«جنيف – 2» و«النووي» يتحكمان بالانفراج المحلي
هل ان العملية الارهابية الانتحارية التي استهدفت السفارة الايرانية في بيروت هي بداية لمسلسل انتحاري يستهدف مصالح المحور الايراني – السوري – حزب الله في لبنان والمنطقة، ويحول لبنان من ساحة نصرة الى ساحة جهاد؟ ام انها رسالة دموية بعثت بها قوى التطرف في المعارضة السورية احتجاجاً على مساندة عناصر من الحرس الثوري ومن حزب الله نظام الرئيس بشار الاسد ضد الشعب السوري؟ وهل استفادت اسرائيل من اجواء الاحتقان في المنطقة والتشنج السني – الشيعي فأقدمت على الخطوة مستعينة بعناصر جهادية للتنفيذ؟ وهل ان الانفجار يعجل في قيام معادلة س. أ. (السعودية – ايران)؟
اسئلة كثيرة طرحت من دون جواب شاف كما قال احد المسؤولين الامنيين لانه «من المبكر الجزم في الاجابة قبل معرفة نتائج التحقيقات، ومن هو المخطط والمحرض والمنفذ، خصوصاً ان تعاون شعبة المعلومات بتقنياتها العالية مع مخابرات الجيش، باحترافها وخبراتها، اماط اللثام عن معلومات مهمة كشفت الفاعلين ويجري الان التحقيق لمعرفة كامل عناصرالشبكة»؟
كانت لافتة المواقف التي اطلقها موفد الحكومة الايرانية الى لبنان، لتفقد السفارة على اثر العملية الانتحارية، نائب وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان، عندما اعلن ان بلاده حريصة على اقامة افضل العلاقات مع السعودية، فنحن نعرف «ان الملك عبدالله لديه نظرة ايجابية وعادلة ومتوازنة ازاء ايران والمنطقة. وتتمتع السعودية بوجهة نظر ايجابية وهنالك افاق رحبة للتعاون». واتهم السفير الايراني فور وقوع الجريمة اسرائيل، في حين لم يوجه «حزب الله» اي اتهام، وحمّل سياسيو 8 اذار تيارالمستقبل والقوات والسعودية المسؤولية. في الوقت الذي حمّلت قوى 14 اذار حزب الله المتورط في الحرب السورية مسؤولية الانفجار، وهو الاول في لبنان بعد التفجير الانتحاري الذي استهدف قوات المارينز الاميركية والدراكار الفرنسية عام 1983.
رسالة دموية
يأتي توقيت العملية مع بدء تنفيذ النظام السوري معركة استرداد منطقة القلمون من المعارضة لاهميتها الاستراتيجية قبل موعد «جنيف – 2»، وتولت الطائرات قصف المنطقة، وتدور معارك كرّ وفرّ بين الطرفين.
واعلنت القاعدة عبر بيان لكتائب عبدالله عزام مسؤوليتها عن عملية السفارة. وعلى رغم تنديد المجتمع الدولي، دعت جهات خارجية الى قراءة «الرسالة الدموية» جيداً كونها تأتي عشية المفاوضات لعقد «جنيف – 2» وسط تفاؤل حذر. ويعمل المبعوث الاممي الاخضر الابراهيمي مع الجانب الروسي على ازالة الالغام التي تعترض تحديد موعد المؤتمر. ويستبعد مسؤول ديبلوماسي ان يتم تحديده قبل شباط (فبراير) المقبل مشيراً الى وجود رغبة لدى اطراف دولية واقليمية في انهاء الاتفاق على الملف النووي و«الصفقة» الدولية الاقليمية مع ايران قبل بت موعد «جنيف – 2». ويطالب اطراف دوليون واقليميون بأن تشمل التسوية كل الملفات وليس الملف النووي فحسب. وقد يكون لردة الفعل الايرانية «الهادئة» على العملية الانتحارية ارتباط بالمفاوضات حول الملف النووي. من هنا يأتي تأكيد اللهيان «ان لا مشكلة جدية بيننا وبين السعودية في ما خص الملفات الثنائية، ولكن هناك سوء فهم لمقاربة ملفات اقليمية معينة، وان الآلية الصالحة لمقاربتها هي الحوار».
وقبل ان يزور الرئيس نبيه بري ايران تلبية لدعوة من علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى، تشاور مع احد اركان قوى 14 اذار العائد حديثاً من السعودية، حول المستجدات، مشيراً الى امكان قيامه بمسعى بين ايران والسعودية. وقد شجعه الاخير على الخطوة كونه اول من تحدث عن معادلة س. أ. واشاد بري بمواقف سعد الحريري واركان 14 اذار بعد العملية وثمّن زيارة وفد من «المستقبل» السفارة لتقديم التعازي، معتبراً انها تلاقي المواقف الايرانية بعدم تحميل اطراف محلية او عربية المسؤولية على كشف هوية الفاعليين وقد تبرأ منهم اهلهم وابناءمنطقتهم ومذهبهم. واشاد بري بخطوة المستقبل لانها يمكن ان يتم التأسيس عليها لاحقاً.
ويتحدث العائدون من السعودية عن جملة مآخذ وملاحظات حول «جنيف – 2» والملف النووي ابلغتها الى الابراهيمي والى مسؤولين دوليين واقليميين، وهي تنتظر نتائج المفاوضات بشأن الملف النووي ومؤتمر «جنيف – 2» حتى يبنى على الشيء مقتضاه. وتشترط السعودية انسحاب عناصر الحرس الثوري وحزب الله من سوريا، وحصر الحضور باطراف الصراع وممثلين عن دول الجوار فقط برعاية الامم المتحدة وواشنطن وموسكو على ان يتم توسيع المؤتمر لاحقاً. وفي الملف النووي تطالب السعودية بوضعه تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على ان تكون هناك فترة اختبار لحسن النوايا مدتها ستة اشهر، بعدها يمكن البحث في رفع العقوبات الاقتصادية وليس قبلها. ومع محاولة ايران الحصول على موقع اقليمي لتحل محل سوريا، يذكر وزير سابق للخارجية بما حصل لشاه ايران عندما حاول ان يلعب دور شرطي الخليج رغم علاقته المميزة باسرائيل.
تحالفات جديدة
يحاول المرشد الاعلى علي خامينئي اليوم ان يؤمن لايران دوراً وموقعاً في المنطقة في ظل توتر في العلاقات مع اسرائيل. فهل يوافق المجتمع الدولي وواشنطن على ما رفضته للشاه؟ ام ان هناك متغيرات في المنطقة وتحالفات دولية – اقليمية جديدة خصوصاً بين واشنطن وطهران، حتمت حصول تقارب عربي – روسي وزيارة بنيامين نتانياهو الى موسكو. وتتحدث اوساط ديبلوماسية عن قيام ثنائية عربية – مصرية – سعودية ينضم اليها مجلس التعاون الخليجي والاردن وقد يتوسع هذا التحالف. ويقول احد الوزراء بأن المنطقة تغلي وهي على عتبة تحول غير واضحة معالمه بعد الربيع العربي، وقد تشكل صورة الوضع في سوريا ومصر اشارات التغيير في المنطقة. ولبنان الذي ربط مصيره بمصير التغيير لارتباط بعض السياسيين في الخارج ينتظرالحلول. ويبقى موضوع تشكيل الحكومة معلقاً الى حين جلاء الصورة مع استمرار المظلة الدولية للمحافظة على الاستقرار وان الانفجار النوعي الذي تجاوز الخطوط الحمراء وفق احد المسؤولين الامنيين لن يكون له رد فعل محلي، بل ان ايران ترد على البارد وتختار المكان والزمان. فالامين العام لحزب الله حسن نصرالله دعا سابقاً الاطراف الى التقاتل في سوريا وليس في لبنان لان له خصوصية تفرض المحافظة على الاستقرار والامن فيه. فهل قررت المنظمات الجهادية والتكفيرية والاصولية نقل المواجهة الى لبنان، ام ان انفجار السفارة رسالة دموية؟.
فيليب ابي عقل