الاقتصادمفكرة الأسبوع

اثيوبيا تستفرد مصر لبناء سدها الكبير

اشارت وكالات الانباء الى ان اثيوبيا تتقدم في بناء «السد الكبير» على النيل، والذي باشرته في ايار (مايو) 2013 ويتوقع انجازه في 2017. فهل يعيد هذا الحدث التوتر الدبلوماسي مع مصر؟ وهل يفضي الى استخدام السلاح للدفاع عن «الحقوق والمصالح»؟

معلوم ان الوضع الجيو-سياسي لحوض النيل قد تبدل مع اعلان اثيوبيا الرسمي اعتزامها المباشرة ببناء «سد النهضة الكبير» على النيل الازرق. وما لبث هذا الاعلان ان ايقظ لدى مصر الخوف من نقص المياه، واعاد جو التوتر الاقليمي حول التحكم بمياه هذا النهر. ولا ننسى ان الرئيس المصري السابق محمد مرسي كان  قد اطلق التهديدات في 10 حزيران (يونيو) الماضي بقوله: «بصفتي رئيساً للجمهورية اؤكد لكم ان كل الخيارات متاحة وموضوعة على الطاولة». واضاف  «ان مصر هي هبة النيل، والنيل هبة مصر». ووصف احدهم ردة الفعل المصرية على قرار اديس ابابا يعني الاحساس بان حياة مصر موقوفة على حبل الصرة هذا.

اصرار اثيوبيا
ورداً على تهديدات مرسي قالت دينا مفتي، الناطقة باسم وزارة الخارجية الاثيوبية: «ان اثيوبيا لن ترضخ للحرب النفسية التي تخوضها مصر ولن تعلق بناء السد ولو لثانية واحدة». واوحت بأن بلادها تسقط فكرة «الحق التاريخي» لمصر في مياه النيل، معتبرة ان هذا الحق هو جزء من «الحقوق الاستعمارية غير المشروعة».
لقد بقيت اثيوبيا – التي تخرج فيها 80٪ من مياه النيل – طوال القرنين الماضيين قيد الاهمال والاغفال، لذلك تسعى اليوم لفرض وجهة نظر مختلفة لحوض النيل، وتقاسماً جديداً للمياه. في حين ان مصر بقيت نحو قرنين من الزمن القوة المسيطرة على حوض النيل، لكنها اليوم «مصابة» بالتو ترات الشرق اوسطية، والضعف  المستمر في اقتصادها، والتنمية المتراجعة، وهذا يعني ان هناك عوامل عديدة تؤدي الى كون مصر مجرد دولة محاذية للنيل، ومحرومة من كل قدرة على الحركة، بالاضافة الى انها مرهونة للخارج بامدادات المياه، التي يؤمنها لها نهر النيل، الذي تنطلق مصادره من مسافة مئات الكيلومترات من حدودها الجنوبية، حيث  يؤمن النيل الازرق  و«سوبات» و«اتبرا» 80٪ من موارد النيل الاجمالية،  وفي اوغندا يؤمن النيل الابيض 20٪.

عقود التقاسم
حتى الآن، تحصل مصر على حصتها من مياه النيل وفق ما نصت عليه اتفاقات 1959 الموقعة مع السودان في اطار تقاسم المياه بنسبة 55،5 مليار متر مكعب سنوياً لمصر، و18،5 مليار متر مكعب للسودان. مع العلم ان متوسط الكتلة المائية الاجمالية يبلغ سنوياً 84 مليار متر مكعب. اما العشرة المليارات الباقية فهي ضحية التبخر في «بحيرة ناصر» التي نشأت من خلال بناء سد اسوان الذي وضع في الخدمة عام 1964. وهكذا لم يحسب لاثيوبيا، ولا للدول  الاخرى على ضفاف حوض النيل اي حصة من المياه. وترفض اثيوبيا اليوم اي اعمال مائية مشتركة
 قبل انجاز بناء سدها الكبير.
وفي العام 2010، تمكنت اثيوبيا من الحصول على معاهدة تعيد تنظيم ادارة مياه النهر، وتؤسس لمشاريع بناء. وقد وقعت الاتفاقية كل من كينيا وبوروندي واوغندا وراوندا وتانزانيا. ونصت هذه المعاهدة على انشاء لجنة تجمع ممثلي الدول المجاورة، اوكل اليها قبول او فرض المشاريع المائية الضخمة، سواء كانت سدوداً او قنوات او اي شيء مماثل يكو ن له تأثير على مجرى النهر وكتلته المائية ونوعيته. و قد احدث هذا «التحالف السداسي» (من اصل اعضاء مبادرة حوض النيل التسعة) خضة في المنطقة، اذ رفضت مصر توقيع هذه المعاهدة الا اذا اعترف  الموقعون الستة بانهم لا يسعون وراء احداث تعديل في تقاسم الحصص، واعترفوا ايضاً بـ «الحقوق التاريخية» لكل من مصر والسودان.

خلفية اديس ابابا
ان اختيار اثيوبيا اسم «النهضة» للسد الكبير ذو خلفية واضحة، معناها ان «نهضة اثيوبيا» تعني شهوة هذا البلد لدور اقليمي فعال بخلاف الحقبات السابقة. ويعني هذا الطموح ايضاً رغبة اديس ابابا في دور جيو-سياسي في الدرجة الاولى في مناطق النفوذ الثلاث  وهي البحر الاحمر  وحوض النيل، وافريقيا الشرقية. وقد عبرت عن هذا الطموح في مناسبتين رئيسيتين خلال الثلاثين سنة الماضية، وتتمثل باعتراضها على مشروع حفر قنال «جونغلاي» في السودان، ودعمها لانفصاليي الجنوب،  والمناسبة الثانية انخراطها في الحرب الاهلية في الصومال من خلال دعمها لمناهضي الحركات الانفصالية.
واذا كانت اديس ابابا مالأت الغرب في هذين التوجهين فانها ارتكزت اخيراً على الصين في خروجها من عزلتها وسيرها في طريق الدور الاقليمي المنشود مع حرصها على عزل السودان عن التحالف مع مصر والصومال، من خلال افادته من مياه ا لسد الكبير لزيادة المساحات الزراعية المروية، والحؤول دون الفيضانات المزمنة التي كانت تتعرض لها منطقة الجزيرة الزراعية في اقليم الخرطوم.

ميزات السد
من المقرر ان ينتج سد النهضة 6 آلاف ميغاواط من الكهرباء ابتداء من 2015 – 2016، ما سيؤمن لاثيوبيا اكتفاء ذاتياً من الطاقة مع فائض يمكن تصديره الى دول الحوض الاخرى، بالاخص السودان في قسميه الجنوبي والشمالي، وحتى مصر مستقبلاً، اذا لم يتحول السد الى مادة نزاع مسلح بين البلدين. وبحكم موقعه الجغرافي يمكن ان يساهم السد في تطوير الري، وبالتالي الانتاج الزراعي في السهول العليا على ضفاف السد، وكذلك في المناطق الوسطى والشرقية. لكن جزءاً من الماء المخزن في البحيرة والذي سيبلغ 63 مليار متر مكعب سوف  يستخدم لانشاء مشاريع جديدة للري حول البحيرة، وتقدر بعض الدراسات مساحات هذه المشاريع بنحو 500 الف هكتار.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق