رئيسيسياسة عربية

«حماس» بين الخروج من الازمة او… الاستسلام

بعد نحو 5 اشهر من حملة عسكرية – اعلامية – سياسية غير مسبوقة، نجحت السلطات المصرية وفق معطيات ووقائع راجحة في اغلاق 90 بالمئة من الانفاق الممتدة منذ سنوات بين صحراء سيناء المصرية، واراضي غزة والتي كانت شرياناً اقتصادياً اساسياً لمليون ونصف مليون فلسطيني يقطنون بشكل مكتظ في غزة وقطاعها الضيق، الامر الذي يطرح بإلحاح اسئلة عدة حول حدود المأزق الذي تعيشه حركة «حماس» التي تحكم قبضتها منذ عام 2005، على هذا القطاع بعدما نجحت في طرد حركة «فتح» منه؟

 تعاني «حماس» من المأزق الاجتماعي المعيشي الذي يقاسيه سكان هذا القطاع ان بفعل الحصار المستمر الذي تضيق حلقاته يوماً بعد يوم حولهم، ولا سيما بعدما صار التيار الكهربائي غير مؤمن بأكثر من نسبة 20 بالمئة منذ اسابيع عدة، فضلاً عن حجم الاضرار المادية والاقتصادية التي خلفها ردم السلطات المصرية للانفاق.
وعليه صار السؤال المطروح: هل المطلوب حالياً وبشكل غير معلن اسقاط حركة «حماس» التي تبدو وكأنها صارت بلا حول ولا قوة، بعدما ساءت علاقتها بحلفائها التاريخيين اي ايران وسوريا و«حزب الله»، وبعدما فقدت ظهيرها ونصيره
ا نظام الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي؟
تشير المعلومات والمعطيات الى ان سد الانفاق كانت له نتائج كارثية على الحركة الاسلامية، اذ فقدت نحو ثلثي موازنتها السنوية المقدرة بنحو 700 مليون دولار.
اضافة الى ذلك، فإن الانفاق وعمليات التهريب التي تتم عبرها، خلفت دائرة استفادة اقتصادية كان يستفيد منها نحو 7 آلاف شخص، وخصوصاً ان التهريب عبر الانفاق كان ي
شمل كل الحاجات والسلع تقريباً، وقد انضم هؤلاء الى طابور العاطلين عن العمل فضلاً عن وجود عدد آخر ممن تأثروا سلباً بسد الانفاق وخصوصاً اولئك الذين كانوا يعملون في قطاع البناء، اذ كان الاسمنت ومواد البناء كلها بما فيها الحديد، يتم تهريبها عبر الانفاق لذا فإن هذا القطاع توقف تلقائياً. وهذا الواقع، رفع بطبيعة الحال منسوب الفقر والبطالة وفاقم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية اصلاً.

عمليات تهريب
والمفارقة اللافتة ان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس واركان حركة «فتح» عموماً استخدموا موضوع الانفاق والتهريب عبرها كمادة اعلامية وسياسية في سياق خصومتهم لحركة «حماس»، اذ انهم اتهموهما صراحة امام القيادة المصرية الحالية بأن الحركة باتت تعمل فقط على «حراسة» التهريب عبر الانفاق وعلى حمايتها، وان التجارة عبرها ادت الى وجود 1800 مليونير في غزة يهربون عبر الانفاق كل شيء، من السجائر الى الادوية الى الصواريخ الى الحشيش والآلات المستخدمة لتزوير العملات.
وهكذا يبدو جلياً ان حركة «فتح» تلاقي النظام المصري في «معركته» التي فتحها على مصراعيها منذ سقوط نظام مرسي في آب (اغسطس) المنصرم، ضد حركة «حماس». فيما القاهرة ما برحت تواصل حربها الاعلامية على حركة «حماس»، كونها شريكة النظام المصري السابق اي نظام «الاخوان المسلمين» في ممارسته، وانطلاقاً من تهمة انها تدعم بشكل مباشر وغير مباشر المجموعات الارهابية المسلحة التي تواجه بشراسة الجيش المصري في صحراء سيناء.
ولقد بات معلوماً ان كل المحاولات والجهود التي بذلتها حركة «حماس» لاقناع القاهرة بالكف عن توجيه هذه الاتهامات، وان كل الدلائل التي تعطيها الحركة لتبرئة ساحتها من كل هذه الاتهامات، وبالتالي اعادة الامور الى نصابها الطبيعي بين غزة والقاهرة، لم تجد نفعاً، فالنظام المصري يصر على استئناف حملاته شبه اليومية ضد حركة «حماس»، ويصر ايضاً على زج اسمها في كل البيانات والتقارير الصادرة عن مسار المعارك في صحراء سيناء.

رأيان
وبالطبع ثمة رأيان حيال هذا السلوك العدائي من الجانب المصري ضد حركة «حماس». الاول يقول بأن مصر تحاول عبره حسم مسار المواجهات العسكرية بين الجيش المصري والمجموعات والخلايا الارهابية في صحراء سيناء، والتي توشك ان تتحول الى حرب استنزاف للجانب المصري.
والثاني يقول ان النظام المصري الحالي مضطر الى ان يسلك هذا المسلك لانه يريد تصفية «التركة السياسية» لتنظيم الاخوان المسلمين في مصر والذي حكم على مدى نحو عام، والاستمرار في مواجهتهم بعدما مضوا في اشكال المواجهة ولم يصلوا بعد الى درجة القنوط واليأس والاستسلام للامر الواقع، اذ ما زالوا يسيرون التظاهرات وينظمون التحركات في القاهرة وفي العديد من المدن المصرية، ويشكلون طابور ازعاج حقيقي للنظام الحالي، يحول دون فرض سلطته والمضي قدماً في عمليته السياسية التي بدأها منذ ان اخرج الرئيس مرسي وتم وضعه في السجن مع اركان حكمه ونظامه.
وفي موازاة ذلك، فإن ثمة من يرى ان حركة «فتح» والسلطة الفلسطينية بدأتا تستغلان بشكل لافت ازمة الخيارات الخانقة التي تمر بها حركة «حماس» منذ اكثر من خمسة اشهر، وبالتالي شرعتا في تطبيق اجندة عنوانها العريض اخضاع حركة «حماس» واعادتها الى بيت طاعة السلطة على مستوى الداخل الفلسطيني وعلى مستوى الادارة، بعدما فشلت «حماس» في استثمار حصولها على غالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في آخر انتخابات تشريعية عامة جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 2004 والتي اظهرت في الوقت نفسه تراجع حركة «فتح» وشعبيتها في الشارع الفلسطيني بفعل ممارساتها في السلطة، بعد الشروع مباشرة في تطبيق اتفاق اوسلو والتي بددت آمال الشعب الفلسطيني ولم تكن على قدر تطلعاته.

 حملة ضد «حماس»
وعليه، فالواضح ان السلطة في رام الله وعمودها الفقري حركة «فتح» يشنان حملة سياسية شرسة ضد حركة «حماس» من خلال الاتي:
– اتهامها بأنها هي التي تعرقل مسار المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية وهو ما اعلنه محمود عباس مراراً وتكراراً.
– الشكوى من ممارسات حكومة حركة «حماس» في غزة وقطاعها وتحميلها وحدها مسؤولية تردي الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والامنية في هذا القطاع المكتظ بالسكان والمشاكل والحيلولة دون اي تعاون بين السلطة واجهزتها وحكومة «حماس» بغية معالجة قضايا سكان القطاع والوقوف على مطالبهم.
– الانتقاد الدائم لمواقف وممارسات حركة «حماس» على مستوى علاقتها بالدول العربية، وبالتحديد مصر وسوريا، اذ ووفق معلومات فإن عباس تعمد خلال لقائه القيادة المصرية الاسبوع الماضي، ان يوجه انتقادات لاذعة وعلنيه لنهج حركة «حماس» وتعاطيها مع القضايا المصرية الداخلية.
اضافة الى ذلك، فإن السلطة الفلسطينية ما برحت تسعى الى توثيق علاقتها بنظام الرئيس السوري بشار الاسد من خلال ايفاد المبعوثين بشكل دائم الى دمشق، ومن خلال السعي الى معالجة وضع مخيم اليرموك للاجئين الواقع على تخوم مدينة دمشق، حيث يسعى موفد السلطة زكريا الاغا الى ايجاد تسوية لانقاذ المخيم، الذي يحاصره الجيش السوري مستغلاً بطبيعة الحال اتهامات النظام السوري لعناصر وقيادات من حركة «حماس» بلعب دور المجموعات المسلحة المعارضة للنظام، وبتسهيل احتلالها لقسم كبير من المخيم المنكوب حالياً، مما ادى الى تهجير اكثر من 60 بالمئة من قاطنيه الى داخل سوريا او الى الاردن ولبنان وسواها.

الدخول الى دمشق
وفي كل الاحوال، نجحت السلطة الفلسطينية في استغلال خروج حركة «حماس» الاختياري من دمشق، لتدخل الى هذه العاصمة من باب اقامة علاقات واضحة مع نظام الرئيس بشار الاسد. ووفق بعض المعطيات فإن حركة «فتح» والسلطة باتتا اكثر من اي وقت مضى مصرتين فعلاً على اسقاط التجربة السياسية لحركة «حماس» والتي بدأت بفوزها المريح في الانتخابات العامة ثم بتأليفها اول حكومة لها برئاسة اسماعيل هنية، ثم بسط سيطرتها على قطاع غزة بعد جلاء الاسرائيليين عنه، ثم بعد ابعاد كل اشكال حضور «فتح» والسلطة من هذا القطاع.
وثمة من يرى بأن المطلوب في خاتمة المطاف جعل حركة «حماس» تقبل بما رفضته قبل فترة، وهو ان توافق على اجراء انتخابات للمجلس التشريعي ورئاسة السلطة الفلسطينية من دون فتح الباب امام البحث في مواضيع وقضايا اخرى مثل ملف منظمة التحرير الفلسطينية المعقد والشائك، وتفعيل مؤسساتها والتفاهم على برنامج للمرحلة المقبلة، اي القبول بالجلوس تحت المظلة السياسية للسلطة الفلسطينية وانهاء كل اشكال المنافسة ووضع حد لاية طموحات اخرى في السلطة حاضراً ومستقبلاً.
وعليه، فإن السؤال المطروح هو: هل انه سيأتي حين من الدهر وترفع حركة «حماس» راية الاستسلام لهذه الضغوط المتصاعدة عليها، وبالتالي تعود الى كنف السلطة كباقي الفصائل والمنظمات الفلسطينية الاخرى؟
ما من احد لا في داخل حركة «حماس» ولا في خارجها، الا ويقر بأن هذه الحركة التي نجحت خلال الاعوام العشرة الاخيرة في ان تتصدر المشهد الفلسطيني وان تطرح نفسها منافساً جدياً لحركة «فتح» التي لها قصب السبق في اطلاق اول رصاصة على العدو الاسرائيلي منذ عام 1965 وان تزول هذه الحركة التي كانت الاقوى دوماً عن «عرشها» الفلسطيني والعربي والعالمي، وتعاني الان ازمة حقيقية على اكثر من صعيد، وان ثمة جهوداً حثيثة تبذل فعلاً لمحاصرة هذه الحركة لتدفيعها ثمن خياراتها الاساسية وخصوصاً بعد ما حصل في مصر من تطورات، ولكن امر اسقاط حركة «حماس» وانهاء دورها وحضورها في الساحة الفلسطينية امر دونه عقبات وحسابات معقدة تجعل من بلوغ هذا الهدف امراً صعباً للغاية.
ولا ريب في ان عيون المراقبين شاخصة الان على حركة «حماس» وبالتحديد على ما يمكن ان تفعله من مبادرات للخروج من مأزقها، وهي تبدو حتى الان في وضع المقصر والعاجز عن اجتراح هذه المبادرات.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق