صحة

هكذا يعبر طفل التوحد الى الحياة!

قد يكون أصل الكلمة «وحيداً» أو «وحدة» لكن حين تتحول الكلمة في حالة معينة، في حالة ما، الى «توحد» تُصبح مشكلة مرضية! والتوحد هو اضطراب دماغي يعوق قدرات الطفل التعبيرية فلا يعود قادراً على التواصل مع الآخرين… هذا في المبدأ لكن في الواقع، في الحالات الواقعية، هل له أعراض واضحة، حاسمة، حازمة، تجعلنا نعلن: هذا طفل متوحد؟ وماذا عن العلاج؟ وهل هناك أساساً علاج للتوحد؟

يصيب التوحد طفلاً من كل مئة وعشرة أطفال، وصبياً من كل سبعين صبياً. ويُرجح أن يتجاوز عدد الأطفال المصابين بالتوحد قريباً عدد الأطفال المصابين بالسيدا والسكري والسرطان. والذكور، معرضون للإصابة أكثر من البنات، وليس للمرض علاج سريري أو حتى كشف طبي!
المعلومات هذه التي جمعتها ودققت فيها وأعلنتها «جمعية التوحد للدمج الإجتماعي» لا تُطمئن لكن هل معنى هذا أن نستسلم؟ هل معناه أن نقول هذا قدرنا ونرفع العشرة تعبيراً عن فشلنا في مواجهة القضاء والقدر؟
ثمة أمل جديد مع مطلع كل شمس وثمة علاجات تستحدث من شأنها الإحاطة بمرض التوحد… هذا ما سمعناه في مؤتمر مستشفى «بلفو» حول أحدث علاجات التوحد لدى الأطفال… فماذا في جديد المرض؟ وهل استجابة طفل التوحد باتت، مع العلاجات المتاحة، أكبر؟ وهل سنصل الى يوم نستطيع فيه دمج الطفل المتوحد مع رفاقه الأطفال في صف واحد ودار واحدة؟
سنبدأ بالمقلوب، من العلاج، لنشير الى أحدث أنواع العلاجات المتوافرة حالياً وتعرف باسم: Pivotal response treatment. وصنف المجلس الوطني للبحوث ومشاريع المعايير الوطنية في الولايات المتحدة الأميركية هذا النوع من العلاجات بواحدٍ من أهم التقنيات المتكاملة والمثبتة علمياً لعلاج التوحد لدى الأطفال. وهو يركز على سبل دمج العلاج السلوكي الطبيعي الفاعل في التفاعلات اليومية، بهدف تعزيز وظائف التواصل والاستقلال لدى الطفل ومنحه مهارات جديدة وتقويم سلوكه الجسدي ليتعلم الاختلاط مع الآخرين.

العلاج
ماذا عن الدواء؟
قد يكون الدواء رديفاً للتدخلات التربوية والسلوكية ويصفه الأطباء عادة الى المتوحدين حين يعانون من كثرة الحركة أو من عدائية شديدة.
إذاً، ليس ضرورياً أبداً أن نهلع حين نسمع بالتوحد، بل يجب أن نفتح آذاننا وعيوننا جيداً، فنمنح طفلنا ما يحتاج من عناية ونمنح أنفسنا كثيراً من المعلومات حتى نتمكن من الإحاطة بقدرنا الجديد بمزيد من التقبل وبكثير من الاهتمام وبقليل من التمرد!
رئيسة جمعية التوحد للدمج الاجتماعي ريما فضول تؤكد، انطلاقاً من وجودها على تماس دائم مع أطفال التوحد وأهاليهم، أن العلاجات السلوكية إذا طُبقت على نحو صحيح فإنها قادرة على تحسين حال الطفل.
ممتاز، لكن ماذا عن علامات التوحد؟ كيف يمكننا اكتشافها؟ كيف يمكننا أن نحدد ونقول: هذا الطفل متوحد؟ تجيب فضول: يرصد الأهالي عادة علامات التوحد في العامين الأولين من حياة الطفل، وبالتالي يكون العلاج المبكر أساسياً لنمو الطفل على نحو سليم وضمان عيش حياة أفضل له.
ما هو طبياً التوحد؟ وهل له سبب مباشر؟
التوحد هو اضطراب في النمو ناتج عن اختلال عصبي، وهو يظهر، كما سبق وقلنا، في السنوات الأولى من عمر الإنسان. والتوحد على درجات والعوارض قد تختلف بين ولد وآخر، وهي تتدرج من عوارض خفيفة الى عوارض أشد. وأبرز هذه الإشارات: صعوبة في العلاقات الاجتماعية، وفي التعبير اللغوي وغير اللغوي، وفي التعبير عن الانفعالات، وفي اللعب، كأن يلعب الطفل الصغير في دواليب السيارة لا في السيارة، وصعوبة في استخدام المخيلة، والقيام بتصرفات متكررة، بعبثية وبعدم اتزان وعدم الالتفات عند مناداته باسمه وبتجاهله الأوامر الكلامية وبإعادة تكرار ما يسمعه من كلام في شكل ببغائي، فإذا سُئل مثلاً: ما اسمك؟ يُردد: ما اسمك؟ ما اسمك؟ ما اسمك… ويتفاعل عادة الطفل المتوحد مع الإثارات الحسية مثل الضوء والملمس وينجذب الى الأشياء التي تتحرك في شكل دائري. ويتعلق عادة هذا الطفل في شخص واحد محدد لا بمجموعة أشخاص. وهو يقاوم عادة التغيير ولا يحب الثياب الجديدة ويقلقه التغيير في أثاث البيت.
يجري عادة تشخيص هذا النوع من الاضطرابات في عمر الثلاث سنوات. وهو يظهر لدى الصبيان بنسبة أربع مرات أكثر من الفتيات: أربعة صبيان مقابل فتاة واحدة. وهناك حالياً أكثر من 400 حالة توحد تم تشخيصها في لبنان فيما يبقى الكثير من الحالات مجهولة. ولعلّ الإنجاز الأهم هو مشروع دمج الأولاد المتوحدين في مدارس عادية، وبدأ يُشارك هؤلاء زملاءهم، أو من يفترض أن يكونوا زملاء الصف الواحد، في ساعات ومواد محددة.

احصاءات
هذا في لبنان… ماذا في العالم؟
تشير الإحصاءات الى إصابة ستة أطفال بين كل ألف طفل في الولايات المتحدة بمرض التوحد، واللافت أن عدد الإصابات يرتفع! لماذا؟ يرد السبب، أقله حتى هذه اللحظة، الى زيادة التوعية حول مرض التوحد ما سمح باعتبار الطفل المصاب مريضاً لا أبله!
العلاج التفاعلي إذاً أساسي، والتفاعل يفترض أن يبدأ من البيت فماذا يمكن أن يفعل الأبوان بنفسيهما؟ كيف يمكن أن يحوطا طفلهما بالرعاية المدروسة والواعية؟
اللعب بحب مع الطفل المصاب يفيده كثيراً، ويفترض لفت انتباهه خلال اللعب بزكزكته مثلاً ووضعه على القدمين والركض نحوه بحماسة والتعاطي معه بنبرة محببة ويُفضل تكرار استخدام الألعاب عينها حتى يعتاد عليها، ويفترض خلق مواقف تدفع الطفل الى التفكير، مثل إبعاد غرض محبب له وتخبئته من أجل أن يندفع بحثاً عنه. ويجب تكرار تسمية الأغراض والأشخاص والأفعال والمواقف التي تحوط به لدفعه الى ربط الكلمات بالأشياء. ويجب تسمية الطفل باسمه لا مناداته بكلمتي: أنت أو أيها الصبي… ويفترض أيضاً خلق روتين يعتاد عليه الطفل ثم مفاجأته بتغييره، على أن نجاريه في ما يفعل حين يقوم بمبادرة معينة. وتذكروا في كل هذا أن الطفل المتوحد يُفضل التعامل مع الأشخاص الراشدين مخافة ألا يجيد الصغار التعامل معه. ويجب تشجيع الطفل على الإجابة على الأسئلة والإكثار من عبارات الاستفهام مثل: أين؟ لماذا؟ متى؟ ماذا؟ ويمكن استخدام علامات الاستفهام في جمل تُشكل أغنيات مثل: أين الفأرة؟ عم تبرم عالجبنة. أين الهرة؟ عم تبرم على الفأرة.
هذا المرض هو اضطراب جيني ربما، وربما هو نتيجة عدوى فيروسية أو تلوث بيئي حفز نشوءه! نقول ربما لأن السبب يبقى في دائرة التكهنات أما الحقيقة الثابتة أي أن طفل التوحد هو طفل يضحك ويبكي ويكبر ويفترض أن يتعلم ويعيش! كيف؟ بالتوعية أولاً والعناية دائماً!

نوال نصر


 

هكذا اكتشفت ابنها… 
وائل هو طفل مثل كل الأطفال. انه جميل، أبيض، يبكي، ينام، يأكل، يحلم، يبتسم للملائكة، نبتت أسنانه ويرى أهله الحياة من خلال عينيه. كبُر وائل. مضت على ولادته أربعة أشهر، خمسة، ستة، أكثر. تأخر نموه، تباطأ. ثمة تطورات مختلفة جعلت والدته تشك بشيء ما، بشعور غريب، حاولت أن تحجبه ففشلت. توجهت به الى الطبيب. أجرت له فحوصات مخبرية لكنها لم تشر الى شيء، الى أي شيء. التوحد أساساً لا يظهر عبر الفحوصات المخبرية. وطبيب الأطفال وعدها بأن يمشي غداً أو بعد غد ولا بدّ أن يتكلم ذات يوم ولا بد أن يبدأ بالاستيعاب في أحد الأيام… أخذته في سن الخامسة الى معالجة نفسية واختصاصية بالنطق. رأت المعالجة ان تقرصه بقوة لكن من دون أن يبدي أي انعكاس. تفاجأت لكنها حاولت أن تحجب الفكرة، فكرة المرض، من جديد معللة بأن وائل طفل قوي، يتحمل الألم، لذلك لم يصرخ! لكنها، في ذاك النهار، بعد أن عادت الى البيت بحثت عن تقرير كانت قد قرأته قبل أعوام وقرأت فيه مجدداً بإمعان وقارنت بين معلومات التقرير وحالة وائل فتأكدت أن طفلها متوحد!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق