تشكيل

ملوانات عراقية 13… اعمال نادرة ومفاجآت

انه الموعد السنوي المنتظر لانطلاقة المعرض الجماعي العراقي المتميز  في غاليري زمان-  بيروت، تحت عنوان «ملوانات عراقية» في نسخته 13 الذي يستمر في متناول محبي الفن التشكيلي وهواة جمع اللوحات المتحفية النادرة حتى 21 ايلول (سبتمبر)، وهو يجمع هذا العام اكثر من 50 عملاً واكثر من 50 توقيعاً ويتضمن لوحات تعرض للمرة الاولى.

اهمية هذا المعرض تكمن اولاً في ان الاسماء والاعمال المشاركة  فيه تتساوى من ناحية القوة بين اعمال لفنانين اصبح لهم اسم لامع على الساحة الفنية على غرار رياض نعمة، ليلى كبة كعواش، عمران القيسي، حسن عبود، علي عباس، عبد الرحمن الساعدي، تحسين الزيدي، جودت خان، اسامه حسن، صلاح هادي، لهيب كامل، حيدر نجم عبود، علي غسان وناديا ياسين، بالإضافة الى مشاركة لأول مرة لأعمال الفنان الكبير مهدي الاسدي وسعد الكعبي وضياء الدوري.

اعمال نادرة
اما  ابرز ما يميز النسخة 13 من «ملوانات عراقية» كما اسلفنا، دخول اعمال متميزة ونادرة للفنان العراقي الراحل ارداش ككفيان وهو من الفنانين الرواد الذي عاش وتوفي في فرنسا حيث حصلت الغاليري على مجموعة زيتيات واعمال طباعية ليتوغرافية له مما زاد المعرض غنى على غنى.
اما اذا سألنا صاحب الصالة عن المعايير المعتمدة في مشاركة الاعمال او الطريقة المعتمدة للعرض، فيوضح  موسى قبيسي ان الاعداد لهذا المعرض يتطلب وقتاً طويلاً وعناية استثنائية لأن الادارة تعلن قبل عام انها تستقبل في العام 2013 مثلاً اعمالاً لفنانين عراقيين متميزين قد تكون موجودة لدى افراد يعرضونها في بيوتهم او تعد ضمن مقتنياتهم فيرغبون بالإضاءة عليها دون بيعها، او انهم يرغبون ببيعها لشراء اعمال اخرى اكثر اهمية  بالنسبة اليهم. لهذا السبب نلاحظ ان العديد من اللوحات تخصص للعرض فقط وليس للبيع.
ومما لا شك فيه ان مشاركة هذه الاعمال تعد فرصة  لمحبي ومتذوقي الفن التشكيلي للتعرف على اعمال فنان كبير، اعماله لا تعرض الا نادراً كما انها فرصة مهمة لطلاب الفنون الذين يهمهم الفنان لإقامة ابحاث عنه او لاغناء ثقافتهم الفنية وتوسيع آفاقهم بالمشاهدة والملاحظة وامتاع النظر.

بصمة خاصة
نظرة على المعرض تبين اولاً مدى الفرادة التي يتمتع بها الفن العراقي والبصمة الخاصة لكل الاعمال مما يجعلنا لا نستغرب ان يكون له جمهوره الخاص لأنه يتميز بالجرأة التلوينية والاستفادة من التراث القديم ومن البيئة العراقية المحلية لا سيما البيئة الشعبية. وما يلفتنا هو هذا القاسم المشترك عند الفنانين المشاركين عموماً، اذ نرى ان الفنان العراقي ينقل بيئته الى اللوحة في اطار راق، وهو العامل الاهم الذي ساهم في جذب محبي الفن العربي والغربي للغوص اكثر فأكثر في جماليات اللوحة العراقية لا سيما ان هذا المعرض قدم نماذج وعينات جادة ومتقدمة من التشكيل العراقي لأجيال مختلفة من الفنانين القدامى والشباب، وتمثلت فيه كل المدارس الفنية من الانطباعية والتكعيبية والسوريالية وصولاً الى التجريدية مع مشاركة لوحات ذات قيمة متحفية.
وحين نتأمل اللوحات نخشى من ذكر بعضها على حساب لوحات اخرى لا تقل شأناً ابداً، واذا استمتعنا مثلاً بقوة التعبيرية عند سيروان باران في لوحات النساء العراقيات وخصوبة الوانه المروية والمرهفة قي توزع الشكل والاضواء والظلال، اي لوحاته التي  تحكي عن براعته وحساسيته الفنية، فهذا لا يعني ان لوحة سالم الدباغ التي تنم عن براعته وحساسيته الفنية ومتانة بنيانه التشكيلي التي تحكي عن تجربته التجريدية الرائعة استوقفتنا اقل.
 
لعب راق
ولا يضيرنا استعادة اعمال الفنانين الذين سبق ان عرضوا افرادياً لمتابعة جديدهم وما اضافته الامكنة التي اقاموا فيها فترات طويلة على فنهم من المقيمين في لبنان او في دول الاغتراب، فنذكر على سبيل المثال عمران القيسي المقيم في لبنان، هو ينوع كثيراً في لوحاته كما نعهده لكن ضمن الاسلوب الواحد وقد تبدو اعماله مختلفة عن بعضها، لكن كل واحدة تأخذ المتلقي الى عالمها وضياءاتها ونورها الداخلي. يستوحي قيسي من الذاكرة ومخزونه الثقافي الفني العراقي الذي لم يزل حتى اليوم يتحف العالم بالإبداع، ويبدو للناظر الى فنه انه يسكب الالوان ويجعلها تنساب بعفوية وصدفوية، لكأنه هو لا يتدخل الا لدوزنة الامور وضبط الايقاع العام لجو اللوحة. يتصرف قيسي مثل الكيميائي خلال اختباراته فيستبعد اي لغة تعبيرية احياناً ويجمد الحركة ويحول انسيابات المادة اللونية الى صورة صامتة، لكنه بخبرته يعرف على ما يبدو كيف يوازن بين الاختباري والعقلي العفوي والمدبر، بين اللون الصافي والالوان المتداخلة، لذا قيل عن التشكيل عنده «انه نوع من اللعب الراقي من ترويض الصدفة من ضبط المزاج اللوني الانطباعي لصالح الرمزية احياناً» والاهم ان الصورة عنده تنبع دائماً من المخيلة ومخيلته طبعاً تزخر بالرموز والاشارات التي نتعرف عليها في لوحاته.

 


خلاصة تأملات
وماذا نقول عن مساهمة سعد الكعبي الذي بالرغم من بساطة خطوطه، فما نراه يعبر عن نضجه الفني، ففي اعماله احساس بالخزف والحفر وحتى بالنحت البارز، الا ان القوة تكمن في اجتماعها وتوحدها لتصبح كتلة واحدة تصعب تجزئتها، ويكفي ان نذكر ان اعماله على اي حال هي التي رشحته لينال الجائزة الاولى لبيالي الثالث. لوحات تعكس خلاصة تأملاته في الحياة والكون والبشر والمجتمع، وتظهر طموحه الممزوج بالثورة والتمرد الذي يطبع حياته وفنه. لوحاته تميزها الوانها وتقنيتها واسلوب تكوينها، فعنده نجد الالم يمتزج بقلق الفرح بآداء فني بارع شديد الحساسية. انها بالتأكيد حالات انسانية مطعمة بحضارة الانسان ومثقلة بالمعرفة، اعمال واقعية غارقة بحساسيتها وشفافة تفصل بين الفرح والحزن لكنك ترى الجانبين من خلالها. جاذبية هذه اللوحات تأسرك بجماليتها التشكيلية المتفردة .
ومما لا شك فيه ان الزائر لهذا المعرض سيشعر بمتعة ما بعدها متعة، اذا اكتشف قوة موهبة جديدة واعدة مع صاحب الصالة، موهبة كانت مغمورة حتى الامس القريب، ولن تقل فرحته اذا تسنت له مشاهدة لوحات لفنان مهم من الرواد لم يسبق له ان شاهد اعماله لندرتها وندرة اوقات ظهورها ضمن معارض امام الجمهور. واذا كان من النقاد والباحثين فإنها فرصة مهمة له لإقامة تحليلاته ومقارباته حول الفن التشكيلي العراقي بين القديم والجديد، واذا كان هاوياً يهمه اقتناص فرص عرض الاعمال التي تعد متحفية بجدارة سيجد الفرصة سانحة لتحقيق غايته عبر شراء ما يختاره بأسعار مدروسة تأخذ بالإعتبار تجربة الفنان وقوة العمل بحد ذاته.

كوثر حنبوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق