الأسبوع الثقافي

«مهرجان الأبجدية الشعري الأول» في حضرة أحيرام

منذ أقدم العصور، وأبناء هذه الشواطىء اللبنانية الساحرة يرغبون بالسفر واكتشاف المجهول، ويطمحون الى الحياة الأفضل… وما زالوا حتى يومنا هذا، يكتبون ملحمة الانتشار اللبناني في كل اصقاع الدنيا… وهناك، بنوا الامجاد في شتى المجالات الحياتية، واختاروا اوطانهم الجديدة، وفي مخيلتهم تعيش ذكرى وطن تركوه! من هنا، من مدينة جبيل، انبثقت أبجدية أحيرام. ومن هنا، حمل قدموس الى العالم أجمل ما تركه أحيرام، ملّقنا البشرية كيف  تتلاصق حروف الابجدية بعضها بالبعض الآخر، لكي تولد منها كلمات المعرفة والنور في اجمل عملية خلق عرفها الانسان. من زمان كنّا ننتظر من يستحضر لنا هذه الذكرى وهذا المجد. الى أن انبرى «المجلس الثقافي في بلاد جبيل» برئاسة الشاعر الفذ أنطوان رعد، بالتنسيق مع «التجمع الوطني للثقافة والبيئة والتراث» برئاسة انطوان ابو جوده، لاقامة مهرجان الابجدية الشعري الاول في لبنان، وبالتحديد في مكان ولادة الحرف، في بيبلوس بالذات، حيث  ما زالت آثار اولئك الرّواد ظاهرة للعيان وشاهدة على حقيقة التاريخ. وذلك بمشاركة مجموعة من شاعرات وشعر اء العرب الذين أتوا الينا حاملين في دفاترهم أحلى القصائد، وأعذب الذكريات. وقد رعى المهرجان الرئيس ميشال سليمان، مشيراً الى حلول الحرف في التعبير محل الرسوم والنقوش، مرحباً بالشاعرات والشعراء العرب، ومكرماً «المجلس الثقافي في بلاد جبيل» بوسام الأرز الوطني، وبعد ذلك قدمّ رئيس «المجلس» انطوان رعد درعاً تقديرية الى الرئيس سليمان.

على اسم لبنان كان هذا اللقاء في جبيل، مهد الابجدية، كما قال الشاعر انطوان رعد، متسائلاً: «وهل قامت امجاد هذا الوطن العظيم على غير الكلمة الهادية الرسولة يكحّل بحبرها أهداب العالم فاذا الكون بأسره عرس للفكر ومهرجان للحضارة؟».

 ثلاث وثائق باقية للانسانية
وقال انطوان رعد: «في تاريخ الدنيا وثائق ثلاث تبقى للانسانية ذكراً وللعالم تراثاً: لوح الوصايا ولوح الابجدية وشرعة حقوق الانسان. وقد كان للبنان شرف لا يضاهى إذ تفرد بلوح الابجدية، كأني بيد احيرام يوم خطّت ذلك اللوح قد امتدت لتصافح يد اللّه وتهزها قائلة: أنا شريكتك في الخلق والابداع. ويوم أسهم الدكتور شارل مالك في صياغة شرعة حقوق الانسان – يومذاك – امتدت يد لبنان لتصافح يد العالم قائلة: اليد التي بنت جبيل وشادت قرطاجة ورفعت بعلبك هي اليوم ترفع معكم قلعة الكرامة الانسانية».

مشاركة ثمانية شعراء عرب
شارك في «مهرجان الابجدية الشعري الاول» ثمانية شعراء من البلاد العربية، وألقوا قص
ائدهم في منتجع «الأوريزون» السياحي في حبوب – جبيل.
كانت القصيدة الاولى للشاعر الاردني من اصول فلسطينية حيدر محمود، الذي اشتهر بشعره الوطني عن فلسطين والاردن.
استهل قصيدته بالقول:
لبنان.
. يا وطناً للسيّف والقلم
من أول الدهر يجري فيك خيرُ دمِ
الشمسُ في أفقكَ العالي منازلُها
ويغرقُ الكونُ في بحرٍ من الظلمِ
لولاك.. لانتهت الفصحى التي شرفت
بالذكر، والشعر، واختالت على الأمم
فأ
نت موئلها الفادي، ومشعلها الهادي،
وبلبلها الشادي على القممِ

ومن ثم، القى الشاعر العراقي حميد سعيد قصيدة بعنوان «أكثر من بطاقة حمراء». هو من ابرز شعراء العراق، وفي الوقت نفسه، اشتغل في التعليم فترة، ثم انتقل منذ اواخر الستينيات الى العمل الثقافي والصحافي، وله عشرة دواوين شعرية. وكُتب اكثر من كتاب عنه وعن شعره، الى جانب عشرات الدراسات والمقالات…
قال في مطلع قصيدته:
سيرفعُ البطاقة الحمراء… ضد نفسهِ
 ثم..
 يكونُ خارجَ الميدان..
 في معتزلٍ يبعدهُ عن صخب الاقنانْ
يقول.. ما خلعت صاحبي..
ولا كنتُ مع الغالبِ..

 حاولتُ اختيارَ لُغتي..
في ما أرى وما أقولُ
حتى لا أضيعُ في متاهة الديجورْ
بعدَ اغترابِ النورْ

 ثلاث شاعرات
من المغرب حضرت الشاعرة مليكة العاصمي الت
ي تعتبر من الرّواد المؤسسين لحركة الحداثة الشعرية وما بعد الحداثة في المغرب. وهي ايضاً كاتبة وباحثة تشتغل بالدراسات الفكرية والانطروبولوجية والتراث الشعبي، ونائبة في البرلمان المغربي، لها دواوين شعرية عدة، وترجمت اعمالها الى عدد من لغات العالم، ومؤلفات اخرى.
وهنا احدى القصائد التي القتها مليكة العاصمي، وهي بعنوان «مقصلة»:
عناكبُ المساء
اسبلت خيوطها على اريكةٍ

تقبعُ في زاوية المتكإ المهجور.
 لعلهم بادوا
ونحن في انتظارهم
 نعالجُ الآمالَ، والقصائد المنفعلة.
يقتلنا الوقتُ المقيتُ ساعةً.

 نقتلهُ للحظةٍ.
ولحظةً، يخرجُ من ردائهِ
ويرتدي قبعةَ الجنونْ.

فيفتحُ الشعرُ لهُ باباً
ليدخلَ القصيدةْ.
يمجُّ وجهُ العنكبوتِ خيطهُ

فتخسفُ الارضُ
وتختفي، ارائكٌ، مع انت
ظارها،
في المقصلة.

وشاركت في المهرجان الشاعرة السورية سهام الشعشاع. لها من الاصدارات: «كأني لم أكن يوماً»، وكتاب «اني اختزلتك آدماً»، كما انها كتبت العديد من الاغنيات لعديد من نجوم الغناء.
من الجزائر حضرت الشاعرة حنين عمر، صاحبة مجمو عة «حين تبتسم الملائكة» واخرى بعنوان «سر الفجر 2009 وباب الجنة»، وترجمت اعمالها الى لغات عدة… عملت في الصحافة الثقافية والفنية، كما اشتغلت بالترجمة (عربي- فرنسي).

تحية من طِيبةَ الى جبيل
الشاعر فؤاد علي طمان جاء من مصر الى لبنان، حاملاً تحية طِيبةَ الى أختها جبيل، عبر قصيدته. له تسع مجموعات شعرية، وترجمت مختارات من شعره الى اللغات الانكليزية والفرنسية والايطالية والاسبانية واليونانية.
جاء في مطلع قصيدته الطويلة:
مرحى جبيلُ.. هنا الغزالة شيدّت
خدراً لها في شطكِ الفتّانِ

وانا ابنُ طيبةَ.. أختكِ الكبرى التي
صَحِبَتْكِ منذ تفتُّحِ الأزمان
أهدت لهيكلك القرابين التي
تستنزل النُّعمى على الوديان
الابجدية بدؤها نقشٌ على
ما خلدَ التاريخُ من بُنيان
شاد الملوك على رباك اساسهُ
ومضوا وقرّ النورُ في الجدران
وسرى ليجتاح الظلامَ.. فأبشري
فالحرف نور اللّه في الاكوان!

❊❊❊
نَمَت الحضارةُ في ربوعك بينما الدّ
دُنيا ظلامٌ.. شقَّهُ جرمانِ
قمرٌ على نيل الفراعنة استوى
والآخر الساري على لبنانِ

قصائد بعيدة عن السائد
ومن تونس حضر الشاعر المنصف  المزغنّي، والقى قصائد عدة، وكلها بعيدة عن السائد. له دواوين عديدة. وهو مدير «بيت الشعر» في تونس سابقاً. عمل في مؤسسات تربوية و ثقافية مختلفة.
وهنا مطلع قصيدة «كلام بطة»:
-1-
أمُّ الشاعر قالت:
«يا ابني…

 قتلَ اللهُ الفقر.
لا أملكُ أوراقاً نقديهْ
لشراءِ الحبرْ
وأبوكَ
لم يتركّ إلا ريشة بَطّ برية».
-2-
بالريشة صار الشاعر يكتبُ أغلى
الشعر
والأمُ تدونُ هذا الغليان بحبر الذاكرة
الشعبية
حتى دوى في آذان القصر
والحاكمُ اصدر هذا الامر:
«قررنا:
إعدام الفقر
وقررنا:
إهداء الشاعر أقلاماً ذهبيهْ
ومحابر فضيهْ
ودفاتر ورديهْ
وأخيراً حزمة أوراقٍ نقديهْ».

هل يسأل من علّم الكنَارَ الغناء؟
وفي الختام ألقى الشاعر انطوان رعد قصيدة لبنان. قصيدة عصماء تليق بالمكان  والزمان. اسمها «القصيدة الدّرس» وجاء في مطلعها:
جئتُ أحكي عن أمَّتي أشياءَ       فامنحوني يا سادتي الاصغاءَ
نحنُ من علَّمَ الشعوب فمنْ        لبنان يومَ الوجودُ كان خواءَ
يوم عقلُ الزمان كان ضريراً       ضلَّ في عتمة السبيل السواءَ
ها هنا في جُبيلَ عاشَ أحيرامُ      وأهدى الى الورى الألفباءَ
والبرايا في الكون علّمها النطقَ    وكانت من قبله بكماءَ

❊❊❊
إيه قدموسُ يا معلمُ شعشع           في دجى العقل كوكباً وضاءَ
كلُّ حرفٍ من الحروف  الدراري    غمر الكون رونقاً وبهاء
أنت غيرُ الغُزاة تنزل قفراً           فتخليه جنة خضراء
نحن ميراثك احتضنا فيا جدي       بارك احفادك النجباءَ
لا تُسَلْهُمْ عن الوفاء وهل يُسألُ      منْ علَّم الكَنارَ الغناءَ؟

تحية الى الرّواد الاوائل
تخلل المهرجان مسيرة طويلة، كتحية الى الرّواد الجبيليين الأوائل للحرف  وناشريه في الكون. انطلقت المسيرة من ساحة الرئيس سليمان، مروراً بالسوق القديمة على انغام الموسيقى، وصولاً الى ناووس احيرام في القلعة التاريخية المزدانة بأقدم أبجدية في العالم.

اسكندر داغر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق