آدب

صلاح سلمان… ثلاثة فصول عن حياته

بعدما برز اسمه في اكثر من مكان، وفي اكثر من ميدان… وبعدما تبوأ اكثر من منصب، ولعب اكثر من دور، ومارس اكثر من نشاط… وبعدما حقق اكثر من انجاز وفي اكثر من مجال، استحق الدكتور صلاح سلمان التقدير  والتكريم. هو ابن العائلة السلمانية العريقة التي اعطت الوطن في ميادين مختلفة… فهو الطبيب المتخصص في امراض الأذن والأنف والحنجرة، وهو الكاتب المتميّز الذي اصدر كتباً عدة باللغة الانكليزية، وكتاباً بعنوان «في حكومة لم تحكم» بالعربية، الصادر أخيراً عن «دار النهار للنشر» في بيروت، وفيه يحكي عن تجربته في تلك الحكومة التي لم تحكم! والدته زهية سلمان التي نشطت في العمل الاجتماعي، وشقيقته الشاعرة والصحافية نور سلمان، وشقيقه المفكر والصحافي فريد سلمان. نال جوائز عدة، منها جائزة «بنرود» التي تمنح للمتميزين بالتفوق العلمي والقيادي والخلقي من الجامعة الاميركية في بيروت، وجائزة من مؤسسة بوسطن الدولية، واخرى من كلية الطب في جامعة هارفرد الاميركية. واليوم، كرّمته «الحركة الثقافية – انطلياس».

انطلاقاً من هنا، لفتت الدكتورة اسمهان عيد، الى ان في هذه الرحلة الصعبة من تاريخ هذا الوطن، حيث غياب الرؤية، والقلق على المصير، تأتي «الحركة الثقافية – انطلياس» لتضيء شمعة في وسط هذا الظلام الدامس فترفع مثقفيها وتكرّمهم، تجمع الاضداد، تؤالف بين الطوائف والاحزاب، فتخط بذلك عامية انطلياسية جديدة قائمة على الثقافة الوطنية الجامعة، وعلى مبادىء اللاعنف واللاطائفية واللاعنصرية.

طب وسياسة وأدب
اعتبرت اسمهان عيد ان «الحركة» تكرّم علماً من اعلام ثقافتنا الذي جمع الى الطب، السياسة. مالت نفسه الى الطب الاكاديمي حيث مجال الخدمة الانسانية اوسع، تلك الخدمة التي هواها ومارسها منذ ريعان شبابه في مخيمات العمل التطوعي في لبنان واوروبا. اما العمل السياسي فأحبطه وآلمه وهو الشاب الحالم بوطن قوي. هاله الفساد والسلطة الخارجة عن الدولة، فلا الحاكم حاكماً، ولا الموظف موظفاً، ولا الطبيب طبيباً، بل غالبيتهم تجار، فثار منتقداً الاطباء والحكّام، وحاول الحد من الفساد، ولكن محاولاته لم تكن كلها تتكلل بالنجاح، انما الفضل لمن يحاول ولا ييأس.
مشيرة الى ان بعد عقود من الزمن على ممارسته العمل السياسي نشر كتابه «في حكومة لم تحكم» محاكياً فيه طلاب الجامعات وهم الامل المنشود في الثورة «على الطائفية والفساد» لانقاذ لبنان. حسب
سلمان انه حاول ان يساهم في بناء الوطن – الدولة. كما الّف كتباً طبية باللغة الانكليزية ضمّن أحدها نقداً لاذعاً للأطباء، ولا سيما في جامعة هارفرد الاميركية، لانهم تناسوا رسالتهم الانسانية وحوّلوا المهنة – الرسالة، الى تجارة.

تصميم على بلوغ الهدف
ومن ثم، تكلم الدكتور كرم كرم، الاستاذ والطبيب في الجامعة الاميركية في بيرو ت، والوزير الأسبق، والمؤلف لعدد من الكتب في اختصاصه… تكلم بشكل موسّع وشامل، عن المكرّم الدكتور صلاح سلمان، معتبراً ان منّا من يمرّ عابراً، نتذكره طيفاً او نعرفه صديقاً او قريباً. ومنّا من يترك بصمة تبقى عالقة في الفكر، دامغة في الاذهان. صلاح سلمان واحد منهم. لم يرضى ان يكون طبيباً فقط، وقد ترعرع في كنف  الطب وذاق  مشاربه. ولم يكتف بأن يعمل في الادارات الطبية وفي أهم صروحها، في لبنان واميركا، بل تعداهما طموحه ليبلغ اعلى مراكز ادارة الدولة عندنا. وهو في ذلك كله، سواء كان استاذاً في كليات الطب، او جرّاحاً في مشافيها، أو وزيراً في حكومات مختلفة وفي حقائب متباعدة، هو في كل هذه الرجل نفسه: تصميم على بلوغ الهدف، عناد في ما يراه حقاً واستقامة في الاداء لا تلحظ لوماً ولا تأبه عتباً.

الرحيل الى جامعة هارفرد
تحدث الدكتور كرم كرم، عن ثلاثة فصول من عمل الدكتور صلاح سلمان، عن الطبيب والسياسي والكاتب.
عن الطبيب، يرى كرم، انه من طالب متفوق الى جرّاح متمكن واستاذ متميز، حافظ على نمط من صفات طبعت مسيرته. براعة في الاجراء، دقة في التشخيص وقدرة في العلاج. كان دأبه البحث عن جذور المرض. فما ارضته الحلول انصافاً ولا اعتبر دوره  فيها انصافاً. لجوج في ملاحقة المعرفة وحريص على الالمام بشواردها. يسأل بلهفة من يتوقع جواباً على تساولاته، وكأنك تعرف ما هو جاهله. هو في الواقع يكتنز كثيراً من المعرفة وفيضاً من الخبرات. لكن سؤاله يوميء أنك تغنيها. عمل في الجامعة الاميركية ببيروت وترأس دائرة الانف والاذن والحنجرة فيها. تتلمذ على يديه كثير من الاختصاصيين في هذا الحقل لاكثر من عقد ونيّف من الزمن. ولكنه ترك الى الولايات المتحدة الاميركية وجامعة هارفرد في اواخر الثمانينيات.

معاناة في ماساشوستس
تساءل كرم كرم: هل كان صلاح سلمان سعيداً حيثما حلّ؟ هل اشبعت تلك البلاد رغباته وهل حققت آماله؟ أكان راضياً عن قراره وقنوعاً بما آل اليه؟ ولفت الى ان كتابه عن «احياء دور الطبيب في العناية بالمريض» الصادر عام 2011، بعد تركه العمل في مستشفى ماساشوستس العام، وانتقاده لممارسة الطب كما خبرها هناك، يظهر كم هو عانى من عمله فيها، رغم الاسم الكبير والشهرة الواسعة. شعر ان دور الطبيب تهمش، من اهتمام بمريضه ورغبة في شفائه، الى اهتمام برقمه… داعياً الى ثورة على النظام الصحي القائم المتمحور حول الربح المادي، والانتقال الى نظام اكثر عدالة.

من العمل الاكاديمي الى مراكز القرار
اما عن صلاح سلمان السياسي، فان كرم كرم يرى، ان شغفه بالسياسة كان منذ صغره. وقد ترعرع في بيت عرفه، وفي كنف والدة نشطت في العمل الاجتماعي والمجتمع المدني. فطالما سمعنا بالسيدة زهية سلمان وعرفنا اعمالها وتقديماتها. وما ان جاء العام 1972، وبعد شغور موقع وزير الصحة العامة حتى اختير لهذا المركز المتقدم. جاء اليه من خلفية اكاديمية، استاذاً في كلية الطب. وهو من اوائل من انتقلوا من العمل الاكاديمي الى مراكز القرار في الدولة، شأن الدكتور نجيب ابو حيدر والدكتور عدنان مرّوه، وتبعهم البعض.
ويعزو المتكلم السبب في هذا الانتقال: شعور المسؤولين بالحاجة الى غطاء علمي وخبرة متخصصة. اما اهل هذا الخيار، فهو النجاح المهني و البروز الاجتماعي، الذي قرّب المختار من صاحب القرار او المحيطين به، من واجهة الطب الى واجهة السياسة. كانت الاقامة في الصحة قصيرة نسبياً، لكنها ادخلته الى نادي الوزراء او المرشحين الدائمين للوزارة عن طائفته.
ثم كان عام 1976 حين فوجىء الجميع إلا هو ربما، بتعيينه وزيراً للداخلية. طبيباً لامعاً، ناجحاً، ليدير شؤون الامن! من اختاره لهذا المنصب عرف حتماً صرامته و انضباطه والتزامه بالقوانين والاعراف. عرف تقيده بالنظام العام وقدرته على الحفاظ عليه في آن.
ما يذكره الدكتور كرم كرم عن تلك الحقبة، تبايناته المتكررة مع رئيس الجمهورية وفريقه الحاكم، من وزير الخارجية الى مدير الامن العام، وبعض مسؤولي الوزارة المحسوبين على الحكم. ظنوا انهم بالاتيان به وزير اً ملكوه او ملكوا موقفه وقراراته ولم يدروا ان عناده وعزّة نفسه كانتا اقوى من ولاء لهم افترضوه.

اسم على غير مسمّى!
وهنا، لفت الى ما كتبه الدكتور سلمان عن تلك الفترة «في حكومة لم تحكم». وفاته ان من خبر الحكم مثله يقول: في حكومات لم تحكم. كان وزيراً في وزارة سيادية هامة اعطيت لطائفة اقلية. هذا كان قبل الطائف. (طائف، طوائف، طائفية. دلالة الاسم لها مغزاها) حينها الحاكم كان رئيس الجمهورية وبطانته من وزراء ومسؤولين ومستشارين. بعد الطائف اصبحت الوزارات المسماة سيادية، حكراً على الطوائف الاربع الكبرى، فوفرت على الصغرى همّ السيادة. اما الحاكم فأصبحت الحكومة مجتمعة، إسماً على غير مسمّى، وجسماً برأسين…

مؤلفات في الطب والسياسة
اما عن الكاتب صلاح سلمان، فيرى كرم، في ان ينشط سلمان اجتماعياً فلا غرابة. هذا دأبه. اما ان يزيد نشاطه بعد تقاعده ويتعداه الى الكتابة فأمر ملفت. في هذه الحقبة اصدر كتابيه: الاول بالانكليزية عن احياء دور الطبيب، والثاني باللغة الأم، «في حكومة لم تحكم». يبقى منه لنا وللاجيال الطالعة مؤلفان في الطب والسياسة وضع فيهما عصارة خبرته ونتاج تجربته. في كليهما غلب طابع النقد للمتداول من ممارسة، سواء في السلطة هنا، او في المهنة الانسانية هنا وهناك؟ حيث ترك العمل الطبي عام 2009 وعاد الى لبنان.
قال له بعد عودته: «تصوّر انه بعد عمل دؤوب على مدى عشرين عاماً، ما بادلوني به هو بطاقتا معايدة في رأس السنة».
هنا، يرى الدكتور كرم كرم، ان شعبنا مهما تألبت عليه الظروف وعانى من صعاب، يبقى اكثر وفاء وأشد اخلاصاً. يبقى للعلاقات الانسانية حرارتها ويحفظ للود مكانه وللصداقة اواصرها.
عاد صلاح سلمان الى لبنان وعادت اهتماماته بشأنه وقضاياه. فتح في كتابه عن حكومة لم تحكم نقاشاً عن الحكم وفيه، وعن معاناة الوزير غير الملتزم الا بالقضايا العامة، وغير المنحاز الا لقضايا الناس والوطن.
وفي الختام، شكر الدكتور صلاح سلمان «الحركة الثقافية – انطلياس» واعتبرها واحة في صحراء لبنان. كما شكر صديقه القديم الدكتور كرم كرم.

اسكندر داغر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق