اقل من النصف خلال الاشهر الاخيرة «مما اضطرنا للاستغناء عن 15٪ من طاقمنا العمالي البالغ عدد افراده 150، بالاضافة الى خفض المرتبات بنسبة 20٪ في محاولة لمعالجة الازمة، ومع ذلك يزداد الوضع سوءاً وتأزماً».
ولا تنحصر مشكلات الصناعة في غزة بالقيود المفروضة على الاستيراد، بل تشمل ازمة الطاقة الكهربائية التي تعايش السكان قسماً معها، بحيث يمتد انقطاع التيار الى 8 وحتى 10 ساعات يومياً، ما يعني بالنسبة الى صاحب مصنع البلاستيك انفاق اكثر من 100 الف دولار شهرياً على الوقود الخاص بمولداته، ما يزيد في اكلاف الانتاج وبالتالي في اسعار التجزئة.
 

حل الخصخصة
ذكر نائب رئيس الوزراء، وزير المال في حكومة «حماس» زياد الظاظا ان الحركة مستعدة، في محاولة منها لزيادة الكفاءة، لتقبل فكرة خصخصة توزيع الكهرباء في القطاع، وانها على اتصال بكبار رجال الاعمال لهذا الغرض رغم انه ليس من المتوقع التوصل لحل سريع في هذا المجال. وفي محاولة اخرى للخروج من الانفاق المالية والسياسية اقترحت «حماس» فكرة نقل السيطرة على المعابر الرئيسية مع مصر واسرائيل الى رجال اعمال من القطاع الخاص. ولا شك في ان هذه الخطوة تحتاج الى التنسيق مع اطراف عديدة منها الرئيس الفلسطيني، ولكن من الصعب ان يلقى الاقتراح الاجماع، «وان كان يعكس تقدير «حماس» لمدى سوء الوضع» على حد قول ماهر الطباع مدير العلاقات العامة في غرفة غزة التجارية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق