دولياتعالم

“قصر الأمم” يستعد لاستضافة جنيف 2

تشهد مدينة جنيف السويسرية استعدادات مكثفة لانعقاد مؤتمر جنيف 2 حول الأزمة السورية والذي بدأ الأربعاء.
ولكن جنيف لم تستضيف اليوم الأول من المؤتمر والذي سيعقد في مدينة مونترو المجاورة نظرا لانشغال جنيف بمؤتمر آخر أكثر أهمية بالنسبة للسويسريين.
ومن المقرر أن يشارك في جنيف 2 نحو 30 وزير خارجية دون أي من رؤساء الدول، حيث يخوضون جولات شاقة من المفاوضات بعيدا عن المواكب والاحتفالات التي ترتبط بالزيارات الرسمية.
ولذلك فلن يجد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أو البريطاني وليام هيغ أو غيرهم من المشاركين في تلك المحادثات، سجادة حمراء في انتظارهم.
وتقول “أنا ثي” الموظفة في مكتب المراسم في مطار جنيف “إن السجادة الحمراء تمثل بروتوكولا خاصا جدا بالنسبة لنا، إنها تستخدم فقط في الزيارات الرسمية للمسؤولين ولا تستخدم في غير ذلك غالبا.”
وبالرغم من ذلك تعتبر أنا ثي محادثات جنيف حدثا خاصا ومهما وتقول “إنها تجعلنا نشعر بأننا جزء من التاريخ، العديد من القرارات التاريخية تم اتخاذها هنا في جنيف.”

 

موروث السلام
لدى جنيف موروث تاريخي طويل من محادثات السلام، فقد اختيرت مقرا لعصبة الأمم التي أنشئت عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى بفارق ضئيل عن العاصمة البلجيكية بروكسل، وبني لذلك الغرض قصر عرف باسم “قصر الأمم”.
ويقول ديفيد رودوغنو باحث تاريخي بمعهد جنيف للدراسات العليا إن آمالا كبيرة كانت معقودة على عصبة الأمم، وأضاف “كانت الأمال كبيرة حينها لأن العديد من الزعماء اعتقدوا أن الحرب العالمية الأولى ستكون آخر الحروب ولذلك فإن الأعوام الأولى لعصبة الأمم وخاصة عامي 1919 و 1920 كانت مفعمة بالأمل.”
وبالطبع لم تحل عصبة الأمم دون اندلاع حروب جديدة، وأصبح مقرها المعروف بـ “قصر الأمم” بعد ذلك هو المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة واستضاف العديد من جولات مفاوضات السلام.
ولأسباب عديدة أصبحت جنيف وجهة مفضلة لإجراء مفاوضات السلام، باعتبار سويسرا دولة محايدة مقبولة لدى الجميع. كما أنه من الناحية العملية فإن رحلات الطيران إلى جنيف سهلة انطلاقا من موسكو أو واشنطن.

 

قصر الأمم
حتى الآن بقي “قصر الأمم”، الذي بني على طراز فن ال “آرت ديكو” الفاخر لكي يكون مقرا لعصبة الأمم، على حاله لم يطرأ عليه تغيير يذكر.
وكان قصر الأمم عند افتتاحه هو ثاني أكبر قصر في أوروبا بعد قصر فرساي بالقرب من العاصمة الفرنسية باريس.
ويقول مايكل مولر المدير العام الحالي لمقر الأمم المتحدة في جنيف إن اليوم الأول للمؤتمر سيعقد في مدينة مونترو وليس في جنيف. وأضاف مازحا: “لقد أعلنا مونترو كفرع لمقر الأمم المتحدة لبعض الوقت. والسبب هو أن مؤتمرا ضخما سيعقد هنا في جنيف للشركات السويسرية المصنعة للساعات وهو ما يمثل الأولوية للسويسريين لأنه بالنسبة لهم كل شيء.”
ولهذا السبب فإن كافة الاستعدادات انتقلت إلى مدينة مونترو بما في ذلك الاستعدادات الأمنية، حيث اغلق المجال الجوي للمدينة وكذلك الطرق لمدة يوم واحد.ثم سينقل مكان المؤتمر بعد ذلك إلى قصر الأمم في جنيف حيث يلتقي ممثلو المعارضة والحكومة السورية وجها لوجه للمرة الأولى.
ويأمل مولر أن تساعد الأجواء المحيطة بالمفاوضين على التوصل لاتفاق.
ويقول “هذه الجدران تعيش التاريخ وتتنفسه، أنت ستشعر بذلك حينما تسير في هذه الممرات. أعتقد أنه لا يوجد أزمة كبرى خلال القرن الماضي إلا وقد تم حلها هنا، أزمات البلقان، الشرق الأوسط، قبرص وجنوب شرق أسيا.”

 

الدبلوماسية غير الرسمية
بالطبع فإن المفاوضين يحتاجون إلى ما هو أكثر من اللقاءات الرسمية في الغرف، ومن النادر أن تجد دبلوماسيا لم يمكث يوما ما في فندق جنيف انتركونتيننتال.
ويقول مدير الفندق جورغين باوموف “التقيت هنا وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسينجر ونظيره السوفياتي غروميكو، بالإضافة إلى الرئيسين الأميركي والسوفياتي السابقين ريغان وغورباتشوف، وأخيرا أجريت المحادثات بشأن برنامج إيران النووي.”
وأضاف “إذا استطاعت هذه الجدران أن تنطق لكان عندها الكثير لكي تبوح به.”
ويذكر ان التوصل لاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني كان أخر تسوية شهدها قصر الأمم.
ويوفر المدير باوموف في الطابق الثامن عشر من الفندق كافة الوسائل والأجواء التي يعتبرها مهيئة للدبلوماسية غير الرسمية والتي يمكن أن تجري خارج غرف المفاوضات الرسمية.
ويقول “لدينا جناحان في هذا الطابق، الجناح الغربي والجناح الشرقي. يمكنك الاستمتاع بالخصوصية في أي وقت تشاء، هذه أبواب متينة، ويمكنك أن تفتح الأبواب ويتم اللقاء في الوسط في هذه الاستراحة ذات الهواء الطلق حيث تطل على بحيرة جنيف وجبال مونت بلانك.”
ويتساءل باوموف هل يمكن أن يلتقي ممثلو المعارضة والحكومة السورية في هذه القاعة؟ ويجيب على نفسه “لا شئ مستحيل، هذا هو شعارنا.”
على مدى قرن تقريبا كانت جنيف هي اختيار العالم لإجراء المفاوضات الشاقة، ويأمل مايكل مولر مدير قصر الأمم أن تكون جنيف هي المكان الذي يشهد على الأقل بادرة لإنهاء الصراع الدموي في سوريا.
ويقول “الجميع يأمل أن يتحقق هذا، اعتقد أنه من المهم أن يتحقق، وإن لم يحدث، فإننا لا يمكننا التفاؤل بمستقبل أصدقائنا الذين يعانون في سوريا”
.

(عن بي بي سي العربية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق