الاقتصادمفكرة الأسبوع

الاتحاد المغاربي: ربع قرن من الخيبة

ربع قرن من قيام اتحاد المغرب العربي لم يفضِ الى اي اندماج اقتصادي وتجاري بين الدول الخمس التي يتكون منها الاتحاد (الجزائر، المغرب، تونس، ليبيا وموريتانيا) في ظل  طغيان العاملين الامني والسياسي على اهتمام المنطقة.

لم ير نحو 700 من رجال الاعمال والمستثمرين ومحافظي المصارف المركزية في اختتام الدورة الثالثة للشركات المغاربية غضاضة في اعتبار ربع القرن من عمر اتحاد المغرب العربي مخيباً للآمال على كل المستويات، بحيث بقيت كل دولة من الدول الخمس تنهمك بمشاكلها ومشاغلها وخلافاتها من دون ان تمد جسوراً ثابتة في اتجاه الاشقاء «اللدودين» اذا امكن القول.

التكامل الافتراضي
واعتبر المشاركون في المؤتمر الافريقي الذي عقد في مراكش ان غياب الاندماج المغاربي يكلف  شمال افريقيا خسائر اقتصادية تقدر بنحو 3٪ من الناتج الاجمالي في منطقة تضم اسواقها الاستهلاكية نحو 90 مليون نسمة، وثروة اجمالية تقدر بنحو نصف تريليون دولار، وفائضاً مالياً وصل الى 28 مليار دولار عام 2012، واحتياطاً من العملات الصعبة يتجاوز 352 مليار دولار.
ويتضح من المنافشات داخل المؤتمر ان التجارة البينية المغاربية هي الاقل اندماجاً في العالم، بحيث  تقل النسبة عن 3٪ من المبادلات، بينما تصل الى 25٪ في دول جنوب شرق آسيا، و16٪ في السوق المشتركة لدول اميركا الجنوبية.
ويلاحظ في تحليل الفشل الاتحادي ان العاملين الامني والسياسي يطغيان على اهتمام المنطقة المغاربية وخلافاتها داخلياً واقليمياً، في وقت تتجه دول العالم نحو تشكيل تكتلات اقتصادية، ومناطق تجارية حرة، واسواق استهلاكية مندمجة وشركات استثمارية كبرى، بينما تبقى الدول المغاربية غائبة عن المسرح الدولي اقتصادياً وتجارياً، على الرغم من تكاملها الافتراضي، وخيراتها الضخمة في مجالات الطاقة والسياحة والزراعة، والمعادن، وثرواتها الطبيعية والبشرية، وقربها من الاسواق الاوروبية والعربية والا فريقية.

خطوات خجولة
واللافت في ما عرضه المؤتمرون ان متوسط نسبة البطالة في كل الدول المغاربية يقدر بنحو 12٪، والادهى من ذلك، هو ان هذه النسبة تصل الى 40٪ لدى حملة الشهادات الجامعية وسكان المدن الكبرى. واظهرت احصاءات ان معدلات البطالة في شمال افريقيا زادت بين 1و2٪ في المتوسط سنوياً طيلة السنوات الاخيرة ارتباطاً بالاوضاع التي شهدتها المنطقة من انقلابات واحتجاجات وحروب داخلية.
ويعزو المصرف المركزي المغربي ارتفاع بطالة الشباب الى ضعف المنظومة التعليمية التي تعاني من صعوبات الكفاءة وعدم توافقها مع متطلبات سوق العمل، ما يؤثر سلباً على التنافسية لتلك الدول التي لا بد من الاعتراف  بقيامها ببعض الخطوات الخجولة كانشاء «اتحاد المصارف المغاربية» عام 1990، ومشروع «البنك المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية».
لكن هذه المبادرات لم تحقق سوى انجازات مالية محدودة منها فتح فروع مصارف تونسية في الجزائر، وفروع مغربية في تونس، وادراج اسهم بعض الشركات في بورصتي الدار البيضاء وتونس.

صندوق النقد يتدخل
وتعبيراً عن رغبته في دعم تنفيذ الاتحاد الخماسي، سبق لصندوق النقد الدولي ان حض الدول الخمس عام 2005 على تنظيم مؤتمرات اقليمية يشارك فيها ممثلون عن المؤسسات المالية الدولية لوضع الاسس الكفيلة بتحقيق  اندماج اقليمي يشمل القطاعات المالية والاقتصادية والتجارية، ويتجاوز الصعوبات الناتجة من المحيط السياسي غير الملائم.
وتنطلق خطوة الصندوق من تجارب سابقة في مناطق عدة من العالم تمكن فيها الاقتصاد من تجاوز العقبات السياسية، كما حصل بين فرنسا والمانيا عقب الحرب العالمية الثانية، وبين الرباط والجزائر عند انشاء انبوب الغاز المغاربي، انطلاقاً من الصحراء الجزائرية الى جبل طارق عبر الاراضي المغربية عام 1993.
ولم يكتف الصندوق ببيانات التوجيه والنصح، بل عمد الى عقد سلسلة اجتماعات تناولت سبل تجاوز الخلاف السياسي، وترجح المصالح الاقتصادية، وتسهيل المبادلات التجارية، والتنسيق  الجمركي، والاصلاح المالي، ودور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والاندماج الاقليمي، اضافة الى مواضيع اخرى مثل الاستثمارات البينية والعمل والبنى التحتية، غير ان التباعد السياسي تطور، ولا سيما في ظل «الربيع العربي» الذي انطلق من تونس ومنها الى ليبيا والمشرق العربي.
ويعتقد محللون ان التوسع المغربي الاقتصادي والثقافي نحو افريقيا من الاسباب غير المباشرة للخلافات الجديدة – القديمة بين الجزائر والمغرب، تارة حول الحدود، وطوراً حول النفوذ، ما يؤشر الى ارجاء اي اندماج مغاربي الى مرحلة غير قريبة.

الاتحاد من طنجة الى زرالدة
ظهرت فكرة الاتحاد المغاربي قبل الاستقلال، وتبلورت في اول مؤتمر للاحزاب المغربية الذي عقد في مدينة طنجة بتاريخ 28-30/4/1958، والذي ضم ممثلين عن حزب الاستقلال المغربي، والحزب الدستوري التونسي، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية وبعد الاستقلال كانت هناك محاولات نحو فكرة تعاون وتكامل بين دول المغرب، مثل انشاء اللجنة الاستشارية للمغرب العربي عام 1964 لتنشيط الروابط الاقتصادية بين دول المغرب العربي، وبيان جربة الوحدوي بين ليبيا وتونس عام 1974، ومعاهدة مستغانم بين ليبيا والجزائر، ومعاهدة الاخاء والوفاق بين الجزائر وتونس وموريتانيا عام 1983. ومن ثم اجتماع قادة المغرب العربي في مدينة زرالدة في الجزائر يوم 10-6-1988، واصدر بيان زرالدة الذي اوضح رغبة القادة في اقامة الاتحاد المغربي، وتكوين لجنة لضبط وسائل تحقيق الوحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق