تحقيق

نساء الربيع العربي… أشواط إلى الوراء!

هي الشريكة الأولى للرجل في الحرب كما في السلم. وهي ايضاً قائدة وطليعة ثورات الربيع العربي. وليست جائزة نوبل للسلام التي حصلت عليها «توكل تركمان» إلا تقديراً واعترافاً بالمشاركة الفاعلة للنساء في الربيع العربي، لكن… من تونس إلى ليبيا إلى مصر إلى سوريا، شهادات كثيرة خطتها المرأة العربية مرة بروحها وعنفوانها وصلابتها ومرات اخرى بدمها وكرامتها، لكن الواقع السياسي الذي افرزته الثورة تنكر لها ولكل تضحياتها! على وقع طبول الثورات يعود الثامن من آذار، يوم المرأة العالمي، لكن هذه السنة برنة واحدة: ماذا حققت الثورات للمرأة العربية؟ وبالتالي كيف ستواجه هذه المرأة الخيبات التي أرادوا تحميلها إياها على خلفية «ثورة ثورة حتى الحرية؟».


 هدف واحد سعت اليه المرأة العربية من خلال مشاركتها المكثفة والفاعلة في الثورة ضد الأنظمة السياسية، هو تحقيق مكاسب سياسية وحقوقية أوسع. لكنها صدمت بالوضع الحقوقي والحضاري الذي رافق الربيع العربي. ندخل في التفاصيل.
فالعقبات التي تحتجز التطور الطبيعي لحقوق النساء لا تزال قائمة، وازدادت مع الربيع العربي بفعل حالة الإنفتاح والحرية التي ضمنها لكل التيارات الدينية الاصولية التي ظلت تنشط على هامش الحقل السياسي.
من هذه المؤشرات السلبية تبدأ القراءة مع الناشطة الإجتماعية سعاد حلو. ان هناك محاولات لاستغلال هامش الحرية الذي فتحته الثورة من طرف التيار الديني عموماً. ففي مصر مثلاً حيث كانت المرأة رائدة في الحركة الثورية كشف تقرير حقوقي عن مركز «أولاد الأرض لحقوق الإنسان» عن وجود ارتفاع حاد في العنف ضد المرأة في مصر بعد الثورة.

عنف واقصاء
حصل ذلك في عهد الرئيس المخلوع محمود مرسي  لكن مخاوف النساء على اوضاعهن الإجتماعية والحقوقية نتيجة التصرفات الصادرة عن بعض عناصر التيارات الدينية لا تزال تحتل الصدارة. وتعود هذه المخاوف الى التجارب المرة التي عاشتها المرأة في مصر، لا سيما بعد مطالبة بعض التيارات الإسلامية المتشددة إياها بعدم النزول إلى الشارع والتظاهر بحجة أن هذا يتنافى مع الشريعة الإسلامية. وتروي ناشطات في حقل الدفاع عن حقوق المرأة اللواتي شاركن في مؤتمرات عربية عدة للدفاع عن حقوق المرأة العربية في زمن الثورات كيف تصرف الجيش المصري مع عشرات المتظاهرات حيث تم إخضاعهن لكشف العذرية. أما على الصعيد السياسي فتم إقصاء المرأة عن مراكز صناعة القرار الرئيسة، إذ لم يتجاوز عدد السيدات اللواتي وصلن إلى قبة البرلمان في الإنتخابات البرلمانية أصابع اليد الواحدة.
 

  في سوق السبايا
قد يكون المطلوب ثورة مضادة. وكان يصح ذلك لو افترضنا أن التداعيات السلبية اقتصرت على مصر. لكن حصل كل ذلك بعد نزول المرأة العربية إلى الشارع لمساندة الرجل في تغيير انظمة. أما أقسى التجارب فتكاد تسجل في حق المرأة السورية وتحديداً اللاجئات السوريات. حيث تحولت الغالبية إلى فريسة سهلة في سوق السبايا. وينقل ناشطون في مجال حقوق الإنسان عن معاناة اللاجئات السوريات وتحديداً في مناطق شمال لبنان وبعض الأحياء الشعبية حيث تقطن أكثر من عائلة في بيت واحد او داخل إحدى الخيم من مسألة تزويجهن بأعمار صغيرة بحجة سترهن بعد التشرد. أما قيمة المهر فتراوح بين الـ 50 و500 دولار.
ثمة من يقول «تحصل في زمن الثورات». ومنهم من يجزم أنه في فترة الحروب تكثر مهنة «النخاسة» كما حدث في حرب البوسنة والهرسك. واليوم في مخيمات الإغاثة في الأردن وتركيا ولبنان، حيث تباع الفتاة السورية تحت عنوان «الزواج والسترة». واللافت أن هناك عدداً من السماسرة داخل المخيمات يعملون على اختيار الفتيات الأجمل والأصغر سناً، بهدف تزويجهن لرجال يكبرون
هن بأضعاف عمرهن. ويحاول هؤلاء السماسرة إقناع الأهل بأهمية تزويج بناتهن لإنقاذهن من خطر العوز والتشرد أو حتى لا يصل الأمر إلى درجة الخطف والإغتصاب!. وتشير التقارير إلى أن النسبة الأعلى من هذه الممارسات تحصل في مخيمات اللاجئين في تركيا حيث يتم تزويج الفتيات وإجبارهن على العمل في شبكات الدعارة.

  عنف حتى القتل
في لبنان ليست مسألة حقوق المرأة في يومها العالمي في احسن الأحوال. فظاهرة تعنيف المرأة  تزايدت في الأشهر الأخيرة والضحية تدفن مع سرها وفي حال توقيف الزوج المعتدي يصار إلى إخلاء سبيله لأسباب قانونية في الظاهر. أما الواقع فيؤكد حصول تدخلات على اعلى المستويات من قبل عائلة الزوج أو لأسباب تتعلق بذكورية المجتمع.
ووفقاً لإحصاءات جمعتها  منظمة «كفى» استناداً الى تقارير إخبارية، فإن 25 امرأة قتلن من قبل أزواجهن أو أحد أفراد عائلتهن بين العامين 2010  و2013. أما العدد الحقيقي بحسب منسقة حملة «تشريع حماية النساء من العنف الأسري» التي تديرها منظمة «كفى» غير الحكومية فاتن ابو شقرا فهو على الارجح أكبر مما تشير اليه الاحصاءات، بسبب عدم التبليغ عن هذه الحوادث. واكدت ان الاحصاءات الرسمية حول الاعتداءات لا وجود لها، لكن الخط الساخن التابع لمنظمة «كفى» يتلقى سنوياً أكثر من 2600 اتصال هاتفي يتعلق بالاعتداءات.
ما تقدم مؤشر إلى أن «المرأة في العالم العربي لا تزال تعاني التمييز والإنتهاكات لحقوقها الإنسانية بسبب سيادة الثقافة الذكورية وقيمها والتي تضع المرأة في حال تبعية وتذلل». فهل نكتفي في الإشارة إلى هذا الواقع المخزي؟ او نصرخ ونذكر بأن المرأة العربية وتحديداً في لبنان كانت من الرائدات في كسر حواجز الصمت والمطالبة بحقوقها كإمرأة؟ وماذا عن دور الجمعيات غير الحكومية المعنية مباشرة بحماية المرأة المعنفة والتي لا تزال خاضعة للقوانين المبتورة؟

طلعات ونزلات
مديرة مكتب المعهد العربي لحقوق الإنسان جومانا مرعي اثنت على مشاركة المرأة العربية بالحراك الحاصل في المنطقة العربية بغض النظر عن منظومة التمييز ضدها. لكن ماذا عن النتائج؟ «هي حتماً لم تكن على مستوى توقعاتها. فالمجتمع لا يزال يختزل في وجدانه وثقافته وقوانينه منظومة التمييز ضد النساء. حتى المشاركة السياسية فيها ممارسات تمييز وإقصاء للنساء علماً بأن المرأة كانت موجودة في مرحلة بناء الثورة. فلماذا يتم إقصاؤها اليوم؟».
في كل مرة يطرح سؤال عن حقوق المرأة يأتي الجواب بأن هناك قضايا اهم من قضايا المرأة. قد يكون هذا الكلام مؤطراً في حدود بلد دون سواه وهذا ما تشدد عليه مرعي «لكن التحدي الجامع الذي يواجه المرأة هو كيفية إحالة قضايا المرأة إلى قضية عامة وقضية أولوية في المجتمع، وكيف يمكن الإبقاء على النضال النسوي كجزء من النضال الديمقراطي؟».
ما هو مطلوب من المرأة، يتفوق بأشواط على الكلام في المبادىء والقوانين، وقد تكون بحكمتها وإرادتها ومثابرتها وثقافتها قادرة على تحويل الدفة. لكن الأساس تقول جومانا مرعي هو في «التفكير الجدي والعمل الضاغط لتضمين مسألة المساواة كجزء اساسي في عملية البناء». وتختم: «كل ثورة فيها «طلعات ونزلات». وما يحصل اليوم مع المرأة العربية عموماً والسورية تحديداً هو نتيجة لما نزرع. والمؤسف أن البذرة التي زرعتها المجتمعات العربية في الأعوام الـ 15 الأخيرة كانت تتغذى من الفكر الديني الذي لا ينتج الا مصالح دينية بدل ان تكون مدنية».

اشواط الى الوراء!
نضال المرأة بدأ منذ العشرينيات ومن حينه وهي تساهم في الثورات وتقدم الغالي والرخيص. مع ذلك كانت تستبعد من أغلبية مواقع السلطة وإذا شاركت فبالحد الأدنى. فأين تكمن مواقع الخلل في تحقيق ما ارادته من مشاركتها في الثورات؟
المناضلة العربية التي شاركت في مؤتمرات المرأة العربية في كل دول العالم العربي إقبال دوغان، تعترف: «الثورات العربية أعادت المرأة العربية أشواطاً إلى الوراء. والسبب يعود إلى الحركات الإسلامية التي دفعت المرأة إلى التحجب عن المجتمع».
وتضيف دوغان: «هم قالوا للمرأة «مكانك في البيت». لكن حتى في البيت لا تزال في الدرجة الدنيا. وإذا عدنا إلى الوراء نلاحظ مثلاً أن ثورة الجزائر التي استشهد فيها اكثر مننحو مليون مواطن جزائري كانت النساء تشكل الغالبية، مع ذلك لم تأخذ حقها. وفي تونس تكاد تكون المسألة أقل حدية لكننا نسمع اليوم عن فتاوى تطالب بإعادة ختان المرأة. اما أكثر المتضررات فهي المرأة السورية لأنها وجدت نفسها امام خيارين لا ثالث لهما: إما الديكتاتورية أو التكفيرية. وماذا عن تزويج القاصرات؟ تجيب دوغان: «الظاهرة موجودة منذ زمن وهي لا تزال تفرض نفسها في الأرياف، أما في المدن فتقل النسبة لأن اللبناني يحرم نفسه بهدف تعليم أولاده».
نفهم من ذلك أن العلم هو أساس لمكافحة ظاهرة تزويج القاصرات؟
حتماً، تجيب دوغان «والأهم أن تصدر الدولة قانوناً بضرورة التعليم المجاني حتى لا يحرم ولد من المدرسة وأن تتسلح الفتاة بالعلم والثقافة لتتمكن من تأمين استقلاليتها المادية. حتى العنف ضد المرأة أساسه الزواج المبكر». ولفتت إلى ان قانون العنف ضد المرأة الذي وصل إلى مراحله النهائية سيكفل حق المرأة المعنفة لكن التركيز يتم على التدابير الإحترازية لتفادي الكارثة قبل وقوعها. وأشارت دوغان ختاماً إلى الصرخة التي اطلقتها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية التي ترأسها السيدة وفاء سليمان لمحاربة ظاهرة تزويج القاصرات التي ارتفعت نسبتها في لبنان تزامناً مع الأزمة السورية «وهذا ليس إلا جزءاً من حراك المرأة اللبنانية التي كانت ولا تزال رائدة في مجال تحصيل حقوق المرأة. وكل 8 آذار وأنت إمرأة»!
ثمة من يشك في ذلك؟ هي مسألة قوانين أحوال شخصية وبنية مجتمع. تضاف إليها ثقافة المرأة ومخزونها العلمي. وفي لبنان كل هذه المقومات موجودة باستثناء القانون الخاضع للتعديل.
 أبعد من تلك الحدود، واضح أن المرأة العربية لا تزال على مسافة أميال من حقوقها. لكن الأهم أنها لم ولن تتردد في النزول إلى الشارع لتقول: «أنا إمرأة. إذاً انا قادرة على الثورة والتغيير».

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق