سياسة عربية

اليمن: اتفاق على «العزل» وغرق في ملف الجنوب

بصعوبة بالغة، تجاوز مؤتمر الحوار الوطني عقبة كبرى تتعلق بترشيد اشغال انصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح للوظائف العليا في الدولة. واقر ما يمكن ان يلامس مشروع «العزل السياسي» الذي اقره بعض الحكومات التي شهدت ربيعاً عربياً، واقصت انظمتها الحاكمة، وخصوصاً ليبيا وتونس.

فشل مؤتمر الحوار في التعاطي مع ملف الجنوب، في ضوء تعنت اطراف الحوار بمواقف متقاطعة، من شأنها ان تؤسس لتقسيم البلاد. وبالتزامن، انهارت الهدنة التي اعلنت في منطقة دماج شمال البلاد، لوقف القتال بين السنة والشيعة، حيث شهدت المنطقة مواجهات دامية ادت الى مقتل حوالي العشرة اشخاص. واخفقت كل الوساطات في اعادة الهدوء الى تلك المنطقة التي يرشحها بعض المصادر لتكون بؤرة توتر تشعل فتيل ازمة تعم البلاد.
المتابعون للمشهد اليمني اختلفوا في تقدير الصورة، وصولاً الى تقويم نهائي، وتحديداً ما اذا كانت النتيجة تعتبر تقدماً على طريق حل الازمة ام لا. فالتقدم الوحيد الذي تم احرازه يتمثل بتوافق هش على مواصفات من يشغل الوظائف المتقدمة في الدولة، أملاً بابعاد انصار علي عبدالله صالح. وهي الخطوة التي ارضت غرور بعض الاتجاهات السياسية والقبلية المناهضة للحقبة السابقة. اما ما تبقى من «العقد» فما زالت حتى الان عصية على الحل.
ميدانياً، تجاوز مؤتمر الحوار الوطني في اليمن عقبة العزل السياسي بعد إقراره جملة من شروط شغل الوظائف العليا للدولة، تمنع على الرئيس السابق علي عبدالله صالح ونجله تولي أي منصب، حيث رضخ حزبه للأمر الواقع، وقبل بصيغة مشروع العزل، فيما كان الحوار اليمني غارقاً في ملف الجنوب، حيث فشلت كل الجهود التي بذلها المبعوث الدولي، لاستئناف عمل فريق القضية الجنوبية المتوقف منذ شهر. ففي جلسة خاصة، تمت تلاوة تقرير فريق عمل الحكم الرشيد الذي تضمن شروط شغل الوظائف العليا للدولة، ومنها ألا يكون المرشح محصناً قضائياً، أو من منتسبي الجيش والأمن إلا إذا ترك العمل في هذين الجهازين قبل عشرة أعوام. وبدا أن حزب الرئيس السابق قبل بالأمر الواقع لأنه لا يمتلك حق إلغاء هذا النص، إلا إذا تحالف معه مكون آخر في مؤتمر الحوار، وهو ما لم يحصل حتى الآن.

ملف الجنوب
وبحسب المعلومات المتسربة، فقد غرق المؤتمر في ملف الجنوب، رغم إعلان الحراك الجنوبي إنهاء مقاطعته للمناقشات، ولم تتمكن اللجنة المختصة بهذا الملف من استئناف أعمالها منذ مطلع تشرين الاول (أكتوبر) الماضي.
وبحسبها، تسيطر الخلافات حول ما بعد مؤتمر الحوار، على النقاشات المغلقة بين الأحزاب والمكونات السياسية، كما أن عدد أقاليم الدولة لا يزال يمثل أهم عقبة أمام الاتفاق، حيث يتمسك الجنوبيون بدولة اتحادية من إقليمين، وتطرح بقية القوى الشمالية دولة اتحادية من خمسة أقاليم.
وطبقاً لهذه المصادر فإن الملف الجنوبي بات العقبة الوحيدة أمام انتهاء أعمال مؤتمر الحوار، الامر الذي يعني تمديده لشهرين إضافيين، حيث طلبت الأمانة العامة لمؤتمر الحوار من الدول المانحة توفير التمويل اللازم للفترة الإضافية للحوار، بعد انتهاء المخصصات المالية التي كانت رصدت للمؤتمر قبل انطلاق أعماله.
وفي مسار آخر، وامام حالة الفوضى التي تعيشها منطقة دماج التابعة لمحافظة صعدة، والتي تشهد مواجهات دامية اقرب ما تكون الى الحرب الاهلية، فقد أقر مجلس النواب اليمني تشكيل لجنة من بين أعضائه للنزول ميدانياً إلى المنطقة، والعمل مع اللجنة الرئاسية المكلفة التوسط لانهاء الازمة، ومساعدتها على أداء مهامها، وإنهاء التوتر والنزاع القائم في المنطقة، وإحلال الأمن والاستقرار والسكينة العامة، والتعايش السلمي فيها، وضمان السيطرة العسكرية لقوات وزارة الدفاع لأداء مهامها القانونية، في منطقة دماج وضمان تأمينها. وكلف المجلس اللجنة البرلمانية رفع تقرير يتضمن نتائج عملها، وتحديد من يتحمل المسؤولية، تجاه أية مخالفة لتلك الآلية، خصوصاً ان بعض المعلومات يشير الى دخول تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على خط الازمة، واصدر بياناً يتوعد فيه بالثأر من المقاتلين الحوثيين الذين نفذوا هجوماً على مدرسة سلفية في البلدة.
وتسبب القتال بين الحوثيين والسلفيين في المدرسة في مقتل أكثر من مئة شخص على مدى الأسبوعين الماضيين، ويهدد بتصعيد التوترات الطائفية في اليمن.
وبحسب التقارير الميدانية فقد تجددت المواجهات بين المتمردين الزيديين الشيعة والسلفيين السنة في شمال اليمن بالرغم من هدنة جديدة تم ابرامها برعاية رسمية.

معارك ضارية
وتدور معارك ضارية منذ اسابيع في منطقة دماج التي يسيطر عليها متشددون سنة في محافظة صعدة معقل متمردي انصار الله الزيديين. واندلعت هذه المعارك بعدما شن المتمردون الزيديون هجوماً على مسجد يسيطر عليه السلفيون الذين يتهمهم المتمردون بايواء آلاف المسلحين الاجانب. وبحسب بيان للمتحدث باسم المتمردين الزيديين فيصل احمد قائد حيدر تجددت المعارك عقب الإعلان عن هدنة من جانب اللجنة الرئاسية المكلفة اعادة الاوضاع الى طبيعتها في محافظة صعدة. واشار البيان الى ان اللجنة طالبت القوى المتنازعة بسحب مسلحيها من المواقع التي يحتلونها لاعادتها الى الجيش، الا ان السلفيين رفضوا التسليم.
من جهته رفض المتحدث باسم السلفيين محمد عيظة شبيبة هذه الاتهامات مؤكداً ان المتمردين الحوثيين هم الذين خرقوا الهدنة. واشترط السلفيون ان يسلم الحوثيون انفسهم واسلحتهم ومواقعهم الى الجيش والدولة مقابل الانسحاب من جبل البراقة الذي تحول الى معقل للسلفيين. واشارت اوساط سياسية في العاصمة صنعاء الى ازدياد التوتر مع التعبئة في صفوف القبائل التي تمارس ضغوطاً على الحوثيين لكي يوقفوا هجماتهم في دماج. واقام مسلحون قبليون من محافظات مجاورة نقاط تفتيش على الطريق المؤدية الى صعدة في محاولة لمنع وصول المواد الغذائية والمحروقات.
في هذه الاثناء، تظاهر آلاف السلفيين امام منزل الرئيس اليمني في صنعاء للمرة الثانية هذا الشهر للمطالبة بوضع حد للحصار الذي يقولون ان المتمردين الحوثيين الشيعة يفرضونه على منطقة دماج التي تشكل معقلاً لهم في شمال غرب البلاد. ودان المحتشدون في بيان ما اسموه تخاذل الحكومة والجيش عن انهاء حصار الحوثيين حول منطقة دماج والمستمر منذ اربعين يوماً. كما طالب البيان الذي تلي في التظاهرة، السلطات اليمنية بسرعة انهاء سيطرة التيار الحوثي على صعدة ونزع اسلحته وتشكيل لجان تحقيق حول الجرائم والانتهاكات المرتكبة في المحافظة منذ مطلع عام 2011.

صنعاء – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق