سينما

«غدي»… صرخة وثورة لتقبل الاختلاف

«ضيعانه ما يشارك بالاوسكار…» هذا اول تعليق يتبادر الى الاذهان بعد مشاهدة فيلم «غدي» الذي كتبه وقام ببطولته الفنان الشامل جورج خباز. فعلاً من المؤسف الا يتمكن هذا الفيلم الهادف والراقي بلغته الانسانية والسينمائية والفنية على حد سواء من المشاركة في حفل جوائز الاوسكار الذي سيجري في شهر شباط (فبراير) 2014 في لوس انجلوس، رغم  انه اختير بغالبية ستة اصوات من اصل تسعة من قبل اللجنة الاستشارية لشؤون السينما التابعة لوزارة الثقافة اللبنانية والموكلة اليها مهمة اختيار الفيلم الذي سيمثل لبنان في حفل الاوسكار ضمن فئة «افضل فيلم اجنبي».

للأسف تأخر بدء العرض التجاري لفيلم «غدي» في الصالات اللبنانية حتى 26 تشرين الاول (اكتوبر)، وهذا ما جعل مشاركته في الاوسكار مستبعدة لأن اكاديمية السينما تفرض أن يكون قد بدأ عرض الفيلم في بلد الإنتاج قبل 10 أيام على الأقل من ترشيحه، وأن يكون ذلك ترافق مع إعلانات في الصحف ومقالات نقدية تتناوله. وهكذا خسر «غدي» فرصته لصالح «قصة ثواني» من اخراج لارا سابا، ولكنه في المقابل سيربح اعجاب الجمهور اللبناني وتقديره لهذه الرسالة الانسانية التي يطلقها فيلم «غدي» حول ضرورة تقبّل الاختلاف.

دراما كوميدية – اجتماعية
«غدي» دراما كوميدية اجتماعية من اخراج امين دره  ومن انتاج شركة “The Talkies” المتخصصة بتصوير الإعلانات التلفزيونية، وهي سبق ان انتجت افلاماً روائية قصيرة منها “La douche” لميشال كمون عام 2001، و«فيلم لبناني طويل» لغسان قطيط ووسام سميرا عام 2003 وفيلم «زوزو» لجوزيف فارس عام 2005. و«غدي» هو باكورة انتاجها افلاماً روائية طويلة. اما الكتابة والبطولة فلجورج خباز اضافة الى مجموعة من اهم الممثلين اللبنانيين مثل كميل سلامة ومنى طايع وانطوان ملتقى وكريستين شويري وانطوان حجل واسعد حداد وجوزف آصاف وجيزيل بويز وكارولين لبكي ولارا مطر ورودريغ سليمان.
يتناول الفيلم موضوع الاختلاف وكيفية التعاطي معه وتقبله، من خلال قصة مؤثرة تعكس نظرة المجتمع القاسية إلى ولد مصاب بداء التثلث الصبغي Trisomie 21، خصوصاً أن «البيئة الحاضنة لذوي الاحتياجات الخاصة تتعاطى معهم بأسلوب الشفقة أو التعالي، مما يشكل تأثيراً سيئاً على معنويات المعوق».
يؤدي جورج خباز دور «لابا» الذي كان يتأتىء في صغره ولكن مدرس الموسيقى (انطوان ملتقى) سيساعده على تخطي مشكلته فيصبح بدوره مدرس موسيقى عندما يكبر، في اشارة واضحة الى اهتمام خباز بابراز دور الموسيقى. لابا سيتزوج من حبيبة الطفولة «لارا» ومعاً يسكنان في بيت اهله في «حي المشكّل»، وسينجبان فتاتين و… صبياً هو غدي. ولكن غدي يختلف عن سائر الاطفال لأنه من ذوي الاحتياجات الخاصة بسبب معاناته من مرض التثلث الصبغي. بسبب مرضه، غدي اعتاد الجلوس على شباك منزله واطلاق انين وصراخ طوال الوقت، مما سيزعج اهل الحي الرافضين له ولاختلافه. بعضهم ستصل به الامور لوصفه بالشيطان، مما سيغضب لابا الذي قدم اغنية لابنه يقول فيها: «باناتي صار عندن خي، وغدي احلى شب بالحي». وعندما سيقرر اهل الحي ابعاد غدي عن الحي من خلال العمل على ارساله الى مركز بعيد يعتني بمن هم مثله، سيقرر لابا التحرك. وهكذا سيقوم بمحاولة يائسة مع عدد من رفاقه لاقناع اهل البلدة ان ابنه ملاك مرسل من السماء لهداية البشر وجعلهم يسيرون على السراط المستقيم. ومن تاب وكف عن الغش والخداع، فان الملاك سيكافئه بتحقيق طلباته. طبعاً ستنطلي الحيلة على الجميع فتتحول نافذة الملاك محجاً ومزاراً للناس الذين يقومون باضاءة الشموع والابتهال للملاك لتحقيق طلباتهم. لابا واصدقاؤه من اهل الحي سيعملون بشكل سري على تنفيذ الطلبات المرهقة.

ابهى مضمون وصورة
في صيف 2012 تم التصوير في منطقة البترون على مدى شهرين وبتقنيات تصويرية حرفية مهمة. سنة كاملة استغرقها خبّاز لكتابة القصة الغالية على قلبه، فهو من الملتزمين الدفاع عن حقوق المهمشين، وهو سبق ان عمل لسنوات عدة مع أطفال جمعية Acsovel من ذوي الاحتياجات الخاصة، محوّلاً بذلك النشاطات المسرحية الى نوع من العلاج تماماً مثل الموسيقى. رسالته الانسانية وصلت الينا من خلال حبكة سينمائية فيها الكثير من الذكاء والبساطة والرقي والنظافة والفلسفة الساذجة من خلال نص سلس وحوارات مفعمة بالطرافة والتأثر اللذين يبرع فيهما خباز عادة. ايضاً يتميّز الفيلم باخراجه وجمالية صورته ودفئها وغنى كادراته وادارته الفنية الجيدة، وقد تولى امين درة مهمة بلورة رؤية جورج خباز بشكل جعل الصورة متناغمة جداً مع المضمون. في اية حال امين درة ليس مخرجاً مبتدئاً، فرغم ان «غدي» هو فيلمه الروائي الطويل الاول، الا انه  سبق ان قدم افلاماً قصيرة مثل «مش انت» وفيلم رسوم متحركة بعنوان Greyscale الذي حاز على العديد من الجوائز من مختلف المهرجانات أهمها جائزة مهرجان السينما الأوروبية. كما صوّر عدداً كبيراً من الاعلانات والفيديو كليب وكان سباقاً في دخول عالم الويب دراما من خلال مسلسل «شنكبوت» الذي حقق نجاحاً كبيراً حيث تم تقديمه لخمسة  مواسم. وقد حاز «شنكبوت» على جائزة ايمي الدولية للأعمال الرقمية إضافة إلى العديد من الجوائز الأخرى.

 

نجوم الفيلم
اضافة الى موضوعه الانساني واخراجه الجميل، يلفت «غدي» بشخصياته العديدة والغنية والملونة التي جسّدت مجتمع البلدة اللبنانية بكل ما يميّزها من خصوصية، مثل التدخل بشؤون الغير والانسياق وراء المعتقدات والظواهر الدينية . وقد برزت مجموعة من الممثلين اللبنانيين في تقديم تلك الشخصيات، فبدا كل ممثل بطلاً فعلياً للفيلم مهما كانت مساحة دوره. اول هؤلاء الممثلين جورج خباز المثالي في هذه النوعية من الادوار الانسانية الطيبة والمتفهمة، وقد بدا فعلاً كوالد حقيقي للفتى إيمانويل خيرالله، من أطفال جمعية Sesobe الذي نجح بتجسيد شخصية غدي الشبيهة بحالته. بدورها برزت الممثلة والكاتبة منى طايع في دور «تقلا» المرأة المسيحية التي يحول شقيقها دون زواجها من حسن الشاب المسلم الذي أحبته بصدق، في اضاءة اخرى على احدى مشكلات عدم تقبل الاختلاف في مجتمعنا اللبناني. منى طايع صاحبة حضور طاغ وقد قدمت شخصية تقلا باداء مؤثر فيه قوة ومرارة وقسوة. كميل سلامة الكاتب والممثل يشارك هو الاخر في الفيلم ويجسّد دور حلاق الحي الذي يمارس سمسرة العقارات ليضاعف دخله. انطوان الحجل يشارك بشخصية الجار المصاب بضعف جنسي مما يحوله رجلاً غاضباً وعصبياً يسعى الى طلب مساعدة الملاك. بدورها كريستين شويري تؤدي بشكل تلقائي وطبيعي دور صوفي المومس التي تعاني بدورها من رفض المجتمع لها وتحاول ان تتوب على يد الملاك. في الفيلم ايضاً ضيوف شرف مثل المخرج المسرحي والممثل القدير انطوان ملتقى في دور قصير كاستاذ للموسقى، واميل شاهين في دور حسن حبيب تقلا.

مايا مخايل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق