سياسة لبنانية

لبنان كفعل ارتباك اميركي – ايراني!

كانت وطأة اعادة التموضع الاميركي شديدة على لبنان، منذ ان قرر الرئيس باراك اوباما ارجاء او صرف النظر عن توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا على خلفية الاتهامات باستخدامها الاسلحة الكيميائية، الى ان قرر اخيراً الخطوة الانفتاحية تجاه الرئيس الايراني حسن روحاني. ذلك ان الخطوة الرئاسية هذه اعادت خلط الاوراق في الاقليم، مما حتّم تجميداً لمجمل الوضع اللبناني، مع انعكاسات هذا التجميد على الوضع السياسي – الحكومي.

 يحلو لمراقبين القول ان العلاقة الاميركية – الايرانية تكاد تكون من اكثر التعقيدات الديبلوماسية التي شهدها العالم الحديث، من حيث الشد والجذب، ونظريات المؤامرة والقنوات السرية، وازمة السفارة الاميركية في طهران و«ايران كونترا»، وبين كل ذلك الارتباكات، وخصوصاً اللبنانية.
يشير تقرير استراتيجي اميركي، يحاول مواكبة العلاقة الاميركية – الايرانية بإلتباساتها وانعكاساتها السياسية والديبلوماسية على اقليم المتوسط، الى ان «سعي طهران الى توسيع هيمنتها على المنطقة واقع تكافحه الولايات المتحدة وحلفاؤها» منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، ومن ثم بعد حرب تموز (يوليو) 2006، ويعود الى بدايات الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979، «باعتبارها المفصل الذي بدأت من بعده إيران بالتنافس على النفوذ في المنطقة مع الولايات المتحدة، حيث عمدت إلى توثيق علاقاتها مع سوريا ومع اللاعبين – غير الدول، بما في ذلك «حزب الله» و«حماس» وغيرهما من المجموعات التي يسميها القادة السوريون «محور المقاومة». يضيف: «خلال 20 عاماً بعد الاجتياح وخلال خمسة اعوام بعد حرب تموز (يوليو) 2006، واصلت طهران استثمار التوترات الفلسطينية – الإسرائيلية بطريقة تجعل منها عائقاً ناشطاً أمام سلام عربي – إسرائيلي مستدام، في وقت يتعيّن على واشنطن أن تتعامل مع عدائية عربية حيال شراكتها الاستراتيجية مع إسرائيل».
يستعيد التقرير، سريعاً، سجل التدخل الأميركي في لبنان، الذي يعود إلى العام 1958 «عندما صوّتت الولايات المتحدة لمصلحة التدخل العسكري في الحرب الأهلية القصيرة في لبنان»، ثم يستعرض ما حصل بعد الثورة الإسلامية الإيرانية «وفقدان الولايات المتحدة حليفاً إقليمياً حيوياً»، هو الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان «داعماً للمصالح الأميركية في المنطقة»، لتحل مكانه «جمهورية عدائية حيال مصالح الولايات المتحدة الاميركية الرامية إلى السيطرة في المنطقة وحيال الدول العربية التي تعتبرها طهران زبائن للأميركيين».

مكاسب لبنانية
ويتطرق التقرير الى لبنان، فيشير الى ان «إيران حققت المكاسب في لبنان. فما ان تسلّم (الامام) الخميني الحكم في إيران حتى أرسل قوات «الحرس الثوري» إلى لبنان لإقامة علاقات جديدة مع المجتمع الشيعي اللبناني، الغاضب من وجود منظمة التحرير الفلسطينية، لتجد هناك حلفاء راغبين وقادرين».
ويعزو تحوّل سلوك الشيعة من «مجرد داعمين إلى عدائيين بشكل منظّم» إلى «سوء إدارة إسرائيل لاحتلالها في لبنان»، وقد «اغتنمت إيران الوضع لخلق مجموعة عسكرية حملت بداية اسم «أمل الإسلامية»، وهي «الميليشيا التي قادها (رئيس مجلس النواب) نبيه بري(!)، قبل أن تصبح «حزب الله» بعد الاجتياح الإسرائيلي». ويوضح ان «حزب الله كيان لبناني ولكن انبثاقه وتحوّله لاعباً رائداً في أمن المنطقة والسياسات المذهبية المحلية لم يكونا ممكنين لولا الدعم الإيراني».
ويتناول التنافس الأميركي- الإيراني على لبنان، فيضيء على محاولات واشنطن «تطويق التهديد الذي تمثّله المجموعات المسلحة غير الحكومية». ويصف حزب الله بـ «التهديد المتنامي مقارنةً مع المجموعات المسلحة الأخرى مثل «حماس»، اذ هو «يحظى بدعم المجتمع الشيعي في لبنان ويتمتع بشبه سيادة في منطقة عملياته في الجنوب»، كما يملك «الوسائل التنظيمية والتدريبية والصواريخ والقدرات العسكرية التي تمكنه من منافسة غالبية القوى العسكرية العربية»، مما يجعله «تهديداً منظماً ومقرِّراً» لإسرائيل وللتطلعات الأميركية في المنطقة.
ويستدرك التقرير ان الحزب، رغم ذلك، «لا يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، والقول غير ذلك يعد خيالاً لا واقعاً». ويقول: «لقد بدأت الولايات المتحدة مهتمة، بشكل متزايد، بالدور الذي تلعبه حركات إسلامية مسلحة غير حكومية في السياسة الأمنية الإقليمية – بما فيها حماس الفلسطينية وحزب الله في لبنان. بإختصار، يُتوقع من المصالح الأميركية دعم القوى الجيو – سياسية التي تفضل إستقراراً طويل الأمد وحماية المصالح الأميركية في الشرق».
ويلفت الى ان «قسماً كبيراً من النموذج الراهن المتعلق بالتنافس الأميركي والإيراني متأثر بواقع إسرائيل وكونها إحدى أهم حلفاء أميركا في الشرق الأوسط. هناك بلدان قليلة واجهت ما واجهته إسرائيل من عدد من الأزمات العسكرية – الوجودية في التاريخ الحديث. هذا الأمر أدى الى سباق تسلح مستمر حيث طورت إسرائيل وحافظت على ميزة عسكرية نوعية حاسمة (QME) تتفوق بها على جيرانها العرب مع دعم أميركي مستمر. كما أوضحت الولايات المتحدة لدول إقليمية أيضاً أن الدعم الأميركي لجهود السلام العربية – الإسرائيلية يرتكز على الحفاظ على أمن إسرائيل وبأن الإلتزامات الأميركية بحماية إسرائيل ضد تهديد نووي إيراني لا تزال قوية. وقد سعت كل من تل ابيب وواشنطن، في الشرق، الى تأمين نظام أمني لمصلحة أمن إسرائيل. كما أن الولايات المتحدة تفضل بقوة أن يكون لدى إسرائيل علاقات ثنائية إيجابية ومرضية مع دول إقليمية – وليس السلام البارد الموجود حالياً بين إسرائيل والبلدين العربيين التي لديها معهما إتفاقيات سلام، تحديداً مصر والأردن. وقد سعت كل من إسرائيل والولايات المتحدة الى دعم السلطة الف
لسطينيةـ بطرق مختلفة وأحياناً عند تقاطع الأهداف – في ظل قيادة فتح كمتراس ضد مجموعات فلسطينية مصطفة مع إيران وسوريا، بما فيها «حماس» و«الجهاد الإسلامي» الفلسطيني».

 خروج السوري
يتابع: «بداية خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، كانت إسرائيل تستحسن بروز قوى سياسية في بيروت ذات علاقات وثيقة بالولايات المتحدة والغرب بأمل أن يتم خفض مستوى التهديد الذي يشكله الحليف القيادي لإيران في لبنان، جماعة «حزب الله» الشيعية، وبذلك تقويض الميزة اللامتماثلة لإيران في الشرق. في النهاية، تتقاسم كل من إسرائيل والولايات المتحدة مصلحة في بروز سوريا – في ظل القيادة الحالية أو خلافها – تتحمل رهانات جدية تتعلق بروابطها مع إيران وحزب الله وحماس، اضافة الى دورها كدولة مواجهة ضد إسرائيل. فالمفاهيم والتصورات الأميركية والإسرائيلية عن إيران تختلف فعلاً بالتفاصيل وبكل تقويم موجود لنطاق وحجم التهديد الإقليمي الذي تشكله إيران. ففي الوقت الذي من المرجح أن تمثل الثورات الأخيرة في العالم العربي تحدياً واضحاً وحاضراً للسياسة الأميركية في الشرق، لم يكن لهذه الثورات تأثير كبير يقلل من المفهوم الموجود في إسرائيل حول تطوير إيران لقدرات نووية وما يمثله ذلك كأهم تهديد إستراتيجي لإسرائيل اليوم. وبحسب احد التقويمات الإسرائيلية، تملك إيران الآن الوسائل لصنع منظومة سلاح نووي، رغم أنها لا تزال، في كل الأحوال، تفتقر الى  طريقة تسليم قابلة للتطبيق».
ويرى ان الولايات المتحدة «لا تزال مهتمة بشأن الخطر الذي تشكله إيران على إسرا
ئيل، إلا أن الرؤية الأميركية للتهديد الذي تشكله الجمهورية الإسلامية مركز أكثر على التهديد الذي تشكله إيران على الخليج وعلى صادرات الطاقة العالمية، وعلى التهديد الذي تشكله على الإستقرار والأمن عبر الشرق من قبل حلفاء إيران الإقليميين، أي سوريا، حزب الله وحماس. أما على مستوى الشرق الأوسط الكبير، فقد سعت الولايات المتحدة الى إحتواء النفوذ الإيراني وطموحاتها بالهيمنة بدلاً من مواجهة طهران مباشرة من خلال عمل إستباقي وقائي».

 دور خطر
ويعتبر التقرير ان إيران «لعبت دوراً أخطر بكثير في تعاملها مع حزب الله وحماس، وكذلك مع سوريا. فالتهديد من فاعلين غير حكوميين أو بديلين وطنيين ليس بالأمر الجديد. إذ لعبت منظمة التحرير الفلسطينية دوراً سياسياً وأمنياً مزعزعاً للإستقرار في كل من الأردن ولبنان. وشهدت القو
ات العسكرية الأميركية مباشرة ما يمكن ان تفعله مجموعات مسلحة غير حكومية بداية عام 1993 وذلك في تفجير ثكنات المارينز في بيروت من قبل عناصر شكلت في ما بعد ما يُعرف بحزب الله. أما حماس والجماعات الفلسطينية الأخرى فليس لديها الموارد أو مستويات المساعدات الخارجية من إيران وسوريا لتشكل تهديداً خطيراً لإسرائيل، نظراً خصوصاً، الى الجهود الإسرائيلية المدعومة أميركياً في خلق تدابير مضادة فاعلة ضد الصواريخ. في كل الأحوال، يعتبر حزب الله  تهديداً متنامياً. إذ لديه الدعم من أكثرية المجتمع السكاني في لبنان، الشيعة، ويتمتع بشبه إستقلال ذاتي في مناطق عملياته في جنوب لبنان. ويمتلك حزب الله قدرات صاروخية قصيرة وطويلة المدى وهي قدرات بإمكانها منافسة معظم القوات العسكرية العربية. كما يملك المال والتدريب التنظيمي الكافي ليمثل بذلك تهديداً منظماً أشد خطورة، ليس فقط بالنسبة الى إسرائيل وإنما ايضاً الى طموحات الهيمنة الإقليمية الأميركية».

التحويلات والمساعدات
ويضع التقرير مقارنة تظهر التفاوت الكبير واللافت في المساعدات الاميركية الى لبنان في العقود الستة الاخيرة، فيشير الى ان «تلقي لبنان حوالى 268 مليون دولار في شكل برنامج التمويل العسكري الخارجي (FMF) من الفترة الممتدة من العام 1949 وحتى العام 2005. وفي حين أن حجم تلك التمويلات كان مركزا في العام 1983، زمن المصلحة الأميركية المتصاعدة في لبنان، لم يستتبع ذلك إلا نماذج مساعدات محدودة جداً في الفترة الزمنية الممتدة من العام 1985 وحتى العام 2005، مدفوعة بشكل رئيسي من برنامج التعليم والتدريب العسكري الدولي IMET. لكن منذ بداية الإنسحاب السوري في العام 2005، قدمت الولايات المتحدة، وبشكل بارز، مستويات أعلى من المساعدات الى لبنان، بحيث نال ما يقارب المليار دولار بشكل مساعدات عسكرية أميركية للسنة المالية  2006 وحتى السنة المالية 2013، مدفوعة من برنامج التمويل العسكري الخارجي وبرنامج تمويل مكافحة الإرهاب تحت الفصل 1206 من القانون. وهذه زيادة مهمة نظراً الى موقع لبنان الإقليمي الهش، ووجود «حزب الله» وحال الحرب التقنية المستمرة بين لبنان وإسرائيل. لكن، على خلاف مصر، إسرائيل، والأردن، لم يدخل لبنان حتى الآن في نموذج مساعدات مستقر من الولايات المتحدة».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق