تحقيق

الاكثر قراءة… الجنس اولاً، الجرائم، والسياسة آخرا!

هي مجرد «كبسة زر» ويبدأ الإبحار على موقع إخباري. سياسة، فن، إقتصاد، صحة، تحليلات سياسية… كلها مهمة لكن بالنسبة إلى اللبناني كلها أخبار روتينية. المطلوب ما يثير خياله ويقفز فوق العادة. كبسة زر جديدة لكن هذه المرة على خبر يتعلق بموضوع الجنس. الخبر يستوقف القارىء اللبناني. ليس لأنه بات منفتحاً اكثر من اللزوم أو مهووساً بأخبار الجنس. لكن للخبراء في شؤون مواقع التواصل الإجتماعي قراءة مختلفة: الجنس والمواضيع التي تتعلق بالإثارة والأخبار الغريبة والجريمة هي في الطليعة. واضح أن خيارات اللبناني لم تعد نفسها تماماً كما حال البلد وأخباره. وإذا كانت السياسة عنواناً لكل تفصيل في حياته اليومية إلا أنها حتماً لم تعد الطبق الذي يفضل تناوله على مائدة صباحاته ولا حتى في أوقات الإسترخاء.  نتكل على إنتقائية اللبناني في تقليب صفحات الإنترنت؟ لم لا؟

إذا انطلقنا من الفوارق بين «الصحيفة الإلكترونية» و«الموقع الإخباري الإلكتروني» نرى انها تتميز بمروحة واسعة. فالصحيفة الإلكترونية قامت على الورق وبالصورة التقليدية تماماً كأي صحيفة عادية. لكن القيمين عليها قرروا مجاراة العصر فأنشأوا لها موقعاً على الإنترنت. من هنا نلاحظ أن أخبارها تكاد تكون صورة مستنسخة عن طبعتها الورقية من دون زيادة في نوعية الأخبار أو إحداث تغيير في نفسها السياسي. أما الموقع الإلكتروني فينشأ على الإنترنت وبيئته الأساسية هي تلك البيئة الإفتراضية اللامتناهية المسماة بفضاء الإنترنت.
حتى الع
ام 2012، كان وصل عدد المنابر الافتراضية إلى 1233 مسجلة لدى وزارة الاقتصاد، لكنّ على الارض العدد يفوق هذا الرقم بأشواط، خصوصاً ان كلفة إنشاء موقع الكتروني لبناني على الشبكة العنكبوتية لا تزيد عن 15 دولاراً أو أكثر بقليل. مبلغ زهيد لتعبئة مساحة افتراضية؟ صحيح لكن لهذه المساحة الإفتراضية اصول تستلزم جهوداً كبيرة وإلا بات مجرد مساحة من دون تسجيل «نقرات».

  سياسة جنس وأمن
مدير موقع «ليبانون ديبايت» ميشال قنبور يحدد أهداف صفحات القراءة عند اللبناني إنطلاقاً من الإحصاءات التي يجريها القيمون على الموقع وخبرته الذاتية ويقول: «يمكن حصر المواضيع التي تشد القارىء اللبناني بثلاث فئات: الأخبار السياسية، من تشكيل الحكومة إلى البيان الوزاري، إلى الإستحقاق الرئاسي أو أي خبر آني شرط أن يكون مقتضباً ولا يتضمن تحليلاً أو يعتمد على المطولات. الهدف الثاني وهو يتبوأ الصدارة في سلم اهتمامات اللبناني ويتمثل بالأخبار ذات الطابع الجنسي (ضبط شبكة دعارة، إعتداء جنسي، ممارسة الجنس مع الأطفال…). أما الهدف الثالث فهو خبز اللبناني اليومي: عرفتم حتماً أننا نتكلم عن الأخبار الأمنية. جريمة خطف، سرقة، حوادث سير… لكن لا شيء يحمس اللبناني على قراءة موضوع إذا لم يكن مرفقاً بصورة أو مقطع فيديو «هنا نلاحظ أن نسبة الدخول إلى الخبر تتضاعف لأن الصورة باتت تتفوق على المادة إنطلاقاً من عصر السرعة، هذا عدا عن أن الصورة تقدم دليلاً حسياً وتجعل الموضوع أكثر إثارة».


المواقع الحزبية اولاً!
المواقع الإلكترونية الحزبية تحظى بأولوية اهتمامات القارىء اللبناني لا سيما في ساعات الصباح الأولى، ولن ننسى أنها كانت السباقة في حجز مواقعها على الإنترنت منذ العام 2002 وهي تستفيد في ذلك من عمرها وجمهورها (المنتمون الى الحزب ومؤيدوه، واحياناً معارضوه) إضافة إلى الإصطفاف الحاد الحاصل في البلد.
لكن من قال إن القراءة على المواقع الإلكترونية ليست إدماناً كما كان الحال مع قراءة الصحف اليومية؟ هل تتذكرون بعد صوت بائع الجرائد يغرد مع كل طلعة شمس؟ أو مشهد الناس امام اكشاك الصحف لقراءة المانشيت الصباحية؟ رزقالله!
هذه الثابتة لا يتخطاها قنبور ويؤكد أن هناك نسبة كبيرة من القراء على صفحات الإنترنت. ويشدد على تصميم الموقع الإخباري وتنوع الأخبار الموجودة فيه وكيفية تقديمها بطريقة سهلة للقارىء خصوصاً ان المواقع الإلكترونية تعتمد على نقل الأخبار وتجميعها من الصحف والوكالات ووسائل الإعلام إضافة إلى شريط الأحداث لمتابعة الأخبار لحظة بلحظة. في حين تكتفي الصحيفة الإلكترونية بأخبارها وتحليلاتها وتحقيقاتها إضافة إلى متابعة الأخبار عبر شريط الأحداث.  والثابت أن «النقرات» على أخبار المواقع الإلكترونية
الإخبارية تأتي مضاعفة عما هي عليه في مواقع الصحف الإلكترونية.
أما المواقع الحزبية فعلى رغم تعدديتها إلا أن المواقع الجاذبة والتي تسجل نسبة عالية من القراء محصورة بإثنين «موقع القوات اللبنانية وموقع التيار الوطني الحر». من منهما في الطليعة؟
«قد نكون نحن في الطليعة نسبة إلى عدد القراء على موقع «الفايسبوك» وقد يكون موقع التيار الوطني الحر في الطليعة»، لكن الأهم بحسب مدير موقع القوات اللبنانية الإلكتروني جورج العاقوري «هو المادة التي نقدمها للقارىء خصوصاً أنه على رغم هويتنا الحزبية إلا ان موقع القوات اللبنانية يتميز بشمولية أخباره لتقديم مروحة واسعة للقراء». نفهم من ذلك ان القارىء اللبناني إنتقائي إلى درجة التحجر؟ يجيب عاقوري «الكل يدخل موقعنا من باب الحشرية سواء كان مؤيداً لخطنا السياسي او منتسبا للحزب او معارضاً لنا».

 

مزاج
ع
ن طبيعة المواضيع التي ينتقيها قارىء موقع القوات اللبنانية يوضح العاقوري، «أن المسألة تتوقف على المزاج الذي يتبع الحدث الآني سواء كان هذا الحدث أمنياً ام سياسياً. لكن الثابت أن القارىء يتجه نحو الأخبار المتنوعة لأنها تجذب كل الفئات والأعمار، اما السياسة فلها قراؤها».

تكاد الأخبار ان تكون واحدة على المواقع الإخبارية ولا شيء يميزها إلا لوغو الموقع. وهذه من طبيعة عمل المواقع الإخبارية التي تعتمد على سرعة الخبر لرفع نسبة القراء. و«منهم من يعتمد على العناوين المثيرة لجذب القارىء في حين يخلو احياناً الخبر من اي مادة تدل على العنوان، وهذا ما نتفاداه في موقع القوات اللبنانية» بحسب العاقوري ويقول: «مما لا شك فيه اننا نحرص على زيادة معدل القراء يومياً لكن الأهم هو إيصال المعلومة للقارىء واحترام الخصوصية علماً أن كشف الخصوصيات تثير القارىء لا سيما في المواضيع الجنسية. لكننا نحرص على الحفاظ على صورة وهوية الموقع . من هنا نعتمد على نقل الخبر وتغطية الحدث من دون المتاجرة بكرامات الناس».

نعود إلى السياسة، وفي هذا المجال يوضح العاقوري أن «الصورة  كفيلة احياناً في إثارة النعرات الطائفية ويكفي احياناً عرض مقطع من شريط فيديو من دون الحاجة إلى إضافة تعليق لإشعال حرب مذهبية. لكن كـ «قوات لبنانية» نرفض تغذية النعرات الطائفية وأكتفي في الإضاءة على تصرفات فئة أو جماعة أو حزب ديني سواء كان موالياً لخطنا السياسي او معارضاً له من دون عرض الحديث الذي يتضمن سجالاً من شأنه إثارة النعرات الطائفية».
 

النقرة الاولى… الحدث
إذا كان الإعلام المكتوب الأكثر تضرراً في عصر الانترنت، نظراً الى سرعة المواقع الإلكترونية في نقل الأحداث لحظة وقوعها حول العالم، إلا أن الأولوية تبقى للحدث على رغم تخمة الأخبار. مدير عام شركة «ستاتيستيكس ليبانون» وناشر موقع «ليبانون فايلز» الإلكتروني ربيع الهبر، اكد ان الحديث عن المواقع الإلكترونية في لبنان تعدى إطار الظاهرة. «فالإعلام الإلكتروني بات في متناول كل الناس، شأنه شأن الصحف والمجلات والتلفزيون». وتظهر الإحصاءات، وفقاً للهبر، أن هذه المواقع أصبحت مصدر المعلومات الرئيس، حتى ان الموقع الأقل مستوى بين المواقع الإخبارية الجدية في لبنان يجذب قراء أكثر من أي جريدة في لبنان .أما «النقرة» الأولى فتكون على الخبر – الحدث، سياسياً كان أم إقتصادياً ام أمنياً ام إجتماعياً، ولا فرق بين محلي أو إقليمي اما الحدث الدولي فيأتي في المرتبة الثانية. ولا ينفي الهبر توجه القارىء اللبناني نحو الأخبار الطريفة والفنية والمنوعات لا سيما المتعلقة بالجنس خصوصاً في الأيام التي تشهد ركوداً سياسيا. «تصوري أن خبراً عن مجزرة قبلية على خلفية اغتصاب حمار لدابة جذب 130 ألف قارىء في

 

«خبر اغتصاب حمار لدابة جذب 130 ألف قارىء

في حين لا يتجاوز عدد قراء خبر سياسي محلي 200 قارىء»

 

حين لا يتجاوز عدد قراء خبر سياسي محلي 200 قارىء».
«ما يميز موقع «ليبانون فايلز» تفرده بأخبار خاصة من خلال غرفة إخبارية تضم 35 محرراً وصحافياً يقول الهبر موضحاً «أحيانا تكون لدينا تخمة اخبار لكننا نختار منها ما يجذب القارىء. والثابت أن القارىء اللبناني مل من السياسة
واخبارها الروتينية».

الخبر القصير العنوان المثير والصورة
الفصل بين الأخبار المخصصة للموقع الاخباري وتلك المخصصة للصحيفة ضروري. اما التمايز فيكمن في المواضيع  المخصصة لصحافة الإنترنت شرط أن تتلاءم ومزاج قراء الموقع الإلكتروني. الخبير في شؤون شبكات التواصل الإجتماعي ماريو غريب يميز بين القارىء اللبناني الذي تحول مزاجه نحو قراءة المواضيع الجنسية وكل ما يتعلق بترف الحياة من الموضة والسيارات والفن والصحة، في حين يتوجه القارىء العربي نحو المواضيع المتعلقة بالحركات الأصولية والتنظيمات الإرهابية والعمليات الإنتحارية. لكن الجنس يبقى في الطليعة عند الشعوب كافة بحسب دراسة أجريت في مصر وأظهرت أن الجنس هو أكثر العناوين المفتوحة على موقع «غوغل». أما المضمون فيجب أن يكون مقتضباً مع التركيز على العنوان والصورة. وهذا ما يفسر كثرة المتابعين على موقع «تويتر» لأن أطول رسالة لا تتجاوز الـ 140 كلمة!

الارقام تحكي وتختصر
الأرقام صارت ايضاً من اساس المواضيع التي تجذب القارىء على المواقع الإخبارية. «نلاحظ اليوم أن أغلبية المواقع تعتمد على الرقم في العنوان لأن الرقم بيحكي ويختصر المضمون». ويضيف غريب، على مستوى مواقع الصحف الإلكترونية يكون التركيز على عناوين وأخبار الصفحة الأولى أما المواقع الأكثر جاذبية فهي «مواقع جريدة النهار والسفير والأخبار». أما الصفحة التالية التي يتوقف عندها القارىء اللبناني ولا سيما قراء الصحف الإلكترونية فهي صفحة الوفيات!. لا تستغربوا. فلبنان اشبه بقرية وواجب العزاء من اساس الحملات الإنتخابية  من هنا يسجل الدخول إلى هذه الصفحة مع ساعات الصباح الأولى نسبة عالية من القراء».
المواقع الإخبارية العالمية اعتمدت اسلوب «فلترة» الأخبار وفتحت باب التدوين المباشر للقارىء ليعطي رأيه ويناقش مع الوسيلة الإعلامية الإلكترونية، وبذلك بات القارىء يشارك في صناعة الخبر. وتكتفي الوسيلة في التدقيق والتصحيح إذا استوجب الأمر.
وتسألون بعد لماذا باتت مهنة الصحافة حبراً على ورق؟ أطلنا عليكم الكلام؟ المضمون يستحق.

جومانا نصر

 


 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق