رئيسي

الغارة الاسرائيلية… محاولة تغيير قواعد اللعبة

اربكت الغارة الاسرائيلية التي استهدفت منطقة البقاع الاسبوع الفائت الساحة المحلية وحتى الخارجية بأبعادها واهدافها وتوقيتها ومكانها. فتركت تداعياتها، وفق مراقب سياسي، على مناقشات البيان الوزاري، وازّمت النقاش وصعدت من مواقف الافرقاء فتعثر اقرار البيان في جلسته السادسة.

ترك العدوان الذي استهدف موقعاً لحزب الله وفق بيان اصدره الحزب وقافلة صواريخ في منطقة حدودية داخل الاراضي السورية، وفق تقارير صحافية واخرى ديبلوماسية، انعكاسات سلبية على الوضع الداخلي فطلب وزير الخارجية جبران باسيل من قيادة الجيش معلومات دقيقة قبل ان يطلب من مندوب لبنان لدى مجلس الامن السفير نواف سلام تقديم شكوى بالخرق الاسرائيلي للسيادة اللبنانية. كما ترك العدوان اسئلة كثيرة خصوصاً حول زمانها ومكانها والظروف الخارجية والتطورات التي اقدمت فيها اسرائيل على تنفيذ غارة جوية.
تزامنت الغارة مع تطورات دولية واقليمية استجدت وقلبت المعادلات، فأدت الى تبديد الانفراجات وضربت مناخ الوفاق الداخلي الذي انتج تشكيل الحكومة بعد عشرة اشهر وعشرة ايام، من اخفاق مؤتمر جنيف وما خلفه من تداعيات شديدة الوطأة على المسرح الميداني السوري، الى الازمة في اوكرانيا وما استتبعها من تطورات على المستوى الروسي، الى تحذير الغرب، لاسيما واشنطن لموسكو من خطورة اللجوء الى العنف، والتورط العسكري من خلال التدخل في ما يجري في اوكرانيا، بعدما كانت روسيا حالت في السابق دون تورط الغرب عسكرياً خصوصاً الولايات المتحدة في سوريا. وقد يخلق الموقف الروسي المستجد سلبيات على مستوى المفاوضات الدولية. وقد يستغل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مشاركته في مؤتمر المجموعة الدولية لدعم لبنان في باريس للقاء نظيره الاميركي جون كيري والبحث معه في مفاعيل الازمة الاوكرانية، بعدما تردد ان الازمة الاوكرانية قد تترك تداعيات على الوفاق الاميركي – الروسي والمناخ الذي ساد بعد الاتفاق لمعالجة الازمات بالحوار والتفاوض، بعيداً عن العنف والقوة، اضافة الى القمة السعودية – الاميركية اواخر الشهر الجاري والقمة الخليجية التي طلب اوباما انعقادها في السعودية، اضافة الى التصعيد في العراق، وعدم اتضاح مسار الربيع العربي في اكثر من دولة عربية.

لماذا الغارة؟
لماذا كانت الغارة الاسرائيلية في هذا التوقيت بالذات ومع تصاعد المواجهات في سوريا بين النظام والمعارضة؟ والى ماذا تهدف؟ لقد انقسم المحللون في الحديث عن ابعاد العدوان وعن استهدافاته في هذا التوقيت الحرج. فهناك من انتقد الغارة معتبراً انها مربكة محلياً وخارجياً، واشارة لدخول اسرائيل على خط المواجهات، ورسالة الى قوى اقليمية ودولية، ومن وجد فيها خطوة باتجاه الحل، وعملاً عسكرياً  نتيجة رصد الحدود اللبنانية السائبة والمفتوحة على تسلل العناصر المتطرفة والسلاح.
لقد نفذت اسرائيل عملية  وقائية مزدوجة استهدفت موقعاً تردد انه يتولى قصف يبرود لمساندة قوى النظام في هجومها على المعارضة، بعد ان كبدتها خسائر جسيمة في الارواح وقافلة سلاح. كما انقسم الافرقاء اللبنانيون حول العدوان فاعتبرته اوساط في 8 اذار، لا سيما حزب الله، محاولة اسرائيلية لتغيير قواعد اللعبة والافادة مما يجري من تطورات اقليمية ودولية لاحداث تغيير في المعادلة. كما اعتبرت هذه الاوساط ان العدوان محاولة اسرائيلية للدخول على خط الصراع داخل سوريا، والوقوف الى جانب قوى المعارضة التي بدأت تنهار مواقعها امام ضربات قوى النظام في منطقة القلمون ويبرود تحديداً. لذلك كان لا بد للحزب من ان يرد سياسياً على الغارة بعد نقاش داخل مجلس الشورى انتهى الى وجوب الرد سياسياً وامنياً، لانه لا يجوز السماح لاسرائيل بان تفرض قواعد اللعبة وبان تدخل معادلات جديدة. واحتفظ الحزب لنفسه باختيار الزمان والمكان للرد، كما عززت اسرائيل من تدابيرها الاحتياطية على الحدود، ووضعت الاهالي في امكان حصول رد مباغة من حزب الله. غير ان مراقبين مطلعين استبعدوا ان يلجأ الحزب الى الرد الكلاسيكي في الجنوب، عبر اطلاق صواريخ او القيام بعملية عسكرية نوعية، لان الحزب حريص على الاستقرار في لبنان وابقاء جبهة الجنوب هادئة وعدم الاستدراج الى حيث تريد اسرائيل والاحتفاظ لنفسه بتحديد زمان ومكان الرد في عملية مباغتة لاسرائيل.

رسائل
كثف المسؤولون وممثل الامين العام في لبنان ديريك بلامبلي وعدد من السفراء البارزين الاتصالات لمنع تدهور الاستقرار في لبنان ولابقاء الساحة هادئة لا سيما الجنوب بعد التهديدات الاسرائيلية بتدمير لبنان اذا ما اقدم الحزب على شن هجوم عليها من الجنوب، وفق التقارير الصحافية الواردة من اسرائيل. ولا يتحمل اي طرف لبناني تفجير الوضع في ظل التهديدات الاسرائيلية التي تسعى الى تغيير قواعد اللعبة. لقد حاولت اسرائيل او المحور الاميركي – الغربي ان يبعث برسائل من خلال العدوان الاسرائيلي في اكثر من اتجاه لا سيما باتجاه المحورالروسي – الايراني – السوري – حزب الله، خصوصاً بعد اندلاع الازمة الاوكرانية. وقد جاء الخرق السوري للسيادة اللبنانية في البقاع، سواء بقصف جرود عرسال من قبل النظام، او بقصف بريتال من قبل المعارضة، بمثابة رد على العدوان الاسرائيلي، في خطوة اعتبرت رداً للتأكيد على التزام الجميع بقواعد اللعبة والتزام المعادلات وان ليس بمقدور اسرائيل فرض قواعد جديدة وان امكان الردع متوافر، وحتى المواجهة التي يسعى الغرب الى منع حصولها.
لقد وتّرالعدوان الاسرائيلي الاجواء في الداخل والخارج وانعكس على مناقشات البيان الوزاري مما ادى الى تصعيد في المواقف وتشبث كل بموقفه. قوى 8 اذار تشبثت بذكر المقاومة من دون ربطها بمرجعية الدولة، و14 اذار التي تخلت عن ذكر اعلان بعبدا وعن ذكر المقاومة اصرت على ربطها بمرجعية الدولة لمنع استغلالها من قبل الاصوليين والمتطرفين تحت شعار «حق اللبنانيين بمقاومة اسرائيل». واكد مصدر ديبلوماسي على ان السخونة الامنية والسياسية ستبقى تحت المراقبة ولن تتفلت الامور. فكما شكلت الحكومة في لحظة ما، قد يقر البيان الوزاري في لحظة مماثلة.

ف. ا. ع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق