رئيسيسياسة عربية

العراق: معركة حامية لاقصاء المالكي عن الحكم

رغم ان الموعد المبدئي للانتخابات العامة في العراق هو بعد خمسة اشهر، فانه يطرح بشكل جدي في الاوساط السياسية، هل سيكون متاحاً امام رئيس الوزراء الحالي العودة لولاية ثالثة الى المنصب الذي يشغله منذ عام 2005؟

 هذا السؤال المطروح اكثر ما يكون بين مكونات التحالف الوطني الذي يضم كل الاحزاب والقوى السياسية والشخصيات العامة في الوسط الشيعي العراقي، وهو التحالف الذي امن للمالكي العبور ثانية الى رئاسة الحكومة العراقية في عام 2001، بعدما اوشكت مطالبة رئيس القائمة العراقية اياد علاوي بهذا المنصب واصراره عليه، ان تسد السبيل امامه لبلوغ الكرسي الاهم في رأس هرم السلطة في بغداد.
وثمة اكثر من سبب لكي ينشغل الوسط الشيعي العراقي دون سواه بهذه المسألة ويقلبها على وجوهها كافة. وابرز هذه الاسباب ان ثمة اطرافاً اساسية في هذا التحالف ومن بينها «التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر والمجلس الاسلامي العراقي الاعلى بزعامة عمار الحكيم، جاهرت في ذلك الحين بمعارضتها تولي المالكي رئاسة الحكومة لولاية ثانية، ولكن وبإعتراف الكثير من اركان هذا الائتلاف، فإن ما فرض توحد الطبقة السياسية الشيعية في العراق على الاصرار على اعادة المالكي الى منصبه امران اساسيان.
الاول: ضمان الا يخرج منصب رئاسة الحكومة في العراق من يد الشيعية السياسية.
الثاني: ان ثمة ضغوطاً ايرانية – اميركية مزدوجة تقاطعت على مسألة اعادة المالكي الى منصبه ثانية واستبعاد سواه وخصوصاً علاوي.

معطيات ووقائع
ومهما يكن من امر، فإنه قبل بضعة اشهر على الموعد المبدئي للانتخابات العامة في الساحة العراقية، هناك من بدأ يتحدث صراحة عن ان كل المعادلات والظروف والحسابات السياسية وغير السياسية التي مهدت الطريق امام عودة المالكي الى سدة الحكم ثانية في عام 2011، انفرط عقدها وتبددت الواحدة تلو الأخرى، واستطراداً برزت معطيات ووقائع وتحولات جديدة تعزز فرضية البحث عن شخصية اخرى غير المالكي لشغل هذا المنصب في المرحلة المقبلة وابرز هذه المعطيات والوقائع:
1- ان الاعوام الاربعة الماضية من عمر ولاية المالكي كانت بشهادة كل القوى الحليفة والمعارضة فاشلة بكل المقاييس والاعراف والمعايير وعلى كل المستويات.
ويقول السياسي العراقي والعضو في التحالف الوطني الدكتور احمد الجلبي في معرض تشخيصه للحالة الراهنة في ظل حكومة المالكي: «نمر بفشل حقيقي وكبير في ادارة الامن والاقتصاد والخدمات والعلاقات الخارجية».
ولم يعد خافياً ان المرجعية الروحية العليا في النجف وجهت اكثر من مرة رسائل واضحة في انتقادها لضعف الاداء الحكومي ومطالبته بإحداث تغيير جذري لتحسين واقع الحال.
وصحيح ان الوضع في العراق لم يكن مثالياً، لكن قبيل الولاية الثانية للمالكي زاد منسوب انهيار الاوضاع العراقية على كل المستويات، وخصوصاً على مستوى فقدان الاستقرار والامان، وبمعنى اخر اخفق المالكي في ادارة مرحلة ما بعد الانسحاب العسكري الاميركي من الساحة العراقية وعودة مقاليد السلطة كاملة الى العراقيين انفسهم.
وهذا الاخفاق انعكس سلباً على كل المكونات السياسية المشاركة في التحالف الوطني وفي الحكومة العراقية، وخصوصاً ان المالكي امضى سنوات ولايته في مهاجمة خصومه ومعارضيه الذين كادوا يسحبون الثقة منه وفي الدفاع عن رئاسته للحكومة، واستئثاره بالحكم اكثر من اية قضايا ومواضيع اخرى مما وسع دائرة خصومه في الداخل، وقوى شوكة معارضيه، خصوصاً انهم اتهموه دوماً بممارسة اداء اقرب ما يكون الى أداء الرئيس العراقي السابق صدام حسين في الاستحواذ على الحكم وفي اقصاء وتهميش خصومه ومعارضيه، خصوصاً ان هؤلاء ابرموا معه صفقة سياسية سمحت له بالعودة الى دست الحكم، وبالمقابل باعطائهم ادواراً اكبر في القرار الوطني العراقي، وهو اتفاق يقول معارضوه انه لم يتقيد به وبمندرجاته اطلاقاً، بل على تعزيز قبضته على الحكم وعلى طردهم من البلاد، كما فعل مع نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي.

 ضغوط ايرانية – اميركية
2- ان تجربة التحالف الوطني العراقي وهي التجربة التي ركبت على عجل وبفعل ضغوط ايرانية وغير ايرانية، بهدف اساس وهو منع وصول عل
اوي والتيار السياسي الذي يقوده الى رئاسة المنصب الاهم في العراق من جهة، وابقاء رئاسة الحكومة بيد القوى السياسية الشيعية الدائرة بشكل او بآخر في فلكهم السياسي من جهة اخرى.
ولا شك في ان الضغط الاميركي هو الذي جعل التيار الصدري وتيار الحكيم يعودان عن معارضتهما لعودة المالكي الى رئاسة الحكومة في ربع الساعة الاخير. لكن هذا التطور الذي كفل للشيعة السياسية العراقية ضمان الامساك برئاسة الحكومة لم يحقق امرين اساسيين يتعين توافرهما سريعاً وهما:
– ان يكف الصدر عن معارضته للمالكي ولادائه، انسجاماً مع مبدأ انخراطهما معاً في تحالف سياسي عريض، اذ بقي الشغل الشاغل للصدر وتياره، هو توجيه سهام الانتقاد للمالكي ولنهجه ولسياسته الداخلية والخارجية على حد سواء.
– لذا لم يكن غريباً ان يبادر الصدر الى الركوب في مركب المعارضة الحادة للمالكي في اول فرصة يظهر فيها ان هناك معارضة جدية ولديها مشروعاً لاسقاط المالكي، فالمعلوم ان الصدر انضم الى لقاء اربيل الذي جمع رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني وعلاوي وآخرين، وهم على الفور بدأوا هجوماً واسع النطاق لانتزاع الثقة من المالكي واستبداله بشخصية اخرى وهو امر كاد يتحقق لولا ان تراجع الصدر في اللحظة الاخيرة.
المهم ان المراقبين استشعروا دوماً ان هذا التحالف الوطني لم يكن يوماً على قلب رجل واحد، فهو لم يؤمن حماية المالكي والدفاع عنه بالشكل المطلوب، ولا سيما بعدما اشتدت الحملات عليه في فترة من الفترات، اذ ان مكونات هذا التحالف بقي كل منها يغرد خارج السرب لوحده، وله تطلعاته واهدافه وحساباته الدقيقة حاضراً ومستقبلاً.
– ان مكونات الائتلاف الوطني اتفقوا فقط على مسألة ضمان اعادة المالكي الى رئاسة الوزراء، لكنهم لم يصوغوا تفاهماً مبدئياً حول معظم القضايا والملفات التي واجهتها هذه الحكومة لاحقاً، وخصوصاً ان هذه الملفات كانت جوهرية واساسية وصارت ملفات خلافية.
3- ان المالكي فقد بشكل او بآخر دعم التحالف الكردستاني. فالبرزاني لم يكن طوال الفترة الماضية على توافق مع المالكي، ولقد برز بينهما الكثير من التناقضات والخلافات حيال ملفات وقضايا يعتبرها الاكراد اساسية بالنسبة اليهم.
ولقد وصلت الامور بين الطرفين في مرحلة من المراحل الى حد القطيعة، لكنها عادت لتستقر على درجة من التساكن المصلحي.
اما الشخصية الكردية الثانية اي الرئيس العراقي جلال الطالباني وهو صاحب الشعار الشهير القائل بأن البديل عن المالكي هو المالكي نفسه، كدلالة على حماسته وتأييده لعودة المالكي ثانية الى رئاسة الحكومة، فهو اختفى عن المسرح السياسي منذ اكثر من عام وبالتحديد بعدما المّ به مرض نقل على اثره الى احد مستشفيات المانيا حيث لا يزال هناك متأرجحاً بين الحياة والموت، في ظل معلومات تقول ان البحث بدأ بشكل جدي عن بديل له بعدما ثبت ان امر عودته الى مزاولة مهماته السياسية متعذر.
وفي كل الاحوال، فقد المالكي غطاءً سياسياً مهماً من خلال الغياب القسري لطالباني عن واجهة المسرح السياسي وهو غطاء لن يتوافر في المدى المنظور.

3 قوائم صغيرة
4- ان مضامين قانون الانتخاب الجديد الذي اقره قبل فترة قصيرة البرلمان العراقي، ستتيح فرصة للمنافسة داخل كل فريق عراقي، وعليه فإن ثمة معلومات تقول ان هناك توجهاً حازماً لدى القوى الشيعية لخوض الانتخابات بـ 3 قوائم صغيرة، وهذا الوضع من شأنه فعلاً ان يدفع كل الافرقاء الى اعادة النظر في تحالفاتها وحساباتها، وخصوصاً ان هناك توجهاً اكبر للتعددية، وهو ما من شأنه فعلاً ان يضعف من فرص عودة المالكي الى الساحة بالقوة عينها وبالمكانة نفسها.
5- ان المعروف بأن تفاهماً ايرانياً – اميركياً جرى في ذلك الحين هو الذي سهل الطريق امام عودة المالكي الى الحكم. والجدير في الامر ان هذا التفاهم سقط في وقتها بعدما ادى اغراضه. ومنذ ذلك الحين جرت مياه كثيرة تحت الجسور وتغيرت الاوضاع في المنطقة تغييراً جذرياً، لا بل ان الاوضاع انقلبت رأساً على عقب في الاقليم، بعد انتقال فتيل الاحداث الدامية والكارثية في الساحة السورية. وعليه فإن ثمة من بدأ يتحدث عن خريطة جديدة مختلفة تماماً للاوضاع في المنطقة عموماً خلال الاشهر القليلة المقبلة وهو امر سيطاول الساحة العراقية حتماً كونها حلقة في سياق معادلة سياسية معروفة.
6- ان ثمة «نقزة» كبرى داخل الشارع السياسي العراقي من عودة المالكي ثالثة الى رأس هرم السلطة في بغداد للمرة الثالثة، لان ذلك يعني بالنسبة اليه تكراراً لتجارب صارت مكروهة وممجوجة في العراق ايام النظام الصدامي البائد حيث تجمعت كل السلطات بيد شخص واحد وجهة واحدة على حساب التعددية وعلى حساب تداول السلطة.

فرصة للتغيير
لكن كل تلك المعطيات وعلى اهميتها لن تمنع المالكي من السعي سعياً حثيثاً لكي يضمن عودته مرة ثالثة الى رئاسة الوزراء، لا بل ان ثمة من يعتبر ان الاعوام الاربعة الماضية التي امضاها المالكي وهو يدافع بشراسة عن مسألة التجديد له في رئاسة الحكومة، فهو ابعد اولاً خصومه الاقوياء ثم حاصر الاخرين وعمل على شق صفوفهم، وبعد ذلك منع اقرار مشروع قانون في البرلمان يحدد رئاستي الجمهورية والحكومة بولايتين فقط.
والسؤال المطروح: هل ينجح في المحصلة بالعودة ثالثة الى رئاسة الحكومة، وخصوصاً ان ثمة من يرى ان الانتخابات العامة الموعودة هي الفرصة المتاحة لاجراء تغيير في الواقع الحالي وبالتالي فهي تنتظر هذه الفترة بفارغ الصبر؟
هذا ما ستجيب عنه الايام القليلة المقبلة!.

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق