الأسبوع الثقافي

جلال خوري… تعادل مفقود بين مؤلف وممثل!

منذ اكثر من نصف قرن، ما زال المؤلف والمخرج المسرحي جلال خوري يواكب الحركة المسرحية في لبنان، ومسرحيته الجديدة تحمل عنوان «خذني بحلمك مستر فرويد…» وهي هزلية مطعّمة بالفكر وبالمسائل المصيرية التي تعاني منها الانسانية…
انها قصة ممثلة ومخرج، تعاونا في السابق ، يلتقيان من جديد بهدف انجاز مسرحية حول الفرعون المريب أخناتون (1337-1370 ق. م.) الذي يعتبره المخرج مطلق – في آن – التوحيد والتزمت الديني، التكفير… لكن المشروع يتعثّر بسبب ذيول نزاع قديم بين الاثنين، خصوصاً عند الشروع في عملية ارتجال بهدف اغناء حوارات العمل، فيجري تبادل ملتو يتحول  الى تصفية حسابات قديمة يُسترجع عبرها ماضٍ متوتر لا يزال حاضراً. المسرحية تحكي قصة صدام شخصي على خلفية عقائدية يدخل عليها خلسة سغموند  فرويد صاحب نظريات تحليل النفس الشائعة… اما الاناشيد المواكبة بأداء مباشر فيحييها سامي حواط وفرقة «الرحالة»، فتدخل على هذه الاستحضارية الهزلية مناخاً يسطّر معانيها ودلالاتها.
الفنانة مي سحاب تقوم بدور «الممثلة»، والفنان  فادي متري يقوم بدور «المخرج».
في هذا الاطار، يقول مؤلف ومخرج المسرحية جلال خوري: «تعتري الانسانية اليوم مصيبتان، ولو بنسب متفاوتة وعلى أصعدة مختلفة: الرأسمالية والتزمت. يعود امر الرأسمالية، في تناميها السرطاني الجامح، الى معطيات مادية خرجت عن سيطرة من أقدم على تعميمها. من جهته، التزمّت الديني، في نهجه الاقصائي، حيث  ما وُجد ومن أي زمان أتى، هو رهن تلمّس عقائدي متطرف  ومشوه للأمور الايمانية، غالباً ما توظفه اوساط او سلطات استبدادية منحرفة لغاياتها الخاصة. ومن المفارقات في عصرنا هذا ان يتغذى التزمّت والرأسمالية الواحد من الآخر…».
الى ان يقول جلال خوري: «سيغموند فرويد، في كتابه الشهير «موسى الرجل والتوحيد»، من اهم الذين تطرّقوا الى ظاهرة الفرعون المريب «أخناتون»، فاعتبره اول من بادر الى اختصار
الآلهة بواحد، وتباعاً، من زرع بذور التزمّت عندما أخذ يقصي كل من يتعبّد الى غير إلهه «آتون»، بعد أن تمثّل به صراحة: «أنا هو…».
وخلص الى القول: «من الرأسمالية الى التزمّت، المسرح معنيّ بوقع الاوضاع المصيرية على الاذهان: للدلالة والمعرفة… والمتعة».
ما قاله جلال خوري، صحيح الى حدّ بعيد: المسرح معني… فهو معني بطرح المسائل الكبيرة، والاضاءة عليها، ومعالجتها، وخصوصاً عندما تكون بحجم المصائب التي تجتاح الكون… والمسرح معني باعادة الحياة اليه وانقاذه من الموت، بعدما سار بعيداً نحو السهولة المفرطة، ونحو طرح الموضوعات الهزيلة الخالية من الفكر والامتاع معاً.
اذاً، فان جلال خوري، قدّم لنا «استحضارية هزلية لممثلين ومنشد» – كما يسميها – تزاوج بين الواقع والخيال، بين الماضي والحاضر، بين الفكر والمتعة، من خلال لعبة مسرحية ذكية وبسيطة، بلا ابهام او غموض وبلا تعقيد.
ولكن السؤال الذي تبادر الى ذهني وانا اشاهد المسرحية في عرضها الاول، هو: هل وصلت رسالة جلال خوري الى الجمهور، او بالاحرى، الى اي مدى استطاعت مي سحاب، وفادي متري، توصيل ما يود المؤلف قوله؟
اسارع الى القول: لقد وصلت الرسالة ولم تصل روحها، استوعب الجمهور احداثها وافكارها وتطلعاتها بشكل باهت، من دون ان تحرك مشاعره… وباختصار: لم يكن التمثيل في مستوى التأليف الذي يتقنه جلال خو ري تمام الاتقان!
في الوقت نفسه، تذكرت ما قاله الكاتب الفرنسي المبدع مارسيل  بانيول عن الفنان العبقري ريمو الذي جسّد شخصية «سيزار» في ثلاثية بانيول الرائعة والشهيرة «ماريوس» فاني، سيزار»: «لقد عبّر ريمو على المسرح وفي السينما عن شخصية «سيزار» خيراً مني، حتى يخيّل للمتفرج بأن «سيزار» هو انسان من لحم ودم…».
ولكن عندما نعرف  المصاعب التي اعترضت طريق  مسرحية «خدني بحلمك مستر فرويد…» التي انجزت في وقت قصير جداً، ندرك – عندئذٍ – ما وراء الهنات التي تخللت الاداء خلال العرض الاول، وهو دائماً، وفي كل مسرحية، لا يعوّل عليه.
وتبقى «خدني بحلمك مستر فرويد…» محطة بارزة في مسيرة جلال خوري المسرحية.

اسكندر داغر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق