صحة

ترميم الثدي… فاصلة بين الحزن والابتسامة!

بعد كثير من الدموع حان لكِ أن تفرحي! وبعد كثير من القلق حان لكِ أن تتمردي! وبعد كثير كثير من الاضطرابات الجسدية والنفسية حان لكِ أن تستعيدي تلك الكرتين اللتين تمثلان لكِ شكلاً أنثوياً استثنائياً! ترميم الثدي بعد جراحة استئصال الخبيث فاصلة بين القلق والرضى وبين الحزن والابتسامة… فماذا عن تلك الجراحة التي تساعد على اندمال بعض آثار الجرح الذي يُحدثه الخبيث؟

أصعب ما قد تُواجهه المرأة بعد سماعها أنها مصابة بسرطان الثدي هو خوفها من تكوّن حفرة، عند استئصال الخبيث، مكان تلك الكرة المستديرة التي ترمز شكلاً الى الأنثى التي فيها! قد لا تتكلم. قد لا تعترف. قد تسكت. قد لا تجرؤ على الهمس بما تشعر به مخافة أن تسمع من يقول لها: وما بالك أيتها السيدة؟
هو خبيثٌ إذاً يُصيب المرأة في أنوثتها، في تلك الكرتين البارزتين فوق القلب، على الصدر، في الثديين ويجعلها تعيش الأزمتين الجسدية والنفسية! سرطان الثدي الذي يُسجل مليوناً ومئة ألف حالة جديدة في العالم سنوياً ليس نهاية الدنيا. إنه محطة تُثير الكثير من الإضطرابات ويتقاذفها كثير من الأفكار ويطاردها كثير من الهواجس… فهل نترك المرأة لحالها أم نُخبرها وهي تستعد الى إجراء عملية استئصال الثدي أنها ستعود كما كانت، تقريباً كما كانت، بعد إجراء ترميم الثدي؟

ما بعد الاستئصال
يقلبُ اختصاصي جراحة التجميل والترميم الدكتور ايلي عبد الحق بين صفحات كتاب سميك يتناول أشكال ترميم الثدي بعد إستئصال الأورام، لافتاً الى أن هذا النوع من الجراحة التجميلية الترميمية يحوز فصلاً أساسياً في دراسات عالم التجميل، غير أنه لا يستحوذ عملياً في بلدنا إلا على نسبة خمسة في المئة من مجموع عمليات الترميم التي تحصل في أوروبا! ما يعني أن الذهنية السائدة تعتبر أن الجراحة الترميمية ثانوية، يمكن التغاضي عنها، من دون أي اكتراث للشظايا النفسية التي قد تُصيب النساء جراء إستئصال الثدي، ويشرح: يُتابع المرأة في أوروبا منذ اكتشاف الخبيث في ثديها فريق من الأطباء يتكون من جراح واختصاصيين في الأشعة وفي العلاج الكيميائي وفي التجميل وفي علم النفس وعلم الإجتماع… يتابعون المرأة معاً، خطوة خطوة، حتى تصل الى برّ الأمان جسدياً ونفسياً. هذا طبعاً في الخارج أما هنا، في لبنان، فثمة أطباء جراحة ما زالوا يعتبرون أن ترميم الثدي بعد استئصاله أمر ثانوي، قد يكون وقد لا يكون، غير مبالين بما قد تشعر به المرأة حين تستيقظ من البنج العام وتنظر في المرآة مكتشفة أن الخبيث، حتى وإن إقتلعته، فقد تغلب شكلاً عليها!

الترميم الفوري
الترميم إذاً حق المرأة على الطب والطبيب… فماذا عن تقنيات الترميم؟ وهل هناك حالات لا يصلح ترميمها؟ وهل يُفترض الترميم فور إتمام الإستئصال أم يُحبذ الإنتظار قليلاً الى حين انتهاء المرأة من العلاجات الشعاعية أو الكيميائية التي تجري عادة بعد العمل الجراحي؟
يرى الدكتور عبد الحق أن الترميم مباشرة بعيد الإستئصال، وقبل أن تغادر المريضة غرفة العمليات، يبقى محبذاً أكثر وإن كان في الإمكان إجراء الترميم في أي وقت لاحق، بعد سنة أو
سنتين أو حتى بعد خمس سنوات وأكثر. وإذا تمت عملية إعادة البناء مع عملية الإستئصال نسميها إعادة ترميم فورية أما إذا تمت بعد الشفاء من عملية الإستئصال نسميها إعادة ترميم متأخرة. في كل حال ما يُفترض أن تعيه المريضة أن النتيجة النهائية لترميم الصدر لا تظهر في مرحلة واحدة وحيدة، بل تحتاج الى مرحلتين أو ثلاث، ويتمّ ترميم الحلمة في المرحلة النهائية.
لماذا الترميم الفوري؟ لأنه يحدّ في اختصار من صدمة المريضة التي قد ترى نفسها، عندما تستيقظ من البنج العام، مشوهة الثديين، فتتألم بذلك مرتين: جسدياً ونفسياً. صحيح ان الترميم قد لا يعطي شكل الصدر الطبيعي لكن بين أن لا يكون مئة في المئة الا تبقى الفرضية الأولى أسهل؟
ماذا عن تقنيات الترميم؟
ثمة تقنيات عدة تُستخدم في ترميم الثدي، تختلف بحسب حالة المريضة وعمرها: مصابة بالقلب؟ بالسكري؟ تجاوزت الستين؟ لا تزال تحت الخمسين؟ تدخن؟ ويُفترض أن يتحدث طبيب التجميل مطولاً مع المريضة لفهم ما تشعر به وما تتوقعه، فليس هناك تقنية واحدة تصلح للجميع. هناك مثلاً تقنية ترميم الثدي بواسطة جلد البطن وتتم عبر شدّ جلد البطن ونقل الأنسجة والدهون والعضل الى الثديين وأصبحت تتم هذه التقنية ايضاً من دون نقل العضلات، ما يوفر كثيراً من الآلام. في كل حال قد تكون حسنات هذه التقنية مزدوجة فهي تُرمم الثدي وتشد البطن وهي تعتمد منذ ثلاثين عاماً. واستخدام جلد البطن، الذي يُفترض أن يكون مترهلاً، يجعل من ملمس الثدي طبيعياً.
وهناك تقنية ترميم الثدي من الظهر عبر استخدام شريحة من العضلات والدهون والجلد عبر نفق يصل الى موقع الثدي ويبقى متعلقاً بموقعه المانح عن طريق الأوعية الدموية السليمة.
وهناك تقنية زرع الثدي الصناعي وهذا النوع يمنح شعوراً طبيعياً بنسبة أقل. في كل حال الثدي المرمم لن يتمتع بإحساس وشعور الثدي الطبيعي عينهما، كما أن بصمات العملية المتمثلة بالخطوط تبقى ماثلة دائماً. ونحن نقول هذا للمرأة، بشفافية كاملة، حتى تكون مدركة تماماً، من الألف الى الياء، عن حالتها.
في الحالات التي يُصار فيها الى إستئصال جزء من الثدي، لا كله، وهي تمثل حالياً نحو تسعين في المئة من العمليات، يُصار الى حقن الصدر بالدهون حتى يعود تقريباً كما كان، وهذه الطريقة تعتمد أيضاً حين يكون الثدي المستأصل صغيراً… في كل حال، مهما كانت التقنية المعتمدة، قد يضطر الطبيب الى إجراء تدخل في الثدي الآخر السليم من أجل إجراء المزيد من التماثل بين الثديين، لا سيما أن الثدي المرمم قد يبدو غالباً أجمل من الثدي السليم.

ارجاء الترميم
إحداهن خضعت في الأمس القريب الى إستئصال الثديين ونصحها طبيبها بألا تخضع الى الترميم إلا بعد أن تنتهي تماماً من العلاجات اللاحقة، ومن العلاج الشعاعي اللاحق بالتحديد، فهل يتأثر الصدر المرمم سلباً بالإنبعاثات الشعاعية؟
لعلّ الإجابة الأصح هنا هي أن الترميم لا يتأثر مطلقاً بالعلاج الكيميائي، غير أن بعض الأطباء يفضلون إرجاء العمل الترميمي الى ما بعد الإنتهاء من العلاج الشعاعي، إذا كانت الحالة تستدعي هذا النوع، لأن الإشعاعات قد تؤثر على الجلد. في كل حال، وكما سبق وقلنا، مهم جداً أن يكون هناك تنسيق كامل بين فريق طبي متكامل يتابع حالة المرأة من الألف الى الياء.
الناحية النفسية إذاً مهمة جداً جداً ويقول الدكتور عبد الحق: المرأة التي لا تستسلم تُشفى! كيف هذا؟ لعلها هورمونات ما تتفاعل في جسمها مانحة إياها دفاعاً عضوياً إستثنائياً!
لماذا أهمية ترميم الصدر بحجم أهمية عملية إستئصاله؟
لأنه إذا كانت العبرة من الإستئصال النجاة فإن العبرة من الترميم الحياة! فبعض هورمونات السعادة أقوى من كثير من العلاجات، خصوصاً إذا علمنا أن نحو خمسين في المئة من حالات السرطان التي يتم تشخيصها في لبنان تطاول نساء دون سن الخمسين… ولكم أن تتصوروا الآثار النفسية على إمرأة، دون الخمسين، تحيا بلا ثديين؟!
يوم ظهرت النجمة الأميركية أنجلينا جولي بعد خضوعها الى عملية إستئصال الثديين بدت، كما هي دائماً، فائقة الجمال والجاذبية وبثديين ممتلئين وكأن شيئاً ما كان… ما زالت أنجلينا جولي إذاً رمزاً أنثوياً صارخاً بنفسية جميلة جميلة وهي دلت، في كل ما أقدمت عليه، أن إستئصال الثدي ليس نهاية الدنيا بل بداية مرحلة!

نوال نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق